عبد الحكيم الفقيه
&
تعددت بؤر النزاع على ظهر هذه البسيطة فمنها داخل البلد الواحد ومنهاعلى تماس البلدين ومنها تشترك فيه دول عديدة، والمتتبع لنشرات الأخبار أصبحت مسامعه معتادة على أرقام القتل والدمار اليومي وكأن منطق الشر هو الطبيعي ومنطق الخير هو الأستثناء، فكم يوميا يحصد من الأبرياء ومن الجنود الذين لا حول لهم ولا قوة سوى الامتثال والإنصياع الأعمى لأوامر الجنرالات الذين يحصدون الأوسمة وهم "خلف بروج مشيدة". والمتتبع لميزانية الدول يلاحظ أن الجانب العسكري يحصد نصيب الأسد بينما مجالات التعليم والبحث والتطبب والإسكان تنال نسبة ضئيلة جدا. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماهي دواعي الحروب والإقتتال؟ ولعله من أسئل&& السذاجة والبداهة لكنه يختزل علامات الذهول التي تفعم وجه التأريخ البشري الذي تتراكم في صفحاته فقرات سرد المعارك واصطدام الأمم والبلدان والقبائل والحضارات ليتضح أن عوامل القومية والأيدلوجية والدين والإقتصاد والتوسع والتورم بها في سيكولوجية القائد لا محالة سيخلق جوا مستجرا لامجاد وماضي الأمم ورغبتها في التوسع والهيمنة وإذلال الأمم الأخرى إذا لم يتم إستخدام الأبعاد الحضارية والإنسانية. وإذا كان القرن المنصرم قد شهد حربين كونيتين دفعت البشرية الملايين من أبنائها قرابينا لآ لهة الموت. ولقد تواصلت حروب البلدان المتجاورة والحروب الداخلية ولايحصي عدد الضحايا إلا عزرائيل الذي يبدو أن غباء البشر وأنانيتهم جعلاه منهكا تماما حيث لا يتوقف عمله ولو لثانية واحدة قد يقول قائل إن الحرب ضرورة طبيعة وسنة من سنن الحياة.
وللحق أن ذلك لا جدال فيه و لكن ألا يمكن تجنب هذه الحروب طالما وهي لا تقتات إلاعلى لحم البشر ولا تميز بين الرضيع والطفل والمرأة والشاب والكهل بل تأكل الحدائق والمباني والأشجار والأحجار فأي كائن عاقل هذا الذي يدمر نفسه ويدمر أبناء جنسه من أجل إرضاء نزوات هؤلاء الجنرات وأصحاب الشركات الأحتكارية والصكوك والبنوك؟ فما أن يتنفس الناس الصعداء ويبتهجون للحرب حين تضع أوزارها فإذا بحرب جديدة يعد لها العدة وتقرع لها الطبول.عندما وصلت الحرب الباردة بين الكرملين الموسكوفي والبيت الأبيض في واشنطن الى الذروة وكادت أن تتحول إلى كارثة كونية، كان منطق السلم والتعايش ونزع فتيل الحروب والحد من الأسلحة الفتاكة من أجمل المطالب البشرية وكان ميزان القوى الدولي أنذاك لا يسمح بالتلويح باستخدام القوة لأن الطرفين ومن دار في فلكيهما يجيدان فن الدفاع والتهديد. بيد أنه بعد أن تلاشى الأتحاد السوفيتي دخل العالم في معمان فوضى واضطراب، ومحاولة واشنطن البراجماتية استغلال الظروف للأنفراد بالكون ومقدراته زادت الطين بلة وتزايدت بؤر النزاع فازداد الإنسان رعبا ومخافة وجوعا وتشرذما وشتاتا. من المعروف أنه عند خروج الأمم المتناحرة من الحرب العالمية الثانية كونت عصبة الأمم حتى تكون مرجعية لحل النزاعات وتجنب الحروب والحلول العسكرية لأن الحروب دائما تثبت أن الطرفين مهزومان حيث لا يوجد منتصر في الحرب فلذا كانت الأمم المتحدة مشروعا أمميا جميلا للحرص على سلامة الحياة في هذا الكوكب الأخضر والجميل فسارعت& اغالبية الدول إلى الإنضمام والتوقيع على المواثيق الدولية.