لندن- ايلاف: قبل سنوات عشر اقصى البرلمان الاردني المنتخب ديموقراطيا عن القرار مروان القاسم وكان احد اهم رجالات الملك الراحل الحسين بن طلال فهو كان وزير خارجيته ورئيس
عوض الله دائما في ظل الملك
ديوانه ونائب رئيس وزرائه ومبعوثه الى عواصم القرار وزميل دراسته. والسبب الذي لم يجعل الملك الراحل يرفض قرار البرلمان الشرعي هو ان مروان القاسم كان يحمل جنسية اخرى هي الجنسية الاميركية الى جانب الاردنية.
فلم تسعف مروان القاسم لا صداقته مع الملك ولا تاريخ والده العسكري المحترف صدقي القاسم في عهد مؤسس المملكة هذه الاسباب فطار من الموقع متقاعدا حتى انه حرم من منصب عضوية مجلس الاعيان الذي يعتبر في العادة مجلس الملك كشق ثان من الحال التشريعية المتكاملة في مجلس الامة الاردني التي كفلها الدستور.
الكلام منذ ثلاث سنين عددا اردنيا يدور حول وزير طرأ على الساحة الاردنية من خارج السماء الازرق (حسب التعبير الانجليزي) فهو في القصر الملكي تارة موظفا كبيرا ومن ثم وزيرا يذهب عديد الوزراء ولكنه يبقى مع أي رئيس.
فالدكتور باسم عوض الله لم يغادر الوزارة من بعد ان كان مستشارا في القصر الملكي لشؤون الاقتصاد منذ اقصاء عبد الرؤوف الروابدة، فجاء في وزارة المهندس علي ابو الراغب وعدلت الوزارة مرات اربع وذهب وزراء كثيرون وجاء آخرون والباقي الوحيد عوض الله وهو حمل حقيبة وزارة التخطيط في التعديل الاخير.
والذي يلاحظه مراقبون لتطورات الأوضاع على الساحة الاردنية انه ما من لجنة ملكية او رسمية او شعبية تشكل الا وكان الدكتور الثلاثيني العمر عضوا فيها. وآخر لجنة شارك فيه بقرار ملكي كانت اللجنة الوطنية لتأكيد شعار "الاردن اولا".
وهو يشارك ايضا في اللجنة الاقتصادية التي تجتمع من وراء ستار في البحر الميت تحت مسمى (الخلوات البحر الميت) وهو عضو في اللجنة الاقتصادية لمنطقة العقبة الاقتصادية التي يرى الملك عبد الله الثاني انها ستكون بوابة الرفاه في البلاد ويشاركه في ذلك منظرون كثيرون.
ويستغرب المراقبون في تحليلاتهم نقلا عن مجالس اردنية خاصة هو ان الدكتور الوزير عوض الله بدأ عقد جلسات حوار يتحدث فيها عن الحال الاجتماعي داعيا الشعب الاردني الى (تحديد النسل) حيث في الكلام مخالفة دينية واجتماعية واضحة تثير الكثير من القلق لدى اوساط كثيرة، وزاد متهما التيار اللبرالي في البلاد بتضييع ملف الاصلاح السياسي.
وفي تقرير نشرته صحيفة (القدس العربي) على لسان مراسلها في عمان بسام بدارين تقول الآتي:
"يريد الدكتور باسم عوض الله وزير التخطيط الأردني أن يتأكد من أن منحة النفط العراقية ستستمر مستقبلا، ويريد ان يعرف لكي تكتمل بنية التخطيط الإستراتيجي في بلاده مثلا ما إذا كانت الفرصة متاحة مستقبلا لقيام إتحاد جمركي بين إسرائيل وفلسطين او متاحة أمام صدور عملة وطنية فلسطينية؟.
وتضيف "وفوق كل ذلك يهتم عوض الله بسؤال حول إحتمالية تشكل الهلال الخصيب او مجموعة إقتصادية موحدة تضم دول الهلال؟ وكل هذه التساؤلات أساسية بالنسبة للوزير الشاب الذي يقوم بدور سياسي أيضا في عمان خارج نطاق وزارة التخطيط فقط".
