ليث الحمداني
&
كتب المعارضون العراقيون خارج الوطن بيانات (القوميات) وكتبوا بيانات (الطوائف) والشيوخ، ولكن لم يكتب أحد بيان (فقراء العراق) الذين لا وجود لهم في خطاب المعارضة الجديدة الساعية للسلطة والتي لم تعد تفكر سوى بكراسي الحكم.
فقراء العراق شيعة وسنة، مسلمين ومسيحيين وصابئة ويزيدية، عربا وأكرادا وتركمانا وكلدانا وأشوريين وأرمن، هم الذين يجب أن تكتب لهم وعنهم (البيانات)، وهم الذين يجب أن يترك لهم القول في السلطة المقبلة.. فقد تحملوا أكثر مما تتحمله طاقات البشر.. تحملوا (قادسية الجنون) بسنواتها الطويلة، فدفنوا فلذات أكبادهم من كل الطوائف والقوميات في وقت كان فيه (الآخرون) من أتباع (النظام) و (المعارضة) بعيدين عن تلك النار التي التهمت الآلاف من الشباب. هم الذين تحملوا سنوات الخدمة العسكرية الإجبارية التي كانت تتلقف خريج الجامعة وهو في عز الشباب لتلفظه (إن بقي حيا) بعد عشر سنوات إنسانا محطما فاته قطار الوظيفة وقطار الزواج وفقد الأمل في كل شيء. في حين أدخل الأثرياء (عساكرنا الأشاوس) إلى عالم (البزنس) بحيث أصبح من الطبيعي جدا أن ترى (عقيدا أو زعيما) أو حتى (لواء) يتابع معاملة تجارية أو صناعية دون خجل والجبهة تلتهب والنظام يعرف ذلك جيدا.. يعرف أن هذا الزعيم أو ذاك العقيد أصبح شريكا لـ (آل فلان) أو (آل فلان) وكانت حصته في الشراكة حماية أبناء هؤلاء من جحيم الحرب المخصصة لالتهام الفقراء.
فقراء العراق أكثرية أهل العراق، فالفقر لا يميز بين دين أو قومية أو طائفة، هم الذين دفعوا الثمن أكثر من الآخرين في حرب الخليج الثانية، فقد ألحقوا بالخدمة العسكرية فقتل من قتل منهم في الكويت وفي الطريق إلى البصرة، وحين انتفضوا رفضا واحتجاجا سحقوا تحت سمع العالم كله وبموافقة الدولة المدافعة (اليوم) عن حقوق الإنسان.. يومها أيضا كان الآخرون يتوزعون على عواصم الجوار بانتظار النتيجة لتحديد الموقف!!
أقول إن فقراء العراق بحاجة إلى من يكتب لهم بيانهم ويضمنه حقوقهم في مستقبل العراق.. حقوقهم في أن يعيشوا وأبناءهم وأحفادهم كبشر، بعد أن أعلن السيد وليم سافير الكاتب الأمريكي الوثيق الصلة بصقور الإدارة الأمريكية أن الحكومة العراقية التي سيتم تشكيلها بدعم من التحالف (الأنجلوأمريكي) (ستتكفل) بتعويض واشنطن ولندن عن تكاليف الحرب!! ومن دخل البترول العراقي في المستقبل وفقا للترتيبات التي ستنشأ في أعقاب التغيير.. وأيضا وكما جاء في حديثه، فإنه في حالة قيام الجيش التركي بدور في الحرب خاصة في مناطق الشمال، فإنه سيتم احترام مطالبتها بالحصول على نسبة من عوائد البترول في كركوك، وسيكون ذلك تعويضا مناسبا عن الآثار الاقتصادية الناجمة عن الحرب..
طبعا أضيفوا لذلك ديون العراق لفرنسا وروسيا، وهي ديون ممتازة بحكم (الصفقة)، وبعدها ديون الدول الأخرى وتعويضات حرب الخليج الثانية.. فماذا سيبقى للعراقيين؟ ماذا سيبقى لفقراء العراق؟ ماذا سيبقى لمدن العراق؟ وكم سنة ستظل البصرة التي وعدتها الدكتاتورية الرعناء بتوفير مياه عذبة للشرب تنتظر لتحقيق حلمها؟ كم ستنتظر العمارة والناصرية كي ترى شوارعها مبلطة ومدارسها نظيفة؟ كيف سنعيد للأهوار التي دمرتها سلطة القمع، بهاءها ومياهها؟ بماذا سنعيد بناء بغداد والموصل وأربيل والرمادي والكوت ومدن العراق الأخرى التي أصبحت تغرق في أول موسم المطر، وتحيطها جبال من القمامة من كل الجهات، ويضطر المواطن فيها للتنقل بحافلات لا تصلح إلا لنقل البهائم؟ وماذا سيبقى للأجيال الجديدة بعد أن توزع الأموال كما اقترح السيد سافير ويطلق العنان لوحشية السوق غير البطالة والسعي للهجرة وطرق أبواب اللجوء هربا من الفقر، بعد أن سبقتهم أجيال بالهرب من (الدكتاتورية).
كل هذا لم يلفت انتباه معارضاتنا الساعية للسلطة دون برنامج اقتصادي واجتماعي يحفظ حق العراقيين في وطنهم.. برنامج يتضمن وسائل عملية لإعادة بناء الصناعة العراقية التي حولتها الدكتاتورية بسياساتها إلى حطام.. برنامج لتحديث وإعمار محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تعمل بنصف طاقاتها، فتضيف للعراقيين معاناة فوق معاناتهم، برنامج لإعادة مستشفيات العراق إلى أوضاعها الطبيعية، وتمكينها من تقديم خدماتها للفقراء.. برنامج لإعادة النظر في الواقع التعليمي بكل مراحله بعد أن تردى كل شيء.. برنامج لإنقاذ ما تبقى من مشاريع الري التي تحولت إلى مشاريع خدمات خاصة، وآخر لإنقاذ ما تبقى من ثروة العراق الزراعية.. والأهم من كل ذلك خطوات لإنقاذ البيئة من الدمار الذي لحقها جراء حروب الدكتاتورية وسنوات الحصار..
فماذا فعلت (الستة المبشرة بالسلطة) من كل هذا، ولا أحد منهم تصدى لتصريحات المسؤول الأمريكي ولو بتعقيب بسيط يتضمن سؤالا واحدا هو: ماذا سيبقى للعراق؟!!
أخشى ما أخشاه أن نشهد يوما يترحم فيه فقراء العراق على أسوأ نظام حكم مر بهم، كما يترحم فقراء رومانيا الآن على شاوشيسكو أسوأ حاكم عرفه العالم...
صحفي عراقي مقيم في كندا&
[email protected]