عبدالله العباسي
&
بعد سنتين تقريبا من سقوط نظام باتستا واستيلاء كاسترو ورفاقه علي الحكم في كوبا بدأت الاصلاحات الكبري مما أحس المواطن الكوبي بالفرق بين نظام الدكتاتور السابق والاشتراكيين الجدد وبدأ المواطن يعتز بانتمائه الكوبي وشعر أن الوطن له، فاستطاع كاستر ورفاقه بقوة الشعب الصمود أمام كل المؤامرات الأمريكية ضدها رغم أن كوبا لا تبعد عن الولايات المتحدة إلا بضع كيلومترات فقط. لقد نجا كاسترو من أكثر من 300 مؤامرة لقتله لا لأن جنوده وأجهزة أمنه هم الذين كانوا يقظين بل لأن الشعب كله تحول الي جنوده والساهرين علي أمنه بل إن إحدي هذه المؤامرات جاءت من قبل فئة من حراسه الذين ابتلعوا الطعم الأمريكي لكنه نجا أيضا لأن حراسه هم شعبه. وكان من بين رفاقه بالطبع الثائر المعروف جيفارا الذي عينه وزيرا للصناعة لأن الصناعة علي حد تعبير كاسترو بحاجة الي ثائر فالتغيرات التاريخية في مجال التنمية لا تحدث بإنسان عادي يملك العلم فقط بل لا بد له أن يعرف العلم ويكون ثائرا، فالاحساس والشعور والحماس هو الجزء الأهم ليقوم بعمل ثوري في مجال عمله ولهذا نجح كاسترو أن يحقق تنمية كبري في هذه الجزيرة وصارت الدولة الأولي في صناعة السكر. وفجأة أتت كاسترو عريضة من بعض المثقفين يعترضون علي بعض الجوانب والاجراءات مما أغضب النظام الجديد وقيادته فقرر اعتقالهم واعترض جيفارا علي هذا الحكم السريع وهذا التصرف من رفيقه كاسترو فطالبه بالتحاور معهم بحيث لا يفتح المجال لأجهزة الأمن أن تمتد يدها الي هؤلاء المثقفين لأنهم صادقون في اعتراضهم فأصر كاسترو علي أن هؤلاء اختاروا ظروفا غير طبيعية في مطالبهم حتي ولو كانت صحيحة وعادلة. غير أن جيفار قال إن اراد الشعب يجب أن تأتي فوق كل الظروف لأن رصيد بقاء أي نظام هو الشعب وبخاصة المثقفين منهم فهم واجهة الشعب وحماة حقوقه والمدافعين عنه لكن كاسترو أصر علي رأيه فاعتقل الموقعين علي العريضة، فما كان من جيفارا إلاّ أن رمي بالاستقالة في وجه رفيق دربه النضالي وترك الوزارة وراح الي دولة لاتينية أخري لينضم الي الثوار قائلا: (مكاني هنا كما يبدو مع المقاتلين). إن هذا الخلاف بين كاسترو وجيفارا يكشف للإنسان عدة نقاط أهمها: ف أن الاستعجال في الحكم علي من يعترض من المثقفين لا يعني أن ذلك تآمراً بقدر ما هو تنبيه للقيادة للتصحيح فكما يقولون الصديق من صدقك بفتح الدال والقاف وليس من صدقك بشد الدال والقاف. ف فالمثقف الذي يوافق علي كل شيء لا يخدم الوطن مهما كان ثوريا واعيا ومدركا للأبعاد السياسية إلا أنه بحاجة الي ابداء الملاحظات من قبل المثقفين الغيورين علي مصلحة الوطن فاعتبار كل من يبدي ملاحظاته أو يوقع علي عريضة لابداء ملاحظاته فيها هو ضد المسيرة الاصلاحية أمر فيه الكثير من التجني ولا يخدم الاستقرار السياسي. ف إن أي نظام إصلاحي خاصة في بدايات التغيير بحاجة الي من يعارض وأن حسن النية وحده لا يكفي إذ لا بد من أن يتم ارشاده ومن هنا يأتي استقامة مسار التنمية والتطور المطرد، فالمعارضة هي بمثابة صمام أمان لا يترك المجال لأي انحراف أو خطأ متعمد كان أو عفويا ولهذا لانجد أية انقلابات أو محاولات للتغير في الدول الغربية لأن الديمقراطية والحرية والشفافية لا تفسح المجال للمواطن أن يتآمر أو يكره نظامه لأنه مشارك في الحكم إلا أننا نجد الانقلابات والحركات المفاجئة تقع في دول العالم