والوزير عوض الله ينظر له كرمز للقصر الملكي في وزارة علي أبو الراغب وكمتزعم للتيار الليبرالي الجديد في مؤسسة الحكم ولذلك سجل عدة مفاجآت وهو يتحدث بصراحة أمام نخبة من الإعلاميين السبت الماضي في المنتدي الإعلامي حول أسرار وبعض تفاصيل التخطيط الإستراتيجي.
وهو تجنب القول بأن الحكومة متأكدة من إستمرار الواردات النفطية العراقية في حال وقوع الحرب وإنقطاعها لأي سبب، معتبرا ان المواطن بتوقع من حكومته ان تكون جاهزة لحالة الطواريء النفطية إذا توقف نفط العراق لأي سبب.
وأكثر آراء وزير التخطيط الأردني إثارة ذلك المتعلق بالعلاقة بين التنمية الإقتصادية الحقيقية ونسب التزايد السكانية فقد عبر عن تشاؤم كبير بصعوبة تحقيق أي إنجازات تنموية إقتصادية حقيقية في ظل نسبة النمو السكاني الحالية والبالغة 2.8 بالمائة.
وعوض الله يقول " كل شيء في خططنا وتخطيطنا لا يمكن ان يكون بمعزل عن النمو السكاني فنسبته في بلدنا عالية جدا جدا ولابد من تخفيضها وأي نمو إقتصادي لن يستطيع تحمل زيادة السكان بمعدلاتها الحالية".
وقـال الوزيـر وحسب الدراسات سيتضاعف سكان الأردن تماما عام 2035 وإستمرار نسب تزايد الناس يعني ان الحاجة ملحة لنمو إقتصادي يتجاوز 6 بالمائة لكي يتم إستيعاب الأعداد الجديدة التي تدخل سوق العمل.
واعتبر عوض الله ان هذه المشكلة خطيرة وحسـاسة جـدا ومن أهم التحديات التي تواجه التخطيط الإستراتيجي الأردني، وقال ان من بين الحلول المقترحة قد يكون الدعوة لتنظيم النسل ولا نقول تحديده، وأعتقد ان زيادة السكان هي اكبر تحد يواجه الأردن.
وفي محاولة للالتفاف على موقف لا يحسب ضده في أي حال قال عوض الله "وانا اتحدث عن التزايد الطبيعي وليس السياسي او الناتج عن الهجرات الإجبارية علما بان الحكومة اعلنت بانها لن تقبل ولو مهاجرا واحدا الآن لا من شرقا ولا من غربا، ومسألة تنظيم النسل بحاجة لإجماع وطني عليها".
ويلاحظ ان الحوار الذي نظم برعاية شركة الهواتف الخلوية (فاست لينك) التي لها تسهيلات كبيرة ماليا واستثماريا في الاردن برعاية بعض المتنفذين من الوزراء والقريبين من القصر الملكي فانه تم التركيز علي غياب الجانب الإصلاحي السياسي في الخطاب الحكومي والتركيز علي الإصلاح السياسي.
فقد إتهم الصحافي رمضان الرواشدة ، حسب صحيفة القدس العربي الوزير عوض الله بصفته رمزا لتيار الليبرالية الجديدة في الحكم بتجاهل حقائق الداخل الأردني وقال ان الحكومة تتجاهل التنمية السياسية وتقع بخطأ تاريخي لانها تتحدث عن تنمية إقتصادية بمعزل عن وجود البرلمان، معتبرا ان ما حصل في معان مؤخرا قابل للتكرار وان مستويات التراجع في الحريات العامة باتت خطيرة للغاية رغم وجود طبقة من الليبراليين الجدد في مؤسسات القرار والحكم.
وواجه الصحافي الرواشدة الوزير عوض الله بقوله بصراحة ومكاشفة "ان الوزراء الذين تلقوا العلم في أمريكا يتجاهلون حقائق حاجة الناس للإصلاح السياسي في الأردن"، في اشارة الى تحصيل عوض الله التعليمي ونشأته في اميركا وصولا الى منصب الوزارة في الاردن.
ودافع عوض الله بقوله "لأنني تعلمت في أميركا، فانني اؤمن أكثر من غيري بأن التنمية الحقيقية والفاعلة لا تتحقق بدون حرية رأي ومشاركة فاعلة من هيئات المجتمع المدني".
