نضال حمد
&
تعتبر التظاهرات التي تخرج في أوروبا من الظواهر المهمة والفعالة, إذ تعبر عن مدى تواصل أبناء شعب فلسطين مع بعضهم البعض في الوطن المحتل وفي المنافي العربية والأجنبية. كما أن الأهم من مشاركة أصحاب القضية في تلك النشاطات والفعاليات المساندة للقضية الفلسطينية العادلة هو مشاركة الأصدقاء والأنصار من الأجانب والأوروبيين بالذات. وهؤلاء لهم أدوارا هامة ومميزة في خدمة القضية ومناصرة الكفاح الفلسطيني العادل من أجل الحرية والاستقلال. وهؤلاء الأنصار والأصدقاء& من المتضامنين يجدوا أنفسهم محرجين جدا عندما يطلع عليهم أثناء التظاهرة أحد الفلسطينيين أو العرب أو المسلمين, وهو يلوح بمسدسه كما حدث في مسيرة في الدنمارك كانت حصلت بداية الانتفاضة الحالية. طبعا هذا الإنسان الذي أشهر سلاحه الفردي أضر بكامل المسيرة وبالقضية من حيث يدري أو لا يدري. فالمسدس هذا ما هو دوره في التظاهرات والمسيرات في الدنمارك أو غيرها من البلدان الأوروبية, أليست عملية الضرر فيه أكثر من عملية الاستفادة؟ نعم فلم يجني المنظمون لتلك التظاهرة من تظاهرهم الضخم سوى الخيبة من تلك الأعمال الشاذة والغير مسؤولة. لقد كان ضرر المسدس أكبر بكثير من فائدة الحشد الكبير الذي شارك في التضامن مع الانتفاضة وشعب فلسطين. فالصحافة الدنمركية ركزت على صورة الفلسطيني الذي شهر مسدسه ولوح به عاليا أمام السفارة الصهيونية في كوبنهاغن. تلك الواقعة السيئة والضارة والتي لا يبررها أي عقل أو منطق لا تعيد الحق لأصحابه ولا تفيد التضامن ولا تزيد التعاطف مع الشعب الفلسطيني بل تجعل المتردد في تعاطفه يزداد ترددا والغير حازم لأمره يزداد حيرة. أن التضامن الحقيقي مع شعب فلسطين يكون بجعل العقل والمصلحة الوطنية الكبرى فوق المصالح الفئوية والشخصية وأكبر من الأعمال الفردية الغير مفيدة والضارة.
حقيقة تلك الحادثة في الدنمارك كانت البداية السيئة لما تبعها من أعمال غير مسؤولة ومضرة بالقضية منها ما نفذه أصحابه عن قصد ومنها ما جاء بالعاطفة وبلا قصد.الحوادث الأخرى قد شاهدت بعضها شخصيا في أوسلو عاصمة النرويج, حيث قام بعض الفلسطينيين والعرب والأنصار النرويجيين برجم السفارة الإسرائيلية في أوسلو بالحجارة والزجاجات الفارغة, ثم تطورت الأمور لعراك مع الشرطة أسفر عن اعتقال بعض المتظاهرين. ثم في تظاهرة أخرى قام البعض بإعادة التجربة السابقة مع السفارة ومنهم من طورها محاولا استعمال زجاجات حارقة, لكن المحاولة لم تلق نجاحا يذكر وكلفتنا الكثير. فالسفارة الإسرائيلية حاولت المستحيل وطلبت من السلطات النرويجية أن تسمح لها ببناء سور خارجي لمبنى السفارة أو بإغلاق الشارع المؤدي إلى مبنى السفارة, وكانت تلك الطلبات تواجه برفض واضح من السلطات النرويجية, ألا تلك الحوادث المتفرقة والأعمال الغير مسؤولة من أشخاص غير مسؤولين, سرعت في تغيير موقف بلدية أوسلو وشرطة العاصمة والسلطات المختصة التي اضطرت في نهاية الأمر الخضوع لمطالب السفارة وقامت بإغلاق الشارع بالحواجز والسدود والحراس ومازال مغلقا حتى يومنا هذا. هل كان هذا من مصلحتنا, بالطبع لا لأن الذين قاموا بتلك الأعمال خربوا جهود مجموعة كبيرة من الناس كانت تعمل لما فيه خير القضية والانتفاضة والشعب الفلسطيني وطموحاته الوطنية المشروعة.
وفي العاصمة الألمانية برلين,قام أحد الفلسطينيين أثناء تظاهرة حصلت هناك قبل عدة أشهر بتزنير أطفاله الثلاثة بأحزمة ناسفة وهمية تعبيرا عن تضامنه مع الانتفاضة والمقاومة. ومعروف أن التظاهرات والمسيرات التي تسير في الضفة الغربية وغزة مليئة بتلك المظاهر العادية في بلادنا التي تعيش حالة حرب وانتفاضة ومقاومة. لكن أن يخرج البعض في أوروبا وبرلين بتلك الصورة فهذا فعلا أمر غريب ومثير ويعتبر أمرا غير مسؤول وغير مبرر ومسيء للحياة السياسية وللحريات الممنوحة والأعمال التضامنية مع شعبنا, ليس لأن البعض مع أو ضد العمليات الأستشهادية أو الانتحارية كما يحلو للبعض تسميتها. بل لأن القضية لا تخدمها تلك الظواهر المرفوضة والأزياء المبغوضة في العالم الأوروبي. أن الصحافي أو المصور الذي ألتقط تلك الصورة لن يبحث عن الأسباب التي جعلت الفلسطيني أن يفعل ما فعل, لكنه سوف يسعد ويفرح بإنجاز صحفي وسبق قام هو ببطولته وسوف يعزز هذا الإنجاز من مكانته في مكان عمله وعند رؤسائه. أما السلطات الألمانية المختصة فقد وجدت في عمل الرجل ما يشجع الأجرام من وجهة نظر القانون والعدالة الألمانية, لذا حكمت المحكمة على الفلسطيني بالسجن لمدة خمسة أشهر مع وقف التنفيذ والعمل 300 ساعة في خدمة المصلحة العامة. والجدير بالذكر أن هذا الشخص الفلسطيني الذي دفعته عاطفته الإنسانية والوطنية للقيام بعمله المذكور لازال لاجئا قيد الدرس في ألمانيا ولا يتمتع بالإقامة فيها. وكان الأجدر به أن لا يتسرع وأن ينسق أعماله مع الذين هم أقدم منه في المدينة. وهذا الكلام ينطبق على كل الفلسطينيين وأصدقائهم والمتضامنين معهم, التنسيق أولا وأخيرا في كافة الأعمال التضامنية والفعاليات والمسيرات والتظاهرات. كما أن العقل زينة الإنسان يجب أن يبقى حاضرا وبقوة تفوق قوة العاطفة في هكذا لحظات. ففلسطين تحتاج لأبناءها وأصدقاءها دائما وهي تريدهم رمزا نظيفا وعفيفا وصافيا لنضالها ضد الاحتلال وأعوانه. فلترتفع لغة العقل على منطق التسرع والتهور والأعمال الغير محمودة العواقب والنتائج.