مجدي خليل
&
عند كتابة هذه السطور أعلن أن التليفزيون المصري سوف يعرض مسلسل باسم "فارس بلا جواد" والمأخوذ كما ذكر عن البروتوكولات الوهمية لحكماء صهيون. وقد أبدت الخارجية الأمريكية اعتراضها على عرض هذا المسلسل وقال ريتشارد باوتشر المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية "نحن نعتقد أنه من غير اللائق أن تبث محطات التلفزيون الحكومية برامج نعتبرها عنصرية وليست صحيحة" أضاف باوتشر إنه مسلسل يفترض أنه يعالج موضوعات أخرى " لكنه يشتمل على بروتوكولات حكماء صهيون البغيضة، وقد أثرنا الأمر مع مصر وحكومات أخرى ."& ووفقا لما ذكرته بعض الصحف العربية أن ست دول عربية تراجعت عن عرض المسلسل أما مصر فقد صرح صفوت الشريف وزير الإعلام قائلا أن الحكومة المصرية لن تتراجع نهائيا عن إذاعة المسلسل .
وحسب ما تقول المراجع فإن "بروتوكولات حكماء صهيون" هي مجموعة من الأكاذيب المختلقة التي أعدتها جهات الأمن الروسية عام 1905 في حكومة القيصر نيقولاي الثاني وتتحدث عن خطط اليهود للسيطرة والهيمنة على العالم . وقد استخدمت وقتها لبث الكراهية والعداء ضد اليهود ، واستخدمها هتلر بعد ذلك لتبرير المحارق الشهيرة (بالهولوكوست) للتخلص من اليهود نهائيا. ونتيجة لهذا الاستخدام الإجرامي لهذه البروتوكولات حظرت أغلب دول العالم الاستخدام السياسي والثقافي لهذه البروتوكولات وظلت كشاهد على الدعاية السامة التي من الممكن أن توجه إلى شعب أو دين أو عرق بعينه وكيف تصل هذه الدعايات والأكاذيب والتي امتلئ بها التاريخ القديم والحديث والمعاصر إلى محاولة محو لشعوب أو أديان أو أعراق وأبادتهم. وحتى ولو افترضنا أن هذه البروتوكولات صحيحة ولكنها بالفعل استخدمت لتبرير جرائم بشعة ضد الإنسانية يندي لها الجبين البشري ، فما هي مصلحة مصر والعرب أذن في العودة إلى هذه البروتوكولات والاحتفاء بها ؟ وهل استخدام مثل هذه الأساليب سيعود بأدنى فائدة على القضية الفلسطينية ولا على النضال الفلسطيني؟ وإذا كانت مثل هذه الأوهام ستضر حتما بالنضال الفلسطيني العادل، ا فلا توجد قصص حقيقية في النضال الفلسطيني تستحق تسليط الأضواء عليها في مسلسل مصري بدلا من التعاطي مع الخرافة ؟ انظروا مثلا قصة المرحوم فيصل الحسيني الذي قتل أبوه وهو يدافع عن احتلال الأراضي في معارك فلسطين الأولى وسقط فيصل في الكويت وهو يجوب العالم طولا وعرضا من أجل استمرارية النضال وسيستمر الحفيد أيضا في النضال إلى أن يتحقق حلم الفلسطينيين في دولتهم المستقلة . أليست هذه الملاحم وغيرها هي الأجدى بتسليط الضوء عليها ؟
هل تعاطي العرب مع القضية الفلسطينية يتسم بالخيبة أم بالغباء أم بالمتاجرة أم بكل ما سبق . انظروا مثلا ما الفائدة التي تعود على العرب من إنكار الهولوكوست النازي ضد اليهود أو التشكيك فيه والاحتفاء بالمشككين فيه من أمثال جارودي ؟ إذا كانت ألمانيا ذاتها اعترفت به واعتذرت عنه وقدمت تعويضات عن هذه المذابح البشعة ، هل العرب ملكيين أكثر من الملك ؟ ولماذا كل هذا الحرص العربي على عدم ابتزاز ألمانيا من قبل اليهود ؟ ولماذا يدخل العرب في كل هذه المتاهات ولديهم قضية واضحة وترسانة دولية من القوانين والقرارات التي تؤيد قضيتهم ؟ ولماذا يفعلون ذلك بقضيتهم ويخسرون يوم بعد يوم أصدقاء لهم في كل أرجاء الأرض ؟