وهو قال "ان أي شيء حقيقي لا يحصل بمعزل عن الإصلاح السياسي"، متسائلا ماذا كانت الحكومة ستفعل لو أجلت إصدار التشريعات والقوانين لمدة عامين في ظل غياب البرلمان؟ وقال: البرلمان غير موجود فماذا نفعل؟ هل نجلس وننتظر؟ وما اريد ان أقوله انه لولا العديد من القوانين المؤقتة لما صلحت الكثير من أحوالنا الإقتصادية فلولا تعديلات قانون العمل لما حصلنا علي إستثمار مايكروسوفت، ولولا قانون المنافسة لما حصلنا علي مساعدات ألمانية وأميركية.
وطمأن عوض الله الحضور بان القوانين المؤقتة ستعود للبرلمان لكي يقرها وان الإنتخابات ستجري قريبا.
لكن كلام عوض الله لم يعجب الكاتب الصحافي سلطان الحطاب الذي ذكر الوزير والحكومة ان الناس لا يساقون للجنة بالسلاسل معتبرا ان عدم وجود وزارة للتنمية السياسية مسألة مؤسفة وتدلل عن الإصلاح السياسي ليس في أولويات الحكومة ولاحظ الحطاب أن أبوة الدولة الأردنية تزداد رغم وجود ليبرالية جديدة في الحكم أكثر صلابة وبطريقة عجيبة تثبت بان مجمل الحديث عبارة عن أغنية في الحمام.
وطالب الصحافي الحطاب الذي يكتب في جريدة (الرأي) بأحزاب سياسية ونقابـات وبـرلمـان حتي يتحدث الناس بهمومهم.
وما اشار اليه الحطاب تحدث عنه صحافي آخر هو الإسلامي حلمي الأسمر في مداخلة موازية تساءلت عن الأسباب التي تدفع الحكومة لأن تكون متوترة ومنرفزة وفي حالة عصبية غير طبيعية رغم ان البلاد سبق ان مرت بظروف أصعب مـن الظــروف الحالية.
وإستنكر الإسمر التزايد الفاضح في التدخلات الـرسمية والحكـومية بالصحـف والصحافيين وقـال انه وزملاؤه الكتاب لم يعودوا يستطيعون الكتابة بحرية ولو مقال واحد مما يدفعهم للكتابة عن نيكاراغوا.
وتساءل الاسمر ، حسب تقرير صحيفة (القدس العربي) عن أسباب ومبررات كل ذلك وعن مبررات الرقابة المسبقة التي تفرض بالمطابع على الصحف، وقال ان الوزير عوض الله والكثير من زملائه الوزراء يتحدثون كلاما ناعما ويثير الإعجاب ويعرضون خططا طموحة لكنه شخصيا (الأسمر) يعمل منذ 25 عاما صحافيا ولم ير حكومة في حالة عصبية كالحكومة الحالية.
وأخيرا، بدا واضحا خلال الندوة بان ما يمكن ان يقوله عوض الله او نظراؤه من ليبراليي الحكم عن تراجع نغمة الإصلاح السياسي لا يبدو مقنعا وهو ما دفع المتحدث لمطالبة الجميع بالتركيز علي التفاؤل بالمستقبل معتبرا ان شعار الأردن اولا يصلح كمدخل وطني لمعالجة كل مظاهر الخلل في حياتنا الإجتماعية ومصرا علي التذكير بالظروف الصعبة التي يعيشها الآن العالم والمنطقة.
وهنا قال الوزير عوض الله " فلنكن واقعيين، فالزمن الحالي صعب للغاية والضغوط هائلة جدا، وأنا لا أتحدث هنا عن سبتمبر والإنتفاضة فقط بل عن الظروف غير الطبيعية في آخر عامين وعليه يجب ان نحافظ علي نسبة نمو إقتصادي ليست سهلة، وعلينا جميعا أن نؤمن بأن مصلحة الأردن اولا فوق أي مصلحة أخرى".
واضاف "لكن هـذه الظـروف الصعبة ليست مبـررا كافيا لأن المطلوب ليس كثيرا او كبيرا بل ممكنا وