&
يوسف العباسي*

البيان الذي أصدره أخيرا من سموا بالمثقفين وعلماء الدين المسلمين، لا يمكن فهمه إلا في إطار العمل على نشر المزيد من الكراهية والتحريض على العنف في المنطقة.
ورغم أن البيان الذي وقعه عدد من كبار رجال الدين السعوديين من بينهم سلمان العودة، وبعض الدول العربية الأخرى مثل الداعية المصري (القطري الجنسية) يوسف القرضاوي والكاتب الإسلامي الكويتي عبد الله النفيسي، يتخفى وراء الدفاع عن العراق وباقي البلاد العربية، إلا انه ينطوي في جوهره على تبرير ودعم واضحين لأعمال الإرهاب التي قام ويقوم بها أفراد تنظيم القاعدة. انه فتوى صريحة لإرهابيي القاعدة للقيام بالمزيد من جرائمهم تحت بند "مقاومة العدوان الأمريكي والصهيوني".
فالبيان يبدأ بتقرير ما يعتبره حقيقة مسلم بها وهي "بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أصبح الإسلام وعالمه مستهدفان من قبل الإدارة الأميركية وحلفائها من الغربيين والقوى الصهيونية".
ثم ينتقل إلى تأكيد" أن إصرار الإدارة الأميركية على استخدام القوة والتعدي على دول المنطقة يعيد إلى الأذهان الحملات الصليبية وحقبة الاستعمار. وكما فتحت تلك العهود أبوابا من الجهاد والمقاومة. وانتهت بدحر قوى الشر والصليبية المعتدية المتجبرة، فكذلك كل بادرة عدوان على الأمة أو استخفاف بها ستفتح أبوابا من الجهاد والمقاومة. التي ستنتهي بدحر قوى الشر الغازية من صليبية وصهيونية".
وعليه يخلص البيان إلى " .. ومع تأكيدنا على الشباب المسلم تجنب العنف فإننا نؤكد على حق الشعوب المسلمة في جهاد أعدائها".
أي أن البيان يقرر في البداية حقيقة أن الإسلام وعالمه مستهدفان من قبل الولايات المتحدة و"الصليبيين" و"الصهاينة" المصرين على استخدام القوة والاعتداء، ومادام أن الأمر كذلك فإن هذا "الاعتداء" سيفتح أبواب "الجهاد والمقاومة" .. وعليه فإن من حق الشباب المسلم " الجهاد". ولو عدلنا الصياغة النهائية لأصبحت كالتالي : من حق الشباب المسلم أن يجاهد ضد الاستهداف الواقع على الإسلام من جانب الإدارة الأمريكية وحلفائها الغربيين والقوى الصهيونية!
فماذا يختلف ذلك عما يقوله أسامة بن لادن؟ لاشيء، فهو نفس الكلام ونفس الحجج والذرائع، ولكن الاختلاف هو فقط في الصياغة، وكونه يأتي من أناس طالما وصفوا أنفسهم بالاعتدال والوسطية المزعومة.
إن خطورة البيان المذكور هو أنه يأتي في وقت تتزايد فيه مخاطر المواجهة الشاملة التي بدأت تلوح في الأفق بين الولايات المتحدة وبعض الأنظمة العربية المدعومة من الجماعات الأصولية، ليصب بذلك المزيد من الزيت على النار المشتعلة أصلا، وكأنه لا يكفي التحريض والحض على الحقد والعنف المنبعث من المساجد والمنابر الإسلامية والبرامج الفضائية الحوارية ومواقع الانترنيت والأشرطة وعشرات الوسائل الدعائية الأخرى.
لقد كشف هذا البيان بشكل نهائي القناع عن الداعمين الحقيقيين خلف الكواليس للقاعدة وزعيمها أسامة بن لادن. وإذا كان هناك من استغرب في السابق سر بقاء تنظيم القاعدة على قيد الحياة واستمراره في النشاط، بعد الضربات التي وجهت إليه في أفغانستان ومناطق أخرى من العالم، فما عليه سوى أن يعيد ترتيب أفكاره واستنتاجاته ليخلص منها إلى نتيجة مفادها أن مؤيدي بن لادن والقاعدة هم في الواقع السواد الأعظم من الإسلاميين، سواء الذين يتخفون وراء قناع الوسطية والاعتدال أو وراء المناصب الأكاديمية ورئاسة المؤسسات والجمعيات الإسلامية المختلفة. فضلا عن عشرات ومئات الجمعيات والمنظمات والصناديق الخيرية التي لا تزال تنشط في طول البلدان العربية والإسلامية، وتجمع الأموال والدعم ليصل في النهاية (بطرق مختلفة) إلى تنظيم القاعدة.
والمؤسف أن بعض الأنباء تشير إلى أن أفرادا في بعض العائلات الحاكمة والبيوتات المالية في دول الخليج مستمرة في تقديم الدعم المالي لأسامة بن لادن، وان هذا الدعم يمر عبر طرق تتجاوز الرقابة المفروضة حاليا على التحويلات المالية.
ونعود لبيان "المثقفين" ورجال الدين المسلمين لنقول إنه قد فاق باقي البيانات التي صدرت في السابق في خطورتها، وتكريسها للحالة الراهنة، فتلك البيانات رغم تعاميها عن أمر جوهري ينبغي أن يأتي في البداية وقبل كل شيء، وهو إعلان إدانة حازمة وواضحة وغير مشروطة للهجمات الإرهابية التي شنت في الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة، ونبذ أعمال العنف والإرهاب والتبرؤ الواضح والصريح من جرائم تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن، إلا أن تلك البيانات على الأقل كانت تحاول أن تفتح بابا للحوار والنقاش.
أما البيان الجديد فهو محض تحريض على العنف والإرهاب، وهو بذلك يمثل خطوات واسعة إلى الوراء، في الخطاب العربي والإسلامي. ولذلك فإنه على دعاة التنوير والعقلانية في المنطقة المبادرة إلى إصدار بيان مواز يؤكد على قيم التعايش والتسامح والسلام بين الشعوب، والتبرؤ من الإرهاب والإرهابيين، والدعوة لوقف حالة الانحدار الخطيرة التي باتت تعيشها مجتمعاتنا على جميع الأصعدة.
* كاتب وصحافي من البحرين