&قد يقول قائل أننا لا نملك حاليا إلا الكراهية في مواجهة عدو يملك كل شئ ويستخدمه ضدنا . وهل الكراهية عمل إيجابي سيعود بأدنى فائدة على صاحبه أو على قضيته إن ما تفعله الكراهية هو تدمير صاحبها وليس عدوه . إن الذين صنعوا نجاح اليهود في العالم وفي إسرائيل ليس هؤلاء المتعصبين والمتطرفين من اليهود وإنما هم رجال الأعمال وأساتذة الجامعات والمفكرون والباحثون والإعلاميون والمهنيون اليهود الذين انتشروا في كل العالم ونجحوا لأنهم اجتهدوا وسعوا وراء النجاح ، ونجاحهم هذا هو الذي دعم دولة إسرائيل وصنع منها دولة حديثة قوية وليسوا هؤلاء المتطرفين من اليمين الإسرائيلي الذين يعتبرون عبئا على دولتهم لأنهم يتصفون بالعدوانية والكراهية الشديدة لعدوهم.
&&&& إن الكراهية في العالم العربي للأسف تحولت إلى عقيدة شعبية ترتقي إلى مستوي الإيمان ولم تقتصر على إسرائيل فقط وإنما امتدت إلى اليهود وديانتهم واتسعت لتشمل أشياء أخرى كثيرة حتى باتت الكراهية صناعة كبيرة& في العالم العربي . إن هناك الكثير من الكتابات العربية التي تتراوح ما بين الخيال المريض والأكاذيب المختلقة والمعارك المفتعلة الوهمية ، ولم تقتصر تلك الافتراءات والتشويه على التاريخ والديانتين اليهودية والمسيحية وإنما امتدت لتشمل كل شئ حتى بات الأمر للمدركين حقيقية الأمور وكأنه كابوس ثقيل يسبق انهيار خطير سوف يلحق بالمنطقة العربية من أقصاها إلى أدناها .
&&& إن هناك في العالم العربي فائض هائل من الكراهية والعداء للآخر ونفيه وتكفيره ومن ثم السعي لاستئصاله وهذا ليس وليد اليوم في المنطقة العربية بل هذه الكراهية صناعة متكاملة قديمة يقوم بها أفراد وجماعات وهيئات وحكومات ولكنها زادت بشدة في العقود الثلاثة الأخيرة في ظل فاشية الأنظمة وسيطرة التيارات الأصولية على الشوارع العربية .
&&&& ولكن السؤال ما هي الأسباب وراء استغلال قضية فلسطين بهذا القدر في العالم& العربي بدلا من السعي الحقيقي لحل مشكلتهم ؟ هناك الكثير جدا من الأسباب وراء ذلك نذكر منها :
أولا : المتاجرة بالقضية
&&& هناك جيش هائل من الأفراد والمؤسسات بل وبعض الحكومات التي تتعايش وتسترزق من استمرار القضية الفلسطينية وهناك سماسرة متخصصون في هذه القضية ، وعلى المستوى الإعلامي هناك عدد كبير من الإعلاميين العرب لا يعرفون أن يتكلموا في شئ سوى القضية الفلسطينية ، وإذا انتهت هذه القضية لن يجد أحد منهم عنده شئ يكتبه أو يتحدث فيه ، وبدعوى الحرص على حقوق الفلسطينيين يحاول كل هؤلاء تعطيل أي حل حقيقي لإنهاء هذه القضية .
ثانيا : هناك بعض الحكومات التي فشلت في حل مشاكلها مع إسرائيل مثل سوريا ، والتي كما أذيع هنا في أمريكا عرض كلينتون مرتين على حافظ الأسد استرجاع الجولان كاملة مع بعض الترتيبات الأمنية ولكنه تراجع في وقت الحسم حتى لا يسبب أية مشاكل لأبنه الوريث من بعده . والسلام كما يعرف الجميع يحتاج إلى شجاعة ، وتنازلات مؤلمة وحلول توفيقية وبدلا من إعلان ذلك للشعب اكتفوا& بنشر الكراهية وهي طريقة خاسرة على المدى الطويل ولن تحقق أي نتائج سوى تكريس الاحتلال للأراضي مع مرور الزمن .
