مجدي خليل
&
في حديث لقداسة البابا شنودة الثالث في نادي الليونز تطرق أحد الأسئلة عن الانتخابات، وقد أجاب قداسة البابا مطالبا "بشئ من المساواة" في تمثيل الأقباط في مجلس الشعب والنقابات والمجالس المحلية، مشيرا إلى أن المسيحيين لا يجدون في بعض الأحيان المساحة المعقولة التي يمكن أن يتحركوا فيها، مؤكدا على أن الأقباط لا يحصلون على حقوقهم التي كفلها الدستور، واستطرد البابا قائلا أن هناك فارقا بين القواعد العامة والتطبيق الفعلي، فالدستور والقوانين يؤكدان تساوي المسلم والمسيحي في مصر في الحقوق والواجبات، لكن في الواقع العملي الأمر مختلف، ففي الانتخابات العامة هناك 444 عضوا منتخبا في البرلمان لم ينجح منهم سوى ثلاثة اقباط تم فصل واحد لكونه يجمع بين الجنسية المصرية وجنسية أخرى .
&& ولقداسة البابا مواقف واضحة ومعلنة تحتفي بها الصحافة العربية والصحافة المصرية على اختلاف مشاربها حكومية وحزبية ومستقلة، فله موقف معلن ومكرر من رفض التدخل الأجنبي في الشؤون المصرية، ومن القضية الفلسطينية ومنع زيارة الأقباط للقدس وهي تحت الاحتلال، وموقفه البناء من تدعيم حوار الحضارات والتفاهم والتسامح بين الأديان، ورفضه تصنيف الأقباط كأقلية رغم الخلاف حول التعريف العلمي للأقلية السياسية، وإعلانه على الملأ بأن الكنيسة لا تقبل فرض عقوبات على مصر تحت أي بند. والبابا عندما يتحدث لا يتوسل الحقوق ولكنه يستشرف الأخطار المستقبلية على مصر ثقافيا وحضاريا من جراء عزلة الأقباط. وقداسة البابا أيضا يحمل صفات الشعب القبطي في التسامح والصبر وتحمل الآلام حتى أنه خلال لعشرين عاما الماضية يلتزم الصمت رغم التجاوزات والاعتداءات الآثمة والتهميش الذي تعرض له الأقباط، حتى أن الحكومة المصرية نفسها ممثلة في وزارة الثقافة رشحته للحصول على جائزة منظمة اليونسكو للسلام والتسامح وقد حصل عليها بالفعل العام الماضي.
&& وكما قلت تحتفي الصحافة المصرية على اختلاف مشاربها بآراءه السابقة حتى أنهم أطلقوا عليه "بابا العرب"، ولكن إذا تطرق ولو بكلمات قليلة عن هموم شعبه تجاهلته الصحافة الحكومية وفتحت النار عليه بعض الصحف المستقلة المرتبطة بجهات معينة، وهذا ما حدث بالفعل بعد ملاحظاته في نادي الليونز.
&& ما يؤسفني هذه الازدواجية المنتشرة في الاحتفاء بمواقف البابا شنودة إذا كانت على هواهم والتنكر لمواقفه إذا اقترب من هموم شعبه.
&& ومنذ أن وعيت الحياة العامة، كلما تحدث أحد عن مشاكل الأقباط خرجت نفس الاكليشهات مرددة نفس العبارات البائسة المفلسة مثل :
1- الوقت غير مناسب، وهل لتطبيق العدالة وقت مناسب ووقت غير مناسب، أن العدل كما يقولون أساس الملك. ثلاثة عقود كاملة ونحن نستمع إلى هذا الطرح الهروبي ولا نعرف متي يأتي الوقت المناسب، ومن هو الذي يحدد المناسب وغير المناسب.
