نصـر المجالي
&
لو عاد عبد الله الاول مؤسس الاردن الحديث او حفيده الحسين بن طلال الى دنيانا لجزا رقابا آن قطافها، ولو عاد هزاع المجالي او وصفي التل او سليمان عرار لانقلبت الدنيا في الشرق العربي على ساكنيها، ولو عادت عمان الى حالها الديموقراطي الصحيح بالحوار والمحبة والتكاشف لما سالت دماء في معان.
وحتى وان اطل علينا من جديد حامد باشا الشراري او ابراهيم باشا كريشان فماذا تكون اجابة أهل عمان عن الذي جرى في معان؟ او حتى الفريق المتقاعد محمد خليل عبد الدايم رئيس اركان الجيش حتى امس المنظور؟ سواء بسواء مع بهجت التلهوني او شقيقه ثروت؟ او الرأسمالي خليل التلهوني؟
وماذا لو أطل من حي الطور او القويرة عودة ابو تايه احد اعمدة الحكمة السبعة (حسب لورنس العرب)؟ او مشهور حديثة او راكان عناد وكاسب صفوق؟
وما الجواب لو سأل زيد بن الحسين: ما الذي يجري في معان؟؟ والادهى لو عاد طلال بن عبدالله وسأل اهل القرار في عمان: ماذا فعلتم بتاريخ ابي العربي.. واين هي صحيفة (الحق يعلو؟).
لا أحد يعترض على حق أهل عمان بمجالس وزرائهم الثلاثة (حكومة ابو الراغب والمجلس الاقتصادي بخلوات البحر الميت او الحكومة الجديدة باعضائها الـ31 التي ستجسد الأردن اولا) في اتخاذ أي قرار او فعل دستوري ما دام يخدم الوطن ولا غيره لا نرفزات البعض!
ولا أحد يعترض على ذبح كل مجرم بحق الوطن من الوريد الى الوريد اذا كان في ذلك بقاء الأمة سليمة معافاة بلا نزف او تنزيف ونزيف.
وفي حال تغييب الحال الديموقراطي الذي اطلقته معان في انتفاضتها العام 1989 فإن ما جرى لا بد وان يستجيب للسؤال الكبير لماذا الذي جرى، ولمصلحة من ومن هي الجهات الفاعلة ولا بد من كشف المخطط التخريبي الكبير.
ولابد للذين في عمان من الاجابة، فالمؤامرة النائمة موجودة في حضن العاصمة لا في الاطراف والاغتيال والارهاب والعنت والتطاول على القانون وهيبة الدولة وسيادتها تعشعش في ضواحي المترفين من العاصمة.
عمان، عاصمة طائرة، لا تنتمي الى أحد، ولا ينتمي اليها أحد من ساكنيها والاردنيون يقولون (علمك في عمان قرية) .. هذه القرية كبرت وتطاولت بقرارات مفتعلة على الآخرين من الذين وضعوها في حدقات العينين.
من حق الحكومة الاردنية الحفاظ على هيبة الدولة وسيادتها، ومن حقها الدفاع عن المبادىء الحرة الشريفة النظيفة التي تعهدت بها، ومن حقها تسيير الجيش وقوات الشرطة والامن والبادية الى أي مكان لحقظ البلاد من أي مكروه او تآمر. ولكن من حق الطرف الآخر معرفة كل شيء أي شيء.
أول الحقوق للطرف الآخر هو اعادة الحياة الديموقراطية النزيهة اليه، وهي حق مشروع متعاقد عليه بين الحاكم الشرعي اليومي للبلاد وبين مواطنين موالين بمن فيهم ابو سياف (الاردني) وعصابته.
وفي غياب ذلك يحق لأبي سياف (محمد الشلبي آل خطاب) الادعاء بحماية حقوق الآخرين، وقد يحق في غياب ذلك لمهربي المخدرات والاسلحة ادعاء هذا الحق. .. وهذا ما يجري في دول اميركا اللاتينية (العصابات وحدها تمثل الناس وفقرهم ، فرحهم وترحهم وتوفر ايضا لقمة الخبز وفرصة العمل بالمغامرة).
مر على قيام الكيان الاردني ثمانون عاما ونيف، والكارثة ان الناس الذين كانوا يعرفون بعضهم بعضا نسوا الأمس بافعال أهل القرار اليوم، فاذا كان هنالك من خرج على القانون متمردا اليوم، فانه في الجانب الآخر خرج كثيرون على السرب كله.
