رجاء النقاش
&
اعود اليوم الى قضية اعدام المفكر العربي الاسلامي الكبير سيد قطب في عهد الزعيم الراحل عبدالناصر سنة 1966 وحديث اليوم هو استكمال لحديث امس وفي رأيي المتواضع ان الزعيم عبدالناصر قد اخطأ بموافقته على حكم الاعدام وكان عليه ما دام مقتنعا بالاتهامات الموجهة الى سيد قطب ان يكتفي بالموافقة على سجنه فهذا أهون بكثير من ان يقال انه في عهد عبدالناصر تم اعدام مفكر كبير بحجم سيد قطب وهو ما يقال الى الآن ويعتبره الكثيرون من اخطاء عبدالناصر الكبيرة رغم المكانة العالية التي يحتلها عبدالناصر في التاريخ الوطني المعاصر للعرب مع الاعتذار لاستاذنا الجليل الدكتور يوسف القرضاوي الذي يرى في عبدالناصر رأيا لا يسر ورغم ذلك كله فانا ارى ان سيد قطب يتحمل جزءا لا يستهان به من المسؤولية عن مصيره فقد دخل سجون عبدالناصر مع من دخله من الاخوان سنة 1954 وفي داخل السجن استطاع سيد قطب ان يتم تفسيره العظيم للقرآن وهو المعروف باسم في ظلال القرآن ومعنى ذلك ان ظروف سجن سيد قطب لم تكن قاسية عليه بحيث تمنعه من الكتابة والتفكير واذا عرفنا ان عبدالناصر كان يكره الاخوان المسلمين كراهية حياة أو موت فاننا نستطيع ان نقول ان سجن سيد قطب وهو من اعلام الاخوان وقادتهم كان فيه قدر كبير من التخفيف عليه والنظر اليه من جانب عبدالناصر نظرة معتدلة ثم خرج سيد قطب بعد ذلك من السجن باعفاء صحي فيما اعلم وكان ذلك في اوائل الستينيات من القرن الماضي وقبل اعدامه بحوالي سنتين وفي تقديري وقد اكون مخطئا ان سيد قطب كان عليه بعد ان خرج من السجن ان ينفض يديه نهائيا من المشاركة في اي تنظيمات سرية أو علنية فقد كان من الذكاء والفطنة بحيث يدرك تماما ان عبدالناصر لن يتسامح معه اذا ما وقع في يديه مرة اخرى فقد تسامح عبدالناصر مع سيد قطب في المرة الاولى ولم يكن عبدالناصر بالرجل الذي يمكن ان يتسامح مرتين! ولو ان سيد قطب نفض يديه من التنظيمات السياسية العلنية والسرية وانصرف الى عمله الفكري وحده لكان قد خدم نفسه وخدم امته خدمات تفوق ألف مرة مئات التنظيمات المختلفة مهما كانت قيمة هذه التنظيمات وكان باستطاعة سيد قطب في هذه الحالة ان يقدم الى الاجيال المختلفة من العرب والمسلمين كنوزا فكرية مؤثرة ونافعة وباقية على مر الايام ولكن سيد قطب عاد بعد خروجه من السجن الى نوع من التطرف اعتقد انه لم يكن يليق به ولم يكن من الحكمة ابدا ان يقع فيه مثل هذا الرجل العبقري النابغ وانا من الذين يندهشون جدا عندما اسمع أو اقرأ ان مفكرا كبيرا قد انتمى الى تنظيم سري ذلك لان الفكر بطبيعته علني ولا غنى للمفكر الكبير عن جمهور يتحدث اليه ويحاول التأثير عليه فكيف يقبل المفكر الكبير ان يكون ضمن تنظيم سري يتناقض تماما مع طبيعته مع تفكيره العلني؟ان مثل هذا الموقف ليس من الحكمة في شيء كما انه موقف لا ينفع وانما يضر والضرر هنا لا يقع على المفكر وحده وانما يقع على رسالته وقدرته وامكانياته لانه بذلك انما يترك ساحة التأثير الفكري الواسعة ليدخل في صراع غير متكافئ مع السلطة السياسية القادرة على تعطيله وسحقه لقد تطرف سيد قطب وانتمى الى تنظيم سري يقال انه كان تنظيما مسلحا وان الذي ارسل السلاح الى هذا التنظيم هو الشيخ حسن الترابي من السودان والترابي زعيم معروف جدا في السودان ولكن المشهور عنه انه لم ينجح في حياته ابدا الا في خلق المشكلات المعقدة لنفسه ولانصاره ومشكلة سيد قطب واحدة منها بل هي واحدة من اسوأ هذه المشكلات التي ساهم الترابي في خلقها التطرف اذن هو سبب اساسي من اسباب مأساة سيد قطب وقد كان هذا المفكر الكبير النابغ في غنى عن التطرف ولكن هذا هو ما حدث والله اعلم.