2- الدولة القبطية : وكنوع من الإرهاب كلما أقترب أحد من المطالبة بحقوق الأقباط ادعوا أننا نطالب بدولة قبطية، والمعروف أن موضوع الدولة القبطية هو من اختراع السادات وأجهزته لتصفية حساباته مع البابا شنودة. وهؤلاء الذين يطرحون موضوع الدولة القبطية هم جهلاء بالتاريخ والجغرافيا وبسيكولوجية الأقباط، وكما يقول البابا شنودة : وحدة مصر من أسرار هذا البلد الخالد، ومصر وطنا يعيش فينا لا وطن نعيش فيه.
& وعندما انكشفت أكاذيبهم واتضح أن الأقباط يصرون ويستميتون في الدفاع عن وحدة مصر، نسبوا مؤخرا موضوع الدولة القبطية إلى أمريكا وهذه كذبة أخرى. وبحكم اهتماماتي أزعم أنني أطلع تقريبا على كل صغيرة وكبيرة فيما يتعلق بموضوع الأقباط ولم تتطرق أمريكا أو غيرها إلى موضوع الدولة القبطية إطلاقا.... وبالعقل والمنطق كيف تتحدث أمريكا في هذا وأصحاب الشأن يرفضون هذا الموضوع بإصرار.
& وحتى نوضح أكثر رؤية الأقباط فيما يتعلق بوحدة مصر، نذكر قصة السيدتين اللتين جاءتا إلى سليمان الحكيم يتنازعان على طفل وكل منهما تدعي أنه أبنها، فقال سليمان ائتوني بسيف نشطر الطفل مناصفة، فوافقت الأم المزيفة على شطر الطفل، أما الأم الحقيقية فصرخت أعطوه إياها حيا، ونحن في موقف الأم الحقيقية، وكل مصري حقيقي استوعب التاريخ والجغرافيا والتعايش المشترك وتجري في عروقه الدماء المصرية يشاركنا نفس الموقف. والواقع ينطق بأن الأغلبية صنعت التوتر والأقلية القبطية حافظت على استقرار واستمرار الدولة المصرية.
3 - قوى أجنبية متربصة بمصر : وهذا أيضا من الأوهام التأمرية فكل ما وقع على الأقباط من اعتداءات آثمة وظلم هو صناعة محلية بحتة ولا دخل فيهالا من قريب ولا من بعيد لأي قوى أجنبيةوالحكومة المصرية مسؤولة عنه مسؤولية مباشرة اما بالتواطؤ او بالتقصير. أما ما يحدث من انتقادات لحقوق الإنسان في مصر ولأوضاع الأقباط من قوى ومنظمات دولية، يحدث لمصر ولغيرها وهو انتقاد لانتهاكات حقيقية تستوجب الإصلاح، والعالم لا يتآمر على مصر وإنما الكل حريص على إصلاح أحوالها واستقرارها، ولولا حرص العالم على استقرار مصر ما تدفقت عليها كل هذه المعونات والقروض، ومصر من أكبر دول العالم تلقيا للمعونات الأجنبية.
4 - الأقباط يطالبون بامتيازات : كلما تحدثنا عن حقوقنا الضائعة خرجوا علينا بأننا نطالب بامتيازات، وهذا سخف لا يستحق الرد عليه، وسوف نسلط الضوء على بعض الانتهاكات بالنسبة للأقباط ونتمنى للمنتقدين أن يحصلوا على هذه الامتيازات أو بمعني أوضح الآلامات التي نعاني منها.
5 - التبرير : مثل قول أن ما يعاني منه الأقباط يعاني منه المجتمع كله، وأن العنف الذي وقع على الأقباط جاء من قوى متطرفة ضد المسلمين والأقباط معا، ومثل أن الأقباط سلبيون، وأن الانتخابات مفتوحة وأشرف عليها القضاء مؤخرا. وهذا إن كان صحيحا في جزئية منه إلا أنه لا يمثل الحقيقة كاملة. ففي موضوع الانتخابات مثلا لا تسير الأمور كما يدعون وهناك مناخ عام أفرز سلبيات وبعضها متعمد لتهميش دورهم.
