(يظن الثعلب ان الجميع مثله يحبون الدجاج) مثل فرنسي.
الرسالة التي وقعها مجموعة من المثقفين الأمريكيين بهدف التسويغ الأخلاقي للحرب ضد العراق انتهت بتبادل رسائل مع مثقفين آخرين من السعودية، ونشأ عن ذلك حوار لم يخل من فائدة أهمها الجنوح الى الاعتدال في الموقف والتعبير، غير اننا نود تسجيل ملاحظاتنا على هذا الحوار وبعض مضامينه، وهي:
أولا: يمكننا القول ان شريحة المثقفين الأمريكيين التي وقعت على الرسالة تمثل المثقفين الرسميين وتعبر عن رأي رسمي، ولعل هذا يفسر الاهتمام الإعلامي والسياسي الذي حظيت به رسالتهم، بينما ظهرت وثيقة أخرى لمثقفين وأكاديميين أمريكيين يعارضون الحرب ولم يحظوا بنفس الاهتمام الإعلامي، ورغم ان عددهم بلغ 29503 أشخاص حتى نهاية سبتمبر الماضي، ومنهم 13658 عضوا في هيئات التدريس الجامعية، وان الوثيقة مازالت تستقبل عشرات الموقعين، إلا ان الإعلام الأمريكي أراد أن يمنح الأقلية الموظفة (التي لا تتجاوز ستين شخصا) حق تمثيل المثقفين الأمريكيين، ولعل تبادل المثقفين السعوديين الرسائل معهم أكد إضفاء الصفة التمثيلية هذه، وعليه يمكن القول ان الحوار المتبادل كان بين مثقفين سعوديين والرأي الرسمي الأمريكي، ورغم كل هذا فهو لم يخل من فوائد كثيرة.
ثانيا: وما يؤكد صفة الرسمية لهؤلاء المثقفين إعلانهم بأن السياسة، هي المعنية بترتيب شؤون حياتنا مع بعضنا البعض، تعنى جزئيا بالاستعمالات العادلةللقوة، فلا يسعها بالتالي التهرب من مسألة القوة، والمعنى المباشر لمثل هذه المقولة هو تنحية الدور الفكري والثقافي وتهميش مؤسسات المجتمع المدني في توجيه القرارات السياسية، ومثل هذا القول يمكن أن يصدر من مثقفي مجتمعات الدول النامية التي تهيمن فيها السلطة على كافة الأنشطة، ولو صدر منهم لكان مادة للاستخفاف والسخرية في الغرب، وهو قول يتجاهل العلاقة الجدلية المتناسقة بين الفكر وتغيير الواقع، وإذا كان الجميع يعلم ان الساسة معنيون بصناعة القرار السياسي فإن الجميع يعلم كذلك ان النخب معنية بصناعة الثقافة السياسية، وان العدالة في استعمالات القوة تستمد موازينها من الثقافة السياسية السائدة، والسؤال هنا: كيف تمارس النخب المثقفة دور الرقيب على العدالة في استعمالات القوة؟ غير ان الخطورة لا تكمن في ترديد هذه المقولة السلطوية، بل تحويل مثل هذه المقولات مسلمات لا تقبل النقاش، إذ يقولون: نرجو إذن أن توافقوا على أنه من الأفضل الإقرار بهذا الأمر صراحة، بدلا من افتراض شرط غير متعارف عليه في الممارسة السياسية الفعلية، بل أيضا في الممارسة الدينية.
ثالثا: وعلى نفس النهج في تقرير مقولات واعتبارها مسلمات، يستغرب هؤلاء المثقفون التشكيك الذي يمارسه المثقفون السعوديون بالرواية الرسمية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ يصفونها بأنها وقائع معروفة جيدا، وليس ثمة خلاف على حقيقتها الموضوعية، ومثل هذه الثقة المصطنعة لا يظهرها إلا الرسميون الأمريكيون الذين يضيقون ذرعا بأي تشكيك برواياتهم، ولولا التعتيم الإعلامي الذي يمارس ضد الرأي الآخر في هذا الموضوع لانكشف ذلك الجدل الاتهامي حول تلك الرواية الرسمية، وقبل أن يعترض المثقفون الأمريكيون على التشكيك لعلهم أن يقنعوا أعضاء الكونغرس الأمريكي نفسه بالرواية، فقد تناقلت الأخبار احتجاجات عن حجب المعلومات وتهديد بالاستقالة من لجان تتحرى الموضوع داخل الكونغرس،وهي انعكاس لجدل يعتم عليه داخل الولايات المتحدة الأمريكية حول صحة الرواية الرسمية، ولقد أدى هذا الجدل لتشكيل لجنة مستقلة في الكونغرس للتحقيق في تلك الرواية، وإذا كانت الرواية الرسمية لا خلاف على حقيقتها الموضوعية فلماذا يتم تشكيل هذه اللجنة؟ وإذا كانوا واثقين من صحة وحقيقة الرواية الرسمية فلماذا لا يجيبون على سيل الأسئلة التي تثار داخل المجتمع الأمريكي حولها، فعلى سبيل المثال لماذا لا يجيبون على سيل الأسئلة التي ترد في النافذة الإلكترونية ذات العنوان التالي: http:/www.unansweredouestions.prq ليتعرفوا على حجم التشكيك؟ ففي تلك النافذة 500 سؤال يطرحها بعض الأمريكان حول صحة الرواية الرسمية، وأمام كل سؤال يضيف الراغبون بالإجابة أسماءهم لإبراز حجم التساؤل، غير ان المدهش في هذا الموضوع ان عددا كبيرا من أسر ضحايا الحادي عشر من سبتمبر انضم لتلك النافذة مشاركا في تساؤلاته، وفي مثال آخر، لماذا لا يفندون المعلومات التي أوردها العنوان الإلكتروني: http://www.scoop.co.nz/masin/stories/HL0208/S.00068htm والتي يسرد فيها معلومات مريبة حول تورط أمريكان في حوادث الإرهاب هذه، وبالأخص فيما يتعلق بحوادث الجمرة الخبيثة، ويبقى ان نؤكد ان محاولة الدفاع عن الرواية الرسمية بالطريقة التي وردت في رسالة المثقفين الأمريكيين باسم الموضوعية تنم عن ان كاتبها خاضع لأجهزة وزارة الخارجية والاستخبارات الأمريكية.