إحسان بكر
&
بقبول العراق بالقرار‏1441‏ بلا شروط‏..‏ وبالموقف السوري داخل مجلس الأمن بعد تلقيها تطمينات أمريكية روسية وفرنسية كي لا تقوم أمريكا بأية ضربة ضد العراق مستخدمة قرار المجلس‏..‏ يمكن أن نقول إن شبح المواجهة العسكرية قد ابتعد قليلا وأن الحرب مؤجلة لكنها لم تلغ تماما‏.‏
والعراق بقبول قرار مجلس الأمن قد أحبط خطط الولايات المتحدة لشن حرب عليه‏,‏ لكن أنباء واشنطن تقول ان الرئيس جورج بوش قد اختار بالفعل خطة الحرب القادمة‏..‏ وإذا كانت هناك عواصم معارضة للحرب فسرت قرار مجلس الأمن رقم‏1441‏ بأنه فرصة لتجنب الحرب‏,‏ والتركيز علي عمليات التفتيش وصولا الي نزع الأسلحة المحظورة التي يفترض ان العراق أخفاها‏,‏ الا ان الرئيس الأمريكي لم يضيع الوقت‏,‏ فبعد التصويت علي القرار‏1441‏ أعلن بوضوح ان هذا القرار الدولي لن يقيد يديه‏,‏ ولا يفرض عليه شروطا وانه ماض في تحضير مسرح العمليات للحرب القادمة لا محالة‏.‏ وفي ذات الوقت صرح وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بأه يشكك في جدوي عمليات التفتيش التي ستقوم بها الأمم المتحدة لإزالة ماسماه أسلحة الدمار الشامل العراقية وأكد أن الجهاز العسكري الأمريكي قادر تماما علي إزالة هذه الأسلحة والاطاحة بالنظام العراقي‏.‏
قد يجوز القول إن التصويت السوري علي القرار الجديد لمجلس الأمن قد فاجأ الكثيرين من المتابعين للسياسة السورية والتزامها بالأمن القومي العربي‏.‏ لكن علي الجانب الآخر فإن التصويت السوري وصدور القرار بالاجماع كان بمثابة قرار حكيم جنب العراق مخاطر حرب قادمة لا محالة‏.‏
سألت الدكتور عدنان عمران وزير الإعلام السوري والدبلوماسي المخضرم الخبير بخفايا السياسة الدولية عن حكمة القرار السوري ولماذا لم تمتنع سوريا مثلا عن التصويت داخل مجلس الأمن إذا علمنا ان ضرب العراق قادم لا محالة
قال بداية أقرر أننا في سوريا نمارس سياستنا وفقا لثوابت وطنية وقومية لم نتردد يوما في حمايتها والدفاع عنها بلا مواربة‏.‏ لقد أضاف الدور المتميز والواضح الي رصيد السياسة الخارجية السورية مايعزز دور سوريا العربي والاقليمي لدي الرأي العام ومايسهم في تصعيد هذا الدور لدي هيئة الأمم المتحدة التي اصبحت في أمس الحاجة الي من يعيد إليها دورها وهيبتها وحضورها وإسهامها الفعال في حل النزاعات الدولية وفي المقدمة السلام في منطقة الشرق الأوسط‏.‏
والموقف يمكن تلخيصه الآن علي لسان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية السوري فاروق الشرع فاتصالات مكثفة قد بدأت بالفعل لاشراك مفتشين عرب في فرق التفتيش الدولية في العراق بهدف منع هذه الفرق من استفزاز الحكومة العراقية‏.‏ وان الحكومة السورية قد تلقت بالفعل تطمينات وتعهدات أمريكية وروسية وفرنسية تعتبرها كافية لكي لا تقوم الولايات المتحدة بأية ضربة للعراق مستخدمة قرار مجلس الأمن‏.‏ وعلي حد قول السيد فاروق الشرع‏,‏ فان الولايات المتحدة تستطيع ضرب العراق من خارج قرار مجلس الأمن‏,‏ لكنها ستقابل بإدانة دولية وسيكون لسوريا موقف آخر إذا جرت تصرفات خارج الشرعية الدولية‏.‏
وأخيرا فإن الدبلوماسية السورية تعتبر أن تبني القرار‏1441‏ هو منعطف مهم في العلاقات الدولية والعربية‏..‏ بل وكان مناسبة لتضامن العرب حول موقف موحد‏..‏ ودوليا لم تعد الولايات المتحدة تقود العالم من دون استشارة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن‏.‏
الدبلوماسية السورية لعبت دورها داخل مجلس الأمن وخارجه حتي حصلت علي تأكيدات من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن بأنه لا يوجد في القرار الأمريكي البريطاني الذي أصدره المجلس مايمكن ان يفسر باستخدام القوة ضد العراق‏,‏ كما انه لاتوجد فقرة يمكن ان نفسر بأنها تعني شن حرب علي العراق‏.‏
