الزميلة سارة العبيدي عراقية تعيش الحياة في باريس عبر مسالك من السخرية المرة تبررها متتاليات الحزن والشقاء في حياتها بسبب أمراضها التي لا تنقطع.. فنانة في قراءة الشكل وكتابة الحرف لكنها لم تتفرغ للإبداع بحكم انشغالها بنفسها.. والدها - رحمه الله - بعثي شديد الولاء لمعتقده الحزبي، بذل الشيء الكثير كي يقنعها بالانضمام للحزب في العراق ودلل على أن هناك مكاسب كثيرة أبرزها أنها ستعيش في فرنسا الباهظة التكاليف كمبتعثة تعليم عراقية.. فكان ردها الحاسم: هذا يعني أنك لا تفهم أو تقتنع بشيء من أهداف الحزب وقيمه ولكنك تستفيد من المكاسب.. أنا لست مثلك ولن أبحث عن مكاسب وسأعيش على إيراد مقالة أو نقد لوحة.. لأحلم أن أكون مترفة لكن لن أموت جوعاً.. حدث ذلك عند منتصف الليل.. في الصباح علمتُ أن الأب جمع حاجياته وغادر سكنها غاضباً.. البعض قال بأنه فعل ذلك لئلا يحتسب عليه أمر تمرد ابنته.. في مستهل الحرب العراقية الإيرانية.. كان الرئيس العراقي صدام حسين يغري باستقطاب الثناء.. رجل في متوسط العمر، طويل، وسيم.. يتحدث بعناد عن أهداف قومية.. حضوره لمؤتمرات القمة العربية له تأثير واضح.. يتصدى آنذاك لطهران حيث يرى أنها تستعد لابتلاع الخليج.. كثيرون كانوا يعتقدون ذلك أما هي فكان رأيها أن كل ما يمتلكه الرجل قوام فارع وبنية قوية يؤهلانه للعمل كـ "بودي جارد" لا أكثر.. تقول: من أعطاه وخصومه في إيران حق صرف أذونات دخول الجنة؟.. كيف يتحدث هو عن شهداء عراقيين ويتحدثون هم عن شهداء إيرانيين في هذه الحرب؟.. أي الشهداء من الطرفين سيدخل الجنة؟.. إن أكبر جريمة في حق الإنسان هي تحضيره نفسياً وعاطفياً لكي يموت بأعداد كثيرة من أجل غيره.. معظم الثورات المتخلفة فعلت ذلك.. مات جنود وأبرياء وبقي قادة عسكريون أو حزبيون يمتلكون الثروة والعافية بعد أن أرسل أولئك إلى الجنة حسب ادعائهم.. هذه الرؤية كانت موجودة وغريبة إلى حد ما في بدايات اندلاع تلك الحرب.. غريبة لأننا حتى ذلك التاريخ كنا كعرب نحتفي بأي قائد مشاغب والإعلام وقتها يجيد صيغ تمجيد أموات الزعيم وتحقير أموات الآخرين.. أتت فيما بعد تنظيمات العنف تحت مسميات عديدة وفي كثير من العواصم العربية والإسلامية حتى عهد "القاعدة" القائم حالياً وما زال الناس الأبرياء يموتون في تجمعات تجارية أو مواقع آثار أو في صالة فندق أو داخل طائرة أو على رصيف شارع أو بين كراسي المقاهي أو يذبحون كالخراف في بيوت قرية.. ومن يموتون في المدن العربية والإسلامية.. ليسوا إلا مجرد أموات..أما من يسقط من الفاعلين ميتاً فإنه الشهيد دون شك.. مَنء يملك الفصل في ذلك..؟!