الثالث لوجود الفساد الاداري وسرقات ونهب أموال الدولة والذي يترتب عليه فقر الشعب والتخلف الثقافي والاجتماعي والصحي حتي في دول غنية مثل نيجيريا الثرية بالنفط والبرازيل الدولة السادسة في إمكاناتها النفطية في العالم ومع ذلك اضطر الشعب أن يأتي بماسح أحذية علي سدة الحكم مؤخرا بعد أن عجز من تصحيح الأوضاع علي مدي ربع قرن بسبب الفساد الاداري من قبل حكام اليمين التقليديين عملاء الولايات المتحدة. ف في اعتقادي أن القيادة الناضجة إذا لم يكن لديها معارضة تبحث عن معارضة، ومن حسن حظ الأنظمة الخليجية أن بها مثقفين غيورين يقومون مقام المعارضة دون أن يكون لهم الرغبة في التغيير أو التطاول علي النظام لأن كل دساتيرها تؤكد أن الحكم وراثي ولا مجال لتعديل هذه المادة والمثقفون مقتنعون بذلك، لكن نسب الاختلاف تختلف في كل بلد من بلدان الخليج، ففي البلدان التي يقل فيها الفساد الاداري ويعيش المواطنون في وضع جيد نري ان علاقة الود أوثق من البلدان التي يتسع فيها التلاعب بأموال الدولة، وليس هناك دليل أكبر مما حدث خلال العدوان العراقي علي الكويت عندما قدّم صاحب القادسية وحارس البوابة الشرقية وفارس أم المعارك الحكم علي طبق من ذهب للمعارضة الكويتية فلم يقبله أحد منه فخذلوه بسبب ما يربط بين الشعب الكويتي وأسرته الحاكمة من آل صباح مع وجود معارضة شجاعة وشديدة لا تتساهل مع أخطاء النظام، لكن علاقة الود التي تربط بين الطرفين هي التي وقفت في وجه تحقيق رغبة صدام، فعندما يقوم المثقف أو المعارضة دوره الإصلاحي دون أن يتجاوز حدوده من منطلق (العين لا تعلو علي الحاجب) لا خوف منه اطلاقا. ف إن أي قائد ناجح بحاجة الي مصلحين حواليه والي مستشارين غير وصوليين ومستغنين عن السرقة والنهب ولهم تاريخ نظيف لكنه موصل جيد لهموم المواطنين وصادق مع قائده ولا يجامله، فالمجاملة تعني الوصولية، ولهذا فإن كاسترو خسر وزيره شي جيفارا عندما نصحه بعدم مس المثقفين من أصحاب العريضة الذين طالبوه بالإصلاح مثلما خسر جيفارا حياته خلال إحدي المعارك عندما أنضم الي ثوار بوليفيا. ف سعة الصدر من أهم الميزات التي يجب أن يتصف القائد الناجح بها والذي يأتي في مراحل تاريخية مفصلية كما يحدث في بلادنا اليوم. وهذا ما أدركته القيادة الجديدة في بلادنا برئاسة عظمة الملك. وعندما قرأت بيان الجمعيات السياسية حول الوزارة الجديدة والملاحظات التي بها عن دور الوزارة القادمة ووجدت الاطروحات الواقعية الناضجة التي بها علمت أن المثقف الصادق دائماً يصب فكره وملاحظاته في صالح الوطن والقائد الواقعي مثل مليكنا صاحب الصدر الواسع والمدرك بوعي حساسية المرحلة التي تمر بها المنطقة والمستجدات العالمية التي تفرض علي قيادة هذه الدول أن تتفاهم مع مثقفي بلدانها أسوة بالكويت وأسلوب التعامل الراقي والثقة المتبادلة بين الحكومة ومواطنيها. ولو استطاع حكام العرب أن يحذو حذو الكويت والامارات وكما يفعله مليكنا اليوم لتجنبت البلاد العربية أي خلاف مع شعوبها ولو أوقفوا الفساد الاداري ووضعوا حدا لبوس المواطنين من خلال ديمقراطية حقيقية واستمعوا لملاحظات مثقفي البلاد لما حدثت أية هزة في بلدانها. وليت الجميع يحذون حذو ملك مملكة البحرين لأدركوا كيف يكن القضاء علي الاحتقان السياسي وكسب ود المواطنين من خلال الاصلاحات واخلاء السجون من أصحاب الفكر والثقافة. (عن "الايام" البحرينية)