لندن - "إيلاف": بمناسبة مرور 25 عاما على زيارة الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، إلى القدس، كتب السفير الإسرائيلي لدى مصر جدعون بن عامي خواطر وذكريات شخصية وفيها يقول الآتي:
بعد مرور حوالي 25 عامًا على اتفاقيات السلام في كامب ديفيد، ظهرت في شهر تشرين الأول ( أكتوبر) الماضي على غلاف صحيفة "إنترنشيونال هيرلد تريبيون"، مجددًا، الصورة المشهورة للمصافحة الثلاثية بين أنور السادات، مناحيم بيغين، وجيمي كارتر، التي خلدت توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر.
لأول وهلة، هذه مناسبة ملائمة واحتفالية للتذكير بمرور 25 عامًا على هذا الحدث التاريخي الهام، لكنه تبين فورًا للقراء أن الصورة، التي أثارت وقتذاك الانفعال والآمال الكبيرة، استهدفت في التوقيت الحالي، فعلاً، إعادة التذكير بالمساهمة الكبيرة للرئيس الأميركي آنذاك، جيمي كارتر، الحائز على جائزة نوبل للسلام مؤخرًا، والذي كان قد حاز عليها شريكاه في السابق، السادات وبيغين.
أما بالنسبة للسفير الإسرائيلي السابع في مصر، الذي يكتب هذه السطور من القاهرة، فكانت هذه الصورة ذاكرة مختلطة، حلوة ومرة معًا، وذلك لأنه بعد مرور 25 عامًا على هذا الحدث التاريخي، لا شك أن السلام بين مصر وإسرائيل ما زال متينًا ووطيدًا، رغم العواصف التي شهدها هذا السلام من كل نواحيه، ومع ذلك، فإننا لم نتمكن من الخوض في هذا البحر العاصف إلى أرض السلام المنشود.
من يتابع تاريخ العلاقات بين إسرائيل ومصر يلاحظ بشكل واضح أنه خلال العشرين عامًا الأخيرة، شهدت علاقاتنا الثنائية المد والجزر، اللذين بلورا ما يدعى في اللغة السياسية المصرية "نظرية البارومتر". بكلمات أخرى، "درجة حرارة السلام" للعلاقات الإسرائيلية-المصرية، التي قيست (؟) بدقة على يد مصر، ارتفعت وانخفضت كالرقاص، بحسب وتيرة التقدم والتراجع أو الجمود في الاتصالات الجارية على المسار الإسرائيلي- الفلسطيني ضمن مسيرة السلام.
وقد كانت النتيجة المباشرة لذلك، والتي شكلت مصدرًا لخيبة أمل عند من سبقوني في المنصب، حيث وصفوها في مذكراتهم بألوان قاتمة، جعل علاقاتنا الثنائية رهينةً للعملية السياسية المتأرجحة إطلاقَا، وكأنها معادلة لا حل لها. من الصعب الحديث عن "عصر ذهبي" في تاريخ علاقاتنا القصيرة مع مصر، التي شهدت أيامًا أجمل مما تشهده الآن. ولا شك أن زيارة السادات التاريخية إلى القدس قبل 25 عامًا كانت ذروة الدراما التي أدت إلى شعورنا بالنشوة، إلا أن الحبكة الراهنة أقل إثارة.
من الجدير بالذكر أن حوالي نصف مليون إسرائيلي كانوا، منذ عهد قريب، يزورون مصر كل سنة. وكان هؤلاء يهتمون كثيرًا بتاريخ مصر العظيم ويتوقون للتعرف على جيرانهم من قريب. وقد أقيمت علاقات تجارية وأبرمت صفقات، رغم أنها لم تكن على نطاق واسع، وذلك بسبب الطابع المختلف لاقتصادينا. وتميز التعاون الزراعي بين الدولتين، حيث حظي بتقدير كبير من جانب مصر، سلطة ومزارعين معًا، كما كانت علاقات أخرى بين الدولتين. في السنتين الأخيرتين لحقت أضرار كبيرة بهذه العلاقات أيضًا، على خلفية الجو السلبي والمعاداة التي تسببت بها الانتفاضة الفلسطينية في أرجاء العالم العربي ضد إسرائيل.
