سعد البزاز
&
لم يذهب الرئيس الأمريكي الي موسكو ليسأل الرئيس الروسي: حرب مع العراق أم لا حرب..؟ بل ذهب اليه ليقول: هل ستأتي معي الي الحرب.. أم تكتفي بعدم ازعاج خططي فيها..؟
ففي هذه اللحظة، يصعب الاعتقاد بأن هناك مسافة يمكن رؤيتها بين الحرب والسلام..
الحرب واقعة لأن بوش ربط جهده السياسي والدعائي وسمعته ومصداقيته بخيار نزع أسلحة العراق وتغيير نظامه باستخدام القوة العسكرية ولو تراجع لحظة عن اندفاعه فإنه سيجد العودة علي طول الطريق الذي مضي فيه صعبة ومتعثرة الخطي.
والحرب واقعة لأن الجمهور الأمريكي لم يقتنع حتي الآن بأن حرب أفغانستان كانت كافية للاتيان بالنصر الحاسم الذي وعد به الرئيس بوش وعجز عن تقديمه في الذكري الأولي لهجمات أيلول (سبتمبر) ولو انتظر مزيداً من الوقت من دون مكسب عسكري أكبر من أفغانستان، فإنه سيبدد كل قدرات بلاده من دون العثور علي بن لادن حياً أو ميتاً، كما كان قد أشهد الناس عليه يوم واقعة سبتمبر.
والحرب واقعة لأن الولايات المتحدة لن تتمكن من التحكم في مفاتيح المشرق العربي ومنطقة الخليج ولن تنهي بقايا النفوذ الروسي في المشرق من دون الامساك بمفاتيح العراق الذي يشكل ثاني أكبر مخزون نفطي كما يشكل أهم كتف بري حاجز أمام ايران ومكمل لحلف جديد يضم تركيا ودولاً أخري تتصالح مع اسرائيل لينتهي الصراع الذي أنجز الصلح المصري نصف الطريق لانهائه قبل عقدين ونصف العقد وسيتعين إكمال النصف الآخر عندما ينجز الصلح العراقي أيضاً، فلا يبقي لأحد بعد ذلك أن يحيد عن هذه الطريق من دون تحمل عواقب وخيمة أخري كالتي تنتظر نظام الرئيس العراقي.
والحرب واقعة لأن عدم الدخول الي العراق واعادة تصميم دوره بإرادة أمريكية سيُظهران واشنطن في موقف حساس أمام حلفائها الأوروبيين وخاصة أولئك الذين تحدوها بإظهار عدم الرضي والتطابق مثلما فعلت ألمانيا بحدة وفرنسا بطريقة لبقة وحذرة.
أما كيف ستقع الحرب..؟ فذلك أمر لا يصعب ترتيب ايقاعه.. فالعقاب العسكري آت سواء أنكر الرئيس العراقي وجود أسلحة الدمار الشامل أم اعترف بوجودها لأنه في الحالتين متهم باخفاء الحقيقة في الأولي.. أو الاعتراف المتأخر بما أخفاه من حقيقة زمناً طويلاً..
أما فرص السلام فهي محدودة جداً، ولا تكاد تُري لأنها غير عملية، ومنها أن يقبل الرئيس العراقي فكرة التخلي الطوعي عن الحكم أو مغادرة العراق مع أفراد عائلته وأقرب مساعديه، وهي فكرة تبدو مرفوضة منه لأنها لا تنسجم مع الطريقة التي يفكر بها ويتصرف، ومن المستبعد ان يرتضيها لنفسه، علي الرغم من أنها الوسيلة الوحيدة المتبقية التي يمكن عدّها مخرجاً للأزمة وانقاذاً للعراق من الحرب.
أما أن يقع انقلاب داخل العراق ينهي حكم صدام فيؤجل أو يلغي فكرة الهجوم العسكري الأمريكي.. فإن هذا احتمال كان يمكن ان يقع قبل بدء الإعداد للحرب.. أو انه سيقع بعد ساعة من بدء الحرب ولذلك ستنتفي فائدته في منع وقوعها.
وبعد ذلك، فإن القول بأن دولاً كبيرة ستؤثر علي ارادة شن الحرب في واشنطن وأن صفقة ستعقد بين الكبار لإيجاد مخرج سياسي للأزمة، هو قول فات عليه الزمن ولم يعد متاحاً وتواري خلف المشهد القائم، علاوة عن أن الأماني بأن تقوي الدول العربية علي منع وقوع الحرب تلاشت هي الأخري منذ وقت مبكر علاوة عن أن واشنطن لم تعد تسترضي أحداً في المنطقة أو تشاوره (عدا اسرائيل) لكي تقرر شكل الصفحة التالية في الصراع علي العراق وكل ما يحيط به.
وقبل هذا وذاك، لم يقع الأمريكان في وهم ان هناك معارضة عراقية يمكن ان تتحرك بنفسها وبقدراتها لتغيير الحكم في العراق، فأغلقت هذا الباب ولم تعد تري في هذه المعارضات غير واجهة قليلة الفائدة عند الشروع في العمل العسكري الذي يمكن ان يفضي لوضع العراق تحت ادارة عسكرية أمريكية بضعة أشهر أو سنة أو يزيد.
كل شيء يدل علي أن الحرب آتية لا ريب فيها.. بانتظار الشرارة التي تشعلها والتوقيت الذي يتشارك في اختياره الطقس وجدول أعمال الرئيس الأمريكي ودرجة جاهزية القوات البرية الأمريكية.. فهل يري أحدٌ مفاجأة ما تصعب رؤيتها.. ويصعب توقعها أيضاً..؟