إن سوريا لم تعقد صفقة مع الولايات المتحدة بالتصويت علي قرار مجلس الأمن مقابل مصالح ذاتية‏.‏ فعلي الرغم من تحفظات سوريا علي السياسة الأمريكية تجاه العراق وورفضها توجيه أي ضربة أمريكية ضد العراق‏,‏ فإن سوريا صوتت علي القرار الجديد‏,‏ لأنها تدرك أهمية تعاونها مع القوة العظمي الوحيدة ـ أي الولايات المتحدة‏.‏
ولعل صانع القرار في سوريا قد اتبع نفس نهح الرئيس الراحل حافظ الأسد ـ والذي تحتفل سوريا هذه الأيام بالذكري الثانية والثلاثين للحركة التصحيحية التي قادها ـ لقد كانت فاعلية الرئيس حافظ الأسد تكمن في إدراكه لحجم بلده وحدود إمكاناته في ميزان القوي العالمي‏.‏ ولذلك فإنه رسم دبلوماسية محددة تؤكد مباديء سوريا ونهجها القومي والتزاماتها العربية مع خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها وهي معروفة من الجميع‏.‏
والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد دخل عملية السلام وكان يدرك متطلبات هذا السلام ووصلت دمشق بالفعل الي اتفاقات مع إسرائيل تحقق الانسحاب الكامل من الجولان لكن إسرائيل تراجعت‏.‏ والرئيس السوري بشار الأسد يسير علي نفس منهاج والده‏..‏ سياسة واقعية تصون ولا تفرط‏.‏ وبالفعل اثبتت السياسة السورية قدرتها علي تحقيق مصالحها الوطنية‏.‏
لقد اختار العرب طريق التفاوض والسلام بينما اختارت أمريكا طريق الحرب ضد العراق فالمسئولون في الإدارة الأمريكية أعلنوا أن واشنطن لن تتهاون مع العراق في شأن التفتيش عن الأسلحة بموجب القرار الجديد‏,‏ وان أي انتهاك سيواجه بقوة عسكرية كاسحة بموافقة مجلس الأمن أو من دون موافقته‏.‏
بعد ساعات من صدور القرار الدولي أكد البيت الأبيض ان الرئيس بوش وافق أخيرا علي خطة حربية تركز علي الاستيلاء أولا علي أجزاء من العراق في ضربات سريعة للحصول علي موطيء قدم يمكن من دفع نحو‏200‏ ألف جندي أو أكثر للمشاركة في الهجوم‏.‏ وأعلن الناطق الرسمي ان واشنطن لا تحتاج الي تصريح من الأمم المتحدة للتحرك ضد العراق إذا اقتضي الأمر‏.‏ واستبعد المسئولون الأمريكيون أن يبدأ أي هجوم علي العراق قبل بداية العام الجديد وانه من المحتمل ان تكون مدة المهلة الجوية علي العراق أقصر من تلك التي سبقت حرب الخليج عام‏1991.‏
سواء قبل العراق قرار مجلس الأمن بعودة المفتشين لنزع ماسموه أسلحة الدمار الشامل أم لم يقبل فإن الحرب قادمة ولأسباب كثيرة‏..‏ وفي اعتقادي ان النظام في بغداد لم يكن في حاجة أبدا الي دعوة المجلس الوطني العراقي ـ البرلمان ـ للانعقاد ومناقشة الموقف ثم يخرج البرلمان بإعلانه قراره برفض قرار مجلس الأمن
ثم أخيرا يأتي الرئيس العراقي صدام حسين ليصدر تعليماته لمندوبه في الامم المتحدة باعلان قبول العراق للقرار بلا أي شروط‏.‏ كنا نأمل في عدم اجراء مثل هذه التمثيلية من الاساس فالقاصي والدا ني يعلم من هو الذي بيده الامور في العراق ولم يكن هناك حاجة لأن يقول النظام في العراق‏,‏ للعالم اجمع إن المجلس الوطني ــ البرلمان ــ والذي يمثل الشعب العراقي كافة هو المتطرف‏,‏ بينما النظام هو المعتدل‏.‏
لم يبق الآن سوي ان يعالج العراقيون الموقف المتأزم والخطير بحس عال من المسئولية‏..‏ فالمسئولية السياسية والوطنية تتطلب من بغداد مواقف هادئة عاقلة تبعد شبح الحرب‏.‏ والمناخ السياسي الذي صاحب قرار مجلس الامن والقرار الجماعي لوزراء الخارجية العرب تتطلب منا جميعا ان نقطع الطريق علي اعداء الامة واعداء العراق‏.‏ (عن "عُمان" العمانية)