يحي أبوزكريا
&
كان للتصريح الذي أدلى به الرئيس الفرنسي جاك شيراك في الرباط في وقت سابق حول ضرورة أن تعود الصحراء الغربيّة الى المغرب وأحقيّة المغرب في الصحراء الغربيّة وقع كبير على جبهة البوليساريو التي نددّت في الجزائر بهذا التصريح معتبرة ايّاه تدخلّا فرنسيّا سافرا في قضيّة الصحراء الغربيّة وانحيازّا كاملا للمغرب . ويندرج تصريح الرئيس الفرنسي في سيّاق حصول توافق أمريكي - فرنسي بشأن حلحلة القضيّة الصحراويّة وهو ما يعرف بالحلّ الثالث القاضي بمنح جبهة البوليساريو حكما ذاتيّا في مناطقها فيما تتولىّ المغرب الاشراف على وزارات السيّادة بما في ذلك رسم السياسة العامة للصحراء الغربيّة , وعلى هذا الأساس بدأت الرباط تتحرّك حيث أخذت تسّتعد لاعطاء صلاحيّات واسعة للمناطق الصحراويّة , وقد دعا العاهل المغربي محمّد السادس الى تنظيم حوار شامل حول اعطاء الأقاليم الصحراويّة صلاحيّات واسعة وذلك في ضوء الحل السياسي الأمريكي الذي قدمّه جميس بيكر المشرف على ملف الصحراء الغربيّة . وفي ظلّ التوافق الأمريكي - الفرنسي حول أليّة الحل في الصحراء الغربيّة فانّ الخناق السيّاسي بدأ يلتّف حول جبهة البوليساريو التي اتهمّت الرئيس الفرنسي جاك شيراك بانتهاك الشرعية الدوليّة لدى تصريحه بتبعيّة الصحراء الغربيّة للمغرب . وحتى الجزائر التي رعت تأسيس جبهة البوليساريو وتقديم الدعم المالي والسياسي واللوجستي لها بدأ تأييدها المطلق يتراجع لجبهة البوليساريو . والجزائر التي قدمّت صكّا على بياض لواشنطن في حربها ضدّ الارهاب لا يمكنها أن تقف في وجه الخيّار الأمريكي القاضي بتطبيق الحلّ الثالث , مقابل الحل الجزائري القاضي سابقا باستقلال منطقة الصحراء الغربيّة , والحل المغربي القاضي ببسط السيطرة الكاملة على المناطق الصحراويّة , وكانت الرباط ترفض جملة وتفصيلا الحديث عن أي حقّ لجبهة البوليساريو , وقد منعت السلطات المغربيّة في وقت سابق في شهر تشرين الثاني - نوفمبر رئيسة مؤسسة فرنسا للحريّات دانيال ميتيران أرملة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران من دخول أراضي الصحراء الغربيّة ورفضت تنقلّها على متن رحلة الى العاصمة& الصحراويّة العيون . وتجدر الاشارة الى أنهّ قبل طرح الحلّ الثالث لحلحلة أزمة الصحراء الغربيّة كانت جمعية الأمم المتحدة تطالب باجراء استفتاء عام في مناطق الصحراء الغربيّة حول الانضمام أو الانفصال عن المغرب , غير أنّ الاتصّالات المغربية المكثفّة بعواصم القرار وتحديدا واشنطن وباريس أفضت الى تبنّي واشنطن لمشروع الحلّ الثالث . ولم يبق لجبهة البوليساريو غير الجزائر حيث مازالت هذه الجبهة تتخّذ من منطقة تندوف الجزائريّة قاعدة عسكريّة وسياسيّة لها . غير أنّ الجزائر التي أخذت في المدة الأخيرة تقنع واشنطن بضرورة تقديم مساعدات لها وتحثّ الشركات الأمريكية بالدخول الى الجزائر قد لا تصمد طويلا في تبنيّ خيّار الانفصال . أمّا جبهة البوليساريو فترى أنّ الخيّار الثالث سيفضي الى عودتها الى الكفاح المسلّح وتكثيف الحرب ضدّ القوّات المغربية المرابطة في مناطق الصحراء الغربيّة. ورغم أنّ الرباط أوفدت وزير داخليتها ادريس جتّو الى الجزائر للاحتكاك بالمسؤولين الجزائريين والتقرّب منهم في محاولة لمعرفة وجهة نظر الجزائر عن قرب الاّ أنّ المسافة مازالت بعيدة بين الجزائر والرباط والتي انعكست على غلق حدود البلدين وتراجع العلاقات السياسيّة والاقتصاديّة بينهما& . ويرى متابعون لملف الصحراء الغربيّة في الجزائر أنّ واشنطن مادامت قد أمسكت بالملف الصحراوي وبدأت تفرض مايسمى بالحلّ الثالث فانّ الأمور في الصحراء الغربيّة ستؤول الى ما تريده واشنطن خصوصا في ظلّ العصر الأمريكي الراهن . ويرى هؤلاء المتابعون للملّف الصحراوي أنّ جبهة البوليساريو لا تستطيع أن تحسم الموقف عسكريّا لصالحها , خصوصا وأنّ الجزائر التي دعمت جبهة البوليساريو عسكريّا في أوقات سابقة لم يعد في وسعها اليوم مواصلة هذا الدعم العسكري , ومن جهة أخرى فانّ هذا التوافق بين باريس وواشنطن بشأن الحلّ الثالث سوف يضعف الموقف الجزائري الداعي الى اقامة دولة مستقلة للصحراويين , كما يضعف جبهة البوليساريو التي أصبحت مستاءة من توجّه المؤسسات الدوليّة وعلى رأسها جمعية الأمم المتحدّة الى تبنيّ خيار الحلّ الثالث . وهذه التراجعات جعلت العديد من القادة الصحراويين ينضمّون الى المغرب وأعلنوا صراحة من الرباط أنّ الصحراء الغربيّة مغربيّة . وحسب المراقبين في الجزائر فانّ انحسار الدور الدولي والاقليمي للجزائر بسبب الفتنة الداخليّة في الجزائر انعكس سلبا على جبهة البوليساريو التي ربطت نفسها قلبا وقالبا بالجزائر . ولا شكّ أنّ واشنطن اذا استطاعت أن تفرض الحل الثالث في الصحراء الغربيّة فانّ جبهة البوليساريو قد لا تكون صاحبة الحظّ في ادارة مناطق الحكم الذاتي في الصحراء الغربيّة باعتبار أنّ قادتها يرفعون شعار الدولة الصحراويّة أو الموت , غير أنّ الرباط ستستعين بقادة جبهة البوليساريو السابقين الذين انشقّوا عن جبهة البوليساريو وانضمّوا الى المغرب . و الجزائر التي تمّ تعيينها كدولة ملاحظة في اجتماعات هيوستن التي انعقدت بين الطرف المغربي والصحراوي تبدي مؤسساتها الديبلوماسيّة استياءا خفيّا من خروج اللعبة من يد الأمم المتحدة الى يد واشنطن التي أملت مشروع الحل الثالث الذي سيجعل نهاية للمشروع الجزائري في الصحراء الغربيّة , و مشروع جبهة البوليساريو التي تأسسّت قبل ربع قرن ولم تر بعد حلم الدولة الصحراويّة المستقلّة يتحققّ في الأراضي الصحراويّة الفاصلة جغرافيّا وسياسيّا بين المغرب والجزائر!