محمد الناجي
&
"الحبّ" وهو شكل صريح من أشكال العلاقـة بما يكشف من الحاجة إلى الإنجذاب الغريزي من قبل هذا الجنس نحو الجنس الآخر. ففي فترة المراهقة تعيش الفتاة خيالات سارحة مع ما يسمّى في دنيا الحبّ بـ (فارس الأحلام) مما ترسمه القصص العاطفية والأفلام الرومانسية لشخص يأتي راكباً فرسه الأبيض ليخطفها إلى جزيرة نائية يعيشان فيها على "خبز الأحلام" و "شراب الأحلام" وفي "بيت الأحلام".
كما يعيش الشابّ المراهـق حالة مماثلة من أحـلام اليقظة مع ما يطلق عليه بـ (فتاة الأحلام) حيث يترك العنان لخياله في رسم صور جميلة لا تمتّ ـ في كثير من الأحيان ـ إلى الواقع ، لتلك الفتاة التي ستشاطره أحلامه وتقنع بالقليل اليسير، وغالباً ما تكون الخواطر والخيالات عند المراهقين مستوحاة من القصص والقصائد والروايات والأغاني والمسلسلات ، فهي تحلِّق في أعالي الفضاء ولا تلامس أقدامها أرض الواقع، إذ كثيراً ما تكون صورة فارس الأحلام أو فتاة الأحلام شبحية، وكأنّ الحياة ليس فيها سوى الحبّ والغرام والهيام والتحليق بأجنحة الأحلام.
إنّ مرحلة المراهقة ـ بما هي انتقالة تدريجية من طفولة حالمة ـ لا تترك ـ رواسب الطفولة تماماً، ولذا فليس من المستغرب أن تكون مرحلة المشاعر الملتهبة والعواطف المتأججة والأحلام المجنّحة غير المستقرة على حال، فهي مرحلة التقلّب العاطفي، وما يراه المراهق على أ نّه حب لا يمكن أن يتغيّر أو يزول، ستأتي عليه الأيام فإذا هو مجرد ذكرى أو أطلال تجربة عابرة، ربّما يحمد الله على أ نّها لم تتحوّل إلى حقيقة، لأ نّها لم تكن ناضجة بما فيه الكفاية ، وقد يصفها بعض الراشدين على أ نّها حبّ أطفال أو نزق مراهقين، وهو يشير بذلك إلى أ نّه حب غير ناضج .
فكيف نظر الإسلام إلى هذا اللون من الحبّ ؟
إنّ الله سبحانه وتعالى لم يخلق العواطف والغرائز إلاّ ليكون لا مجال تعبّر فيه عن نفسها، وذلك من أجل أن نتبادلها ونتعامل بها ليزداد الترابط بين القلوب ألفة ومحبّة ورحمة، ولكنّه حدّد للعواطف مسارها فالحبّ فيـه والبغض فيه، فلا عاطفة حب إسلامية للمشركين والكافرين والعاصين، بل هي لله ولرسـوله وللمؤمنين ولكلّ عمل يقرّب إلى الله .
وحدّد للغرائز إطارها الذي تتحرك فيه: (وَالحافِظِينَ فُرُوجهُم وَالحافِظاتِ )، (وَالّذينَ هُمْ لِفُروجِهِم حافِظُونَ * إلاّ على أزواجِهِم أو ما مَلَكت أيمانُهُم ) .
والحبّ مهما عبّر عن عاطفة صادقة جيّاشة يجب أن يكون ذا عينين يبصران المحاسن والمساوئ على حدّ سواء، وإلاّ فإنّه سيوقفنا فيما لا تحمد عقباه .. وإذا صحّ القول إنّ الحبّ يعمي ويصم بحيث لا نرى من المحبوب إلاّ محاسنه، فإنّ الأيام كفيلة بأن تكشف الغطاء لنرى ما لم نره في أثناء الفورة العاطفية الجامحة .
ولقد اعتبر الله سبحانه وتعالى علاقة الحب بين الجنسين علاقة مودّة ورحمة، ولذلك فالحبّ ـ بما هو ميل عاطفي فطري ـ بين شاب وفتاة وامرأة ورجل ليس معيباً ولا مستنكراً ولا محرّماً شريطة أن يكون عفيفاً لا يمارس المحرّم من خلاله، ويقود إلى العلاقة الشرعية (الزواج) .
ومهما كان حبّ الشاب للفتاة، فإنّه لا يمكن أن يكون حبّاً خالصاً خالياً من الشهوة كحبّ شابين مؤمنين أو حب فتاتين مؤمنتين، فإذا أحبّ شاب فتاة تمنّاها زوجة له، وإذا أحبّت فتاة شاباً تمنته شريكاً لحياتها ليمارسان خلال الزواج حقّهما الطبيعي في إشباع غرائزهما التي ما خلقها الله تعالى لنقمعها أو نتعذّب في كبتها .
أمّا الحبّ الذي هو مجرد لهو وعبث وتلاعب بالمشاعر وممارسات شهوية محرّمة، مما هو شائع هذه الأيام، فهو ليس الحبّ الذي يحترمه الإسلام ويقدّره، إنّما هو انقلاب غريزي لم يؤطر بإطار شرعي، وكثيراً ما قاد إلى مصائب ومتاعب شتى .
ومثله الحبّ بالمراسلة أو عبر الهاتف والانترنيت وما تصوره الأفلام التجارية، فهو وإن أوحى للمراهقين والشباب أنّ ثمة علاقة عاطفية راسخة، إلاّ أ نّه حب يغلب عليه الخيال الجموح، ولا ينظر للعلاقة إلاّ من زاوية الغريزة فقط، وإلاّ فكيف يطمئنّ الشاب العاقل والفتاة الرزينة إلى أخلاق وصفات وطباع الشخص الآخر عبر سطور رسالة ملتهبة تأتي بالبريد العادي أو الالكتروني، أو كلمات ساخنة في أسلاك الهاتف، فالأصل في هذه الحالات الإخفاق والندم والكثير من التوجس والريبة والقلق النفسي، وإذا نجحت تجربة أو تجربتان فلايعني ذلك أنّ النجاح حليف كلّ التجارب العاطفية البريدية .
إنّ الحبّ الذي يعمر به قلب فتاة مراهقة، والحبّ الذي يجشي في صدر فتى مراهق لا يخشى عليه من الكساد والفسـاد، فالحـب ليس بضاعة قابلة للتلف، فثمة متسع من وقت يمكن أن تزرع فيه هذا الحب في الأرض الطيِّبة، ولا يخدعنّ المراهقين والشباب ما يقوله الغرب من أنّ جسـدك ملكك وأنت حرّ في التصرّف فيه كما تشاء، فعلاوة على ما جرّ هذا القول من قايس على كلا الجنسين، فإنّ الله سـبحانه وتعالى لم يرخصنا في العبث بأجسادنا بلا ضوابط ، فهو لا يريد أن نكبت غرائزنا ولا يريدنا أن نطلق لها العنان، وإنّما نلبِّي حاجتها عبر القناة الطبيعية التي حدّدها لنا وهي الزواج وغيرها من العلاقات المشروعة.