بيد أنها في الاونة الأخيرة تحولت الأمم المتحدة إلى غطاء شرعي لتبرير الحروب وأصيبت بالحول والإزدواجية فقراراتها ضد العرب تنفذها بالقوة والقرارات التي لصالح العرب تدخل في طي النسيان وهاهي تقف مكتوفة الأيدي في هذه النزاعات الأفريقية والأسيوية وربما لن تتدخل إلا في الوقت الضائع أو بعد صافرة الحكم كما حدث في حرب البلقان لقد أبتهج البشر بدخول الألفية الثالتة متفائلين بأنها ستكون مدخلا لحياة رغدة إقتصاديا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا كون العالم أصبح قرية كونية وأن المنطق الحضاري سيكون هو منطق الحوار وسيتم احترام حقوق الإنسان وإجراء إصلاحات دستورية وقانونية تحد من احتكار السلطة والثروة وتعطي مزيدا من الحريات وتحد من البطالة والفقر والجهل والجوع والمرض وتلغي عمالة الأطفال والعنف ضد النساء وتجرم الحروب وتعمل على عدم إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، لكن الألفية الثالثة جاءت مدشنة لقرن أكثر شراسة وعنجه ة لا بقاء فيه إلا للأقوى ولاسيادة فيه للأوطان،فأصبح البحر والجو والبر موبؤا بتواجد آلة hلدمار الأطسي والذي يحاول فرض أحاديته بالقوة. إن استغلال واشنطن لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 يريد معالجة الإرهاب بالإرهاب نفسه مع أن العودة لثلاث عقود خلت يعطي براهينا بأن امريكا كان لها بصمات واضحة في رعاية وتدريب الجماعات الإرهابية والتشكيلات العسكرية الدينية واستغلالها وتأجيجها ضد المعسكرالإشتراكي سابقا ولأن الذي يرعرع الثعبان لابد أن يتعرض للدغة فقد كانت أحداث سبتمبر نتيجة طبيعية للتربية الأمريكية المغلوطة، وكما نقول في اليمن " آخر المحنش للحنش"
&إن مكافحة الإرهاب تتطلب تشخيصا للظاهرة وظروف تطورها وتناميها وبالتالي خلق ظروف مغايرة تعمل على تجاوزها والحد منها وبالتالي استئصالها، ومن الطبيعي أن لكل فعل رد فعل فالإستبداد وغياب الحرية و عدم التوزيع العادل للثروة واتساع نطاق البطالة والفقر وتفشي الأمية والتبعية والإحتلال المباشر وغير المباشر من عوامل عدم الإستقرار وبالتالي من مسببات العنف والتطرف وتوظيفه، لذا على الجميع أن يدركوا أن الحلول العسكرية حلول مؤقتة ستؤدي إلى ردود فعل أكثر عنفا وستوسع من نطاق الثأر العالمي فعلى أمريكا أن تراجع حساباتها وسياستها الخارجية وعليها أن تكف عن تضليل الرأي العام الأمريكي والعالمي وأن تكف من الأستهتار بقضايا العرب وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.وعلى هيئة الأمم المتحدة أن تكون محايدة بعيدةعن الأملاءات والضغوط وتنظر إلى الإنسان بعين العطف أينما يكون، وعلى الحكومات أن تطلق مزيدا من الحريات وتحدث إصلاحات إقتصادية وإجتماعية وتفتح صفحات للحوار مع مناوئيها وعلى الجماعات المسلحة نبذ العنف وإحترام الدساتير والإحتكام إلى الطرق السلمية والديمقراطية.
هل تجرؤ الأمم المتحدة على الكلام وتبدأ في تنفيذ قراراتها التي صدرت لصالح القضية الفلسطينية؟ وهل تجرؤ على مطالبة أمريكا وبريطانيا بسحب قواعدهما من أراضي ومياه الغير؟ وهل تجرؤ على إستصدار قانون يمنع صناعة الأسلحة وتحويل ميزانيتها لصناغة الغذاء والمأوى والعلاج لملايين البشر الجائعين والمشردين هنا وهناك؟هل يمكن تجنب الحرب التي تحاول لندن وواشنطن شنها على العراق؟ هل يمكن رص دعاة السلم والحوار و حقوق الإنسان والتضامن والعدل وتكوين جبهة عالمية عريضة تزاول عملها بفعالية لا أن تتحول إلى إكسسوارات لتجميل أوجه الأنظمة وجنرالاتها الأقبح من وجه الشيطان؟
في البدء كانت الكلمة وفي الأخير لن تبقى سوى الكلمة، فما أروع التراشق بالكلمات بدلا عن الرصاص وما أروع الإصغاء إلى الهديل بدلا عن اللعلة، وما أجمل أن يتبادل الناس الورود وأغصان الزيتون بدلا عن تبادل الإتهامات والقصف، وما أروع أن يحط الحمام على قبعات الجنود وعلى النجوم الصدأة والحالكة في أكتاف جنرالات وزارات الدفاع.