ثالثا : امتصاص غضب الشارع العربي وإلهائه عن مشاكله الحقيقية وكما يقول سيفر فلو تسكر المحلل الاجتماعي "إن الحكومة المصرية تعتبر الدعاية الفظيعة المعادية لليهود صمام أمني وشرعي لتسريب الإسلام الأصولي الذي يتكاثف في الشارع المصري ."
رابعا : جزء كبير من العداء الإعلامي في العالم العربي لأمريكا وإسرائيل ما هو إلا إسقاط إعلامي ، فالذين يكرهون ويتظاهرون في العالم العربي ضد أمريكا كما يقول برنارد لويس هم في الحقيقية يتظاهرون ضد أنظمتهم ويكرهونها وحيث أنهم لا يستطيعون ذلك يوجهون الموضوع إلى إسرائيل وأمريكا ، ولهذا تتظاهر الشعوب ضد أمريكا في الدول التي تصادق حكوماتها أمريكا ، وتتظاهر الشعوب لصالح أمريكا في الدول التي تعادي حكومتها أمريكا مثل إيران .
&&&& ففي مصر الكتاب والمثقفون الذين يكتبون البيان تلو الآخر ضد ما زعموا أنه تدخل السفير الأمريكي في حرية الصحافة أو تدخل أمريكا لإبداء ملاحظاتها على هذا المسلسل لم نر أي منهما وقد كتب بيانا يطالب فيه حكومته بحرية الصحافة أو نشر الحريات أو الديموقراطية بصفة عامة أو الدفاع عن حقوق الإنسان أو محاربة الفساد ، ولم نر مظاهرة واحدة في الشارع المصري تدافع عن هذه المعاني.
خامسا : غسيل الأخلاق
&&& هناك شئ معروف أسمه غسيل الأموال ، باستثمار جزء أو كل الأموال غير المشروعة في أنشطة مشروعة حتى تحصل هذه الأموال على مشروعية . وهناك أيضا ما يمكن أن نسميه "غسيل الأخلاق" مثل :
?- القيام بممارسات دينية شكلية أو زيارة أماكن دينية مقدسة لخداع المجتمع&& وخداع الذات .
ب - ارتباط امرأة بشخص محترم وذو سمعة طيبة لغسل تاريخها سئ السمعة .
ج - الاحتماء بقضية عادلة وعليها إجماع شعبي والمزايدة عليها لغسل فساد مالي أو أخلاقي .
د - احتماء حاكم في دين أو في قضية عادلة ليعطي مبررا لاستمرار حكمه أو إخفاء سجله المخزى في نهب ثروات دولته والتنكيل بشعبه& .
وقد استخدمت القضية الفلسطينية على مدى تاريخها من أجل غسيل أخلاقي لكثير من تصرفات أفراد أو هيئات أو حكام فاسدين ماليا وأخلاقيا .
سادسا : أحيانا تستخدم قضية كراهية اليهود والعداء لهم في محاولة لتبرير فشل أو عدم فهم ما يدور حولنا ، وفي هذه الحالة ليست هناك أسهل من اعتبار كل شئ هو مؤامرة يهودية وغريبة على الشعوب العربية المسكينة فالعولمة مؤامرة غربية لتركيع الأمة الإسلامية ومحو هويتها وحتى أندية الروتاري والليونز والنوادي الماسونية كلها مؤامرات يهودية على العرب .. ولماذا التفكير والتعب وكل شئ حولنا هو عبارة عن مؤامرة وهنا يبدأ العقل في الكسل ثم الجمود ثم يتجه إلى المرحلة الأخطر وهي الخيال المريض .
إن نشر ثقافة الكراهية في العالم العربي تساعد أمثال شارون على تحقيق أهدافه غير المشروعة وغير الإنسانية.

كاتب وباحث - نيويورك
[email protected]
[email protected]