- فهناك عرقلة لتسجيل الأقباط في جداول الانتخابات سواء بتغيير الاسم أو الديانة أو مكان الميلاد.
- وهناك تقسيم للدوائر التي يتواجد فيها الأقباط بكثافة حتى لا ينجح المرشح القبطي.
- وهناك الدعاية الانتخابية الطائفية، وقد حدثت عدة مرات في الانتخابات السابقة وغيرها دون أن تحرك أجهزة الدولة ساكنا رغم وجود قوانين للمحافظة على الوحدة الوطنية.
- وهناك تجاهل الأقباط في الترشيح، ففي انتخابات عام 95 لم يرشح الحزب الوطني الحاكم أي قبطي على قوائمه، وفي الانتخابات الأخيرة رشح 3 أفراد فقط ضمن 444 مرشحا أي بنسبة 6ر%.
- وهناك المناخ العام الذي يجعل القبطي وكأنه يعيش غريبا في وطنه.
- وهناك أيضا تجاوز حتى في حق الأقباط في التعيينات في مجلس الشعب والشورى، فتخصيص عشرة مقاعد جاء أصلا لملئ الفراغ القبطي في مجلس الشعب، ولكن حتى هذه العشرة مقاعد سطت عليها الحكومة وأصبحت تعين فيها ما تريد من غير الأقباط. وبالنسبة لمجلس الشورى يملك الرئيس حق تعيين ثلث أعضاء مجلس الشورى فلماذا لا يأخذ الأقباط حقهم العادل في هذه التعيينات؟!! وإذا كان هذا عن الانتخابات فماذا عن التعيين في المناصب السياسية والإدارية العامة وهو حق مطلق للحكومة... لماذا تجاهل نصيب الأقباط في هذا أيضاً؟!!
ـ هناك غياب كامل للأقباط (نسبة التمثيل صفر) في المجالس التي تقرر السياسات العليا للدولة مثل مجلس الأمن القومي، المجلس الأعلى للقوت المسلحة، المجلس الأعلى للشرطة، مجلس القضاء الأعلى، مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون، ومستشاري رئيس الجمهورية ومعاونيه.
ـ وهناك أيضاً الأجهزة التي تمثل العمود الفقري للدولة مثل أمن الدولة والمخابرات العامة، والمخابرات الحربية، وقواد الجيش ومديري الأمن، ورئاسة الجمهورية، والحرس الجمهوري، ومناصب المحافظين، ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء المدن والأحياء وهذه المناصب كلها لا يوجد بها قبطي واحد.
ـ هناك أيضا الأجهزة التي تمثل الجهاز العصبي للدولة مثل الجيش والشرطة والمجالس النيابية المنتخبة والقضاء والسفراء والمناصب القضائية العليا ورؤساء تحرير الصحف والمجلات ومسؤولي الإعلام ويتراوح وجود الأقباط في هذه المناصب بين 5ر-1%.
ـ هناك تراجع متعمد في وظائف كانت تمثل وجودا متميزا للأقباط مثل البنوك والقطاع المالي والضرائبي، وحتى في الوظائف المتوسطة والدنيا هناك استبعاد للأقباط بشكل متعمد وتواجد الأقباط في هذه الوظائف أقل من نسبتهم العددية وكفاءتهم المهنية.
&& ومن المعروف أن كل المناصب السابقة ليست بالانتخاب وإنما بالتعيين ومسؤولية الدولة عن تهميش الأقباط في كل المناصب السابقة هي مسؤولية مباشرة لا تحتمل الجدل.
&ـ هذا ناهيك عن أنه حدثت الأقباط أكثر من 55 حالة اعتداء في العقود الثلاثة الأخيرة، ضد ممتلكاتهم وأرواحهم، فقدوا خلالها مئات الضحايا وعشرات الملايين من الممتلكات.
