منصور الجهني
&
لاشيء حقيقي مما يحدث، حتى دماء الاطفال، أشلاؤهم،بقايا جثثهم المهروسة بين الانقاض.. كلها مجرد صور، قد نشاهدها بينما نحتسي أكواب الشاي، أو غيرها، وقد نتلذذ بتناول طعامنا، على أصداء عويل الامهات المفجوعات بفقد آخر الأبناء، دون أن نفقد الاحساس بصقيع الشاشة، اوحتى صقيع احاسيسنا، كأن كل هذا الموت، ليس موتنا، وكأن كل هؤلاء الاطفال الذين يتساقطون تباعا كالعصافير، بالرصاص الذكي والأسلحة الذكية، -نسبة الى صانعيها ومستخدميها، الأذكياء - هم&خارج سرب الطفولة، أو كأن هذا الذي يحدث أمام أعيننا قد اكتسب مشروعيّة ما، وأصبح لايستثير حتى التساؤل،لقد أصبحت تلك المشاهد كما لو أنها جزء من سياق تلك الحضارة الحديثة التي يشهدها العالم، وبالتالي يبدو الاعتراض عليها أمر غير حضاري، وغير مبرر،وربما حتى لانتهم بأننا خارج سياق تلك الحضارة، علينا ان نفرق بين القتل والتدمير وكل أشكال العنف& التي تتم عبر وسائل تكنولوجية بالغة الدقة والتطور، وحتى الذكاء أيضا، وبين القتل الآخر أو التقليدي، وكأن الأول& هو فعل مجازي أو وهمي لايرقى الى مستوى الجريمة،& حيث لاتتلوث يدا القاتل بدماء الضحية، وحيث كل شيء يتم عبر الازرار، انها مجرد لعبة الكترونية، من غير المستبعد ان يمارسها غدا أطفال العالم المتحضر، ببراءة كبيرة، تشبه براءة شارون، ولما لا طالما أصبح هذا العالم الذي نسكنه حقلا للتجارب الذكية؟، وحتى عندما يكون ذلك القتل مواكبا لحظة بلحظة،ومنقولا بالصوت والصورة، أو بالدماء والأنين، فإن أحدا لايجرؤ على إدانته أو وصفه بالهمجية مثلا أو الوحشية، ربما لأن هذه الصفات حسب معايير العولمة تختص بشعوب وحضارات معينة ولايجب تعميمها على العالم المتحضر بغض النظر عن الممارسات والافعال،وبغض النظر عن بشاعة الصور المنقولة!
وكأن& لاشيء يستحق الأسى طالما أن مانراه هو من فعل& الأسلحة الذكية، التي تختار ضحاياها بدقة،ولاتقتل الا من يستحق ذلك، ولكن ماذا عن هؤلاء& الاطفال، والنساء، والشيوخ، ألا يمكن تصنيقهم ضمن الأبرياء ؟،ومع ذلك تبقى لتلك الأسلحة رؤيتها التي لايمكن الاعتراض عليها، فهي& تستدل على ضحاياها المارقين، بناء على رؤية مستقبلية،أو ماضوية ،أو ربما بناء على ألوان بشرتهم، أو رائحة أجسادهم، أو مالا ندركه نحن برؤيتنا المتخلفة، لكن في كل الأحوال علينا القبول به لكي لانخرج عن سياق الحضارة
و حتى عندما تدافع تلك الشعوب المضطهدة عن كرامتها وأرضها،فان ماتقوم به من محاولات يائسة، يصنف في خانة الأعمال غير الانسانية والوحشية،ربما باعتباره يستهدف قيم الحضارة& الجديدة، التي يحملها بابانويل القرن الجديد متنكرا بزي شارون الى أنحاء العالم،حيث يقتحم الأبواب موّزعا كوابيسه على الأطفال الحالمين بيوم دون دماء، و ربما لانها تستخدم لذلك وسائل بدائية، كأن تحول أجسادها التي لاتملك& سواها، الى قنابل& تتفجر&& في وجه الطغيان، دفاعا عن آخر حجرات الروح المنتهكة،أو أن تواجه أحدث تقنيات القتل من دبابات وطائرات& ذكية، بالحجارة، ان ذلك بالفعل عمل غير حضاري،يستهدف الأبرياء الذاهبين بكامل أسلحتهم الى حفلات القتل اليومية، حيث يتم تخليص العالم من قوى الشر،والتي غالبا ماتكون من الأطفال، الذين يخبئون قنابل نووية في حقائبهم المدرسية&&&&&&&&&&&&&&
لقد أصبحت هذه الصور التراجيدية وجبة يومية، أو ليلية،بالإضافة طبعا الى الوجبات الاخرى، التي أصبحت تندس بين تفاصيل اهتماتنا، حتى ولو رغما عنا، وأحيانا يكون ذلك الرغم مجرد ادعاء، فبينما نعلن ضجرنا من تطفل ذلك الكم من الصور، والمعلومات، والاعلانات،التي تدخل الى بيوتنا دون استئذان،لتنسج& في فضاءات عقولنا خيوطها العنكبوتية نكون في الواقع مشدودين او ربما مدهوشين،أو مسحورين.. وكل صيغ مفعولين الاخرى،بهذا العالم الذي يأخذنا عبر زمنه الاثيري، الى& فضاءات تفوق الخيال .
هل تجسد "الرجل العنكبوت" بقدراته الخارقة، التي كانت مبعثا لسخريتنا في وقت مضى، من خلال هذه الشبكة العنكبوتية، وعاد ليمارس هوايته السابقة ضمن سيناريو جديد ومختلف،بحيث لم يعد محصورا بفضاءات المكان والزمان، فهاهو يخترق كل يوم أسوار بيوتنا، وعقولنا، وحتى أجسادنا، إذا استدعى الأمر أو لم، بصواريخه العابرة للقارات، والحضارات ؟&&&&&&&&&
لقد أصبحنا& نستورد حتى موتنا أيضا 000هذه دماؤنا ؛ أشلاؤنا، جراحنا 00تم تصويرها، وتعليبها بأصابع باردة، ليتم تسويقها عبر البحار الى كل جمهور المسرح العالمي،قد تكون هذه خطوة حقيقة باتجاه& العولمة، التي ربما أصبح مفومها الآن يتبلور بشكل واضح، بعد أن كان مثار تساؤلات واجتهادات عديدة،& حيث أصبحت استديوهات هوليود مفتوحة على& فضاءات العالم ،الذي أصبح مسرحا لأحداث فيلم حقيقي أو خيالي، لم نعد نفرق بين ذلك، حيث لم تعد هناك مسافة بين الحقيقة والخيال، فقد يتجاوز الفيلم زمنه المحدد ليمتد خارج صالة العرض وخارج حدود السيناريو، وقد نصبح جزءا من أحداث الفيلم، نتابع المشاهد التي نحشر بداخلها،والأدوار التي نتقمصها، أو بالأصح تتقمصنا، والتي غالبا لاتتجاوز دور الخارج على القانون، والمستحق لأقصى أشكال العقوبة، التي تجعل أقسى صور الموت مبرّرة ومقبولة، لذلك قد لانملك ان نعترض على هذا الدم المسفوح في طرقات الحلم، حتى لو كنا ندرك يقينا انه دمنا، وحتى لو كنا نحس ألم الجرح، ربما لأن& ذلك الاعتراض يشكل خروجا على النص،الذي تتم كتابته هناك..وخروجا على رؤية السيد المخرج. ولما الاعتراض أصلا طالما أن مايحدث هو مجرد فيلم