مع ذلك، لم تتوقف الاتصالات السياسية بين الدولتين على المستويات المختلفة، إذ بواسطة هذه الحوارات، التي كثيرًا ما تشهد خلافات حول القضية الفلسطينية، يحاول الطرفان شرح موقفهما من أجل تبديد المخاوف الحقيقية أو المزعومة وتذليل العقبات المحتملة على المسارين الثنائي والإقليمي. وفي الظروف الحساسة القائمة الآن، تخدم قنوات الاتصال هذه الهدف المشترك، وهو إدارة الأزمة بصورة مسؤولة وتحت المراقبة، وتخفيض أضرارها، بقدر الإمكان.
وخلال السنة الأولى من إشغالي منصب السفير الإسرائيلي لدى مصر، حاولت المساهمة في هذا الحوار وتوثيق العلاقات الواهنة. لا حاجة لنكثر من الكلام عن أهمية وجودنا في عاصمة أكبر دولة عربية في المنطقة، وعن رمزية منصب سفير إسرائيل لدى مصر من وجهة نظر المصريين، سلبًا وإيجابًا. وليس أقل أهمية وجود سفير مصري في تل أبيب في الوقت الراهن، يمكنه نقل تقييماته وأحاسيسه إلى القيادة المصرية حول ما يجري عندنا بصورة مباشرة. صحيح أن الرأي العام الإسرئيلي استفاق من نشوته عقب زيارة السادات، وحتى أنه غرق في لا مبالاة مقلقة على ضوء المستويات المتدنية التي تدهورت إليها علاقاتنا الثنائية، لكن من الممكن أن تعيد إجراءات استثنائية تقوم بها مصر في خدمة السلام، معنا ومع الفلسطينيين، الماء إلى وجوهنا، وأن تؤثر على جيراننا بشكل إيجابي أيضاً.
بودي التأكيد على أن التدخل السياسي المصري المتواصل في مسيرة السلام مناسب ويستحق الثناء على الأغلب، لكن أشكاله المعروفة والشفافة هي بمثابة (More of The Same(شيء متكرر) لا يثير الرأي العام لدينا بشكل خاص. يكفي متابعة ردود الفعل القليلة، حسب رأيي، في الصحافة الإسرائيلية، على العلاقات بين إسرائيل ومصر على المستويين الثنائي والإقليمي، من أجل الحصول على الانطباع بأن زيارة السادات قد فقدت منذ فترة طويلة زهوها على ضوء الواقع المأساوي الذي وصلنا إليه في السنوات الأخيرة. وحتى المظاهر السلبية والمزعجة، مثل مواصلة وسائل الإعلام المصرية على مر السنين نقدها اللاذع والمستمر لرؤساء الحكومة الإسرائيليين ولسياستهم، وتمسكها بذلك، لا تثير الاهتمام تقريبًا، وحتى لا تثير غضب كاتبي المقالات في الصحافة الإسرائيلية (وبالطبع، تثار دائمًا قضية مناوبة لتشغل الصحافة).
أعود وأكرر القول لمحاوريّ المصريين إنه آن الآوان، وفي هذا الوقت الصعب بالذات، لمحاولة تغيير المعادلة التي ذكرتها، والتي يتم وفقها حساب علاقاتنا الثنائية بشكل محدود جداً حسب التقدم على المسار السياسي. وأنا أعتقد أنه قد يصح العكس بالنسبة لهم، أي أن إنعاش علاقاتنا الثنائية سيؤثر بشكل إيجابي على إعادة نظر المجتمع الإسرائيلي في ميزان الربح والخسارة لمعاهدة السلام مع مصر. كما يؤثر على رؤيتنا لمسيرة السلام، بحيث أن تعزز الثقة، لأن إيجابياتها تفوق سلبياتها، بكونها، إن شاء الله، نموذجًا يحتذى به مع جيراننا في الشرق الأوسط.
أود أن أنهي هذه الخواطر الشخصية معترفًا بأن خيبة الأمل من ثمار السلام، أدت إلى ميول إسرائيليين كثيرين إلى التسليم بجمود الوضع الراهن، الذي يصمد فيه السلام مع مصر، وتفقد اتفاقيات كامب ديفيد من روحها، وليس بالضرورة من مضمونها. بل مهمتي الدبلوماسية تدفعني إلى تحسين العلاقات بين الدولتين، ولذلك أنظر إلى الربع أو النصف المليء من الكأس، واثقًا بقوة السلام مع مصر وبالإمكانيات الكبيرة التي ينطوي عليها لمستقبل أفضل في منطقتنا.
* عن (يديعوت آخرونوت) وكاتب المقال، جدعون بن عامي، هو سفير إسرائيل لدى مصر.