ـ ويتعرض الأقباط عبر مكبرات الصوت من بعض المساجد أو من خلال الصحافة القومية والمستقلة وحتى عبر شاشات تليفزيون الدولة الرسمي وفي مئات الكتب والشرائط الملقاة على الأرصفة للتكفير والتشكيك في معتقداتهم وكتبهم المقدسة.
ـ وبالطبع الكلام عن سيطرة رجال الأعمال الأقباط على النشاط الاقتصادي في مصر هو كلام مبالغ فيه ولا توجد إحصائيات دقيقة أو حتى معقولة حول هذا النشاط.
هذه بعض من كم هائل من التجاوزات والظلم الذي يقع على الأقباط - وما ذكره قداسة البابا ليس إلا جزء صغير جدا من كم هائل من المظالم التي يتعرضون لها فهل هذه امتيازات كما يدعي المضللون؟!
&
وفي النهاية أحب أن أتوجه للأقباط بعدة أمور :
&
أولاً : توقفوا عن الدفاع السلبي واتجهوا للعمل الإيجابي
& هم يريدون أن تغرقوا في الدفاع السلبي عن أنفسكم وتتقاعسون عن العمل الإيجابي. والعمل الإيجابي يتمثل في دفاعكم ونضالكم السلمي من أجل الحصول على حقوقكم. الحقوق لا تمنح ولكنها تنتزع فلا تتقاعسوا وانهضوا من ثباتكم من أجل مصر حرة قوية يتساوى فيها الجميع بصرف النظر عن الدين أو اللون أو العرق.
ثانياً : وطنيتكم ليست محل شك، ولا يوجد كائن ما كان يستطيع أن يزايد على عمق وطنيتكم أو تضحياتكم عبر التاريخ في كل العصور، وأنتم تستحقون الحرية والكرامة والمساواة بعد كل هذه التضحيات. فقط تحركوا من العمل السلبي إلى العمل الإيجابي ومن الاستكانة للألم إلى الزود عن حقوقكم. تمسككم بحقوقكم والنضال من أجلها هو أكبر تأمين لمستقبل أبنائكم وأحفادكم. وليكن معلوما أنه لا يكفي أن يأمن الشخص وضع أبناءه فقط علمياً ومادياً بشكل فردي، وهذا حسن، ولكن بدون تأمين أوضاع شعبكم فستتراجع حتما أوضاع أبنائكم وهذا هو درس التاريخ وعبرة الأيام.
ثالثاً : لا تخافوا مما ينسج ضدكم من أكاذيب. وللعلم الأكاذيب لا تستقيم ولا تستمر فالمخابرات السوفيتية السابقة ومخابرات دول أوروبا الشرقية إبان العصر الشيوعي كان بها"أقسام للأكاذيب" ولكن في النهاية انهارت هذه الدول بأكاذيبها. وأعتقد أن بعض الصحف المصرية انتقلت إليها "أقسام الأكاذيب" هذه. وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح فلا تحفلوا بالأكاذيب التي تروج ضدكم وتجاهلوها، فالغرض منها في النهاية هو إرباككم وتشتيت جهودكم الإيجابية.
رابعاً : أنتم قوة هائلة سواء في الداخل اوالخارج، وأحب أن أطمئنكم باعتباري متابع لكل ما يدور في المهجر من أمريكا إلى أوروبا إلى كندا إلى استراليا ونيوزيلندا. إن الأقباط في المهجر قوة هائلة علميا وماديا ولكن ينقصهم بعض التنظيم ليصبحوا واحدة من أكبر قوى الضغط في العالم تأثيرا ونأمل ونعمل أن يتم هذا في المستقبل القريب.
&
ولكن ماذا عن الحل ؟ هذا ما سوف نتناوله في مقالة أخرى وللحديث بقية.
&
كاتب وباحت - نيويورك
e mails: [email protected]
&&&&&& [email protected]