واصبحت المسافات بين عمان ومعان صعبة المسالك معقدة التعاريج تعقيدها على طريق وادي رم او وادي الموجب أو جرف الدراويش وهي حدود مؤسسة في حال الفصل الانساني والاجتماعي تاريخيا وكانت تنتظر .. وتنتظر من يؤذن بها ويقرع جرسها.
ظل الاردنيون منذ قيام الكيان في سامرهم الشعبي التقليدي واغاني الهجيني والشروقي وحتى الدبكة والمواويل من الثراث يقولون (يا امير حنا عزوتك .. جلايبك يوم المبيع،،،،، خذنا على سوق المنايا .... وعيب على اللي ما يبيع).
وهذا العهد امتد واستمر طويلا، حتى من دون اجراءات ديموقراطية، اذ كانت مجالس عبد الله الاول المؤسس تنتشر من الشونة في اغوار الشمال الى شيحان في الجنوب فالعقبة ولا ننسى كفرسوم والرمثا واربد القلعة الحصينة في الشمال.
لا قرار بالديموقراطية آنذاك، فالكل كان احبابا وولاء وبناء وسط اعاصير ادهى وأمر مما يعانيه الاردن هذه اللحظة؟. كانت ديموقراطية الشفافية العذراء من دون مصالح ومن دون مسؤولين ولدوا وفي افواههم معالق من ذهب وترعرعوا في خارج الديار وعادوا لمسؤولية في بلاد لا يعرفوها الا بالاسم او بجواز السفر او في خرائط قرأوها بخطوط والوان وتلوينات الآخرين.
من معان، هذه المدينة المكلومة بعصاباتها (المتشددة وتلك التي تعبث بالتهريب) انطلقت اول صحيفة اردنية تحمل اسم (الحق يعلو) وكان محررها ملك البلاد المنتظر ومؤسس الكيان عبد الله الأول.
ومن معان انتصرت فلول البدو والاشراف العرب على غوغائية وفوضى امتدت خمسة قرون تحت حكم احفاد ارطغرل. ومنها بدأ عصر حديث ويوم جديد وعصر جديد.
واذ اتحدت " معان الحجازية ومعان الشامية" في العام 1925 فإنما اتحاد هذه القرية الصحراوية كان الايذان باتحاد عربي له انصاره ومحازبيه من القوميين العرب والبعثيين والاسلاميين حتى دخول عصابات التهريب على الخط.
معان كانت محطة للقطار على السكة بين الشام والحجاز، لا أكثر ولا اقل، لكنها نهضت بهم الآتين من الحجاز ومن الشام لتكون الثغر العربي المؤهل للتوحيد بين عصبتين من الناس اهل الحجاز واهل الشام ثم في العقود الأخيرة وضعت الجميع تحت جناحيها مع جوعها وفقرها.
واذ تحركت ركاب العرب نحو عمان (القرية التي اصبحت عاصمة تطير كل يوم وتغير جلدها مع أي ريح) من معان فان هذا البهاء الصحراوي ظل كبيرا ويكبر كل يوم حتى قام الكيان واطلق عليه اسم المملكة الاردنية الهاشمية.
يفخرون في عمان بالكيان ويدافعون عنه في جلسات الدواوين السياسية وينسون معان، نسيانهم للكرك والطفيلة وجرش والرمثا والاغوار الشمالية والجنوبية والوسطى ايضا حتى ان البحر الميت ذاته مات من النفاق ولم تعد فيه مياه ميتة لتموت.
لا حل الا بالعودة الى اساطير الاولين وهي قريبة المنال، وهي مجادلات عبد الله الاول مع اهل البادية والريف في مخيمات يبنبها هنا وهناك، او زيارات الملك الراحل الحسين بن طلال الى هذا البيت المكلوم او ذاك يداري عثراته او الى قصيدة من شعر عرار (مصطفى وهبي التل) في القول :
تعالى الله والاردن ..... لا بغداد والرطبة
وهنا مربط الفرس في الحال الاردني من دون قوات خاصة تقتحم الدار الاولى التي استقبلت آل البيت مستجيرين بأهل البيت، من اهل الشعائر والقبائل والعشائر، وكلهم ثم جلهم كذلك. ولا غير ذلك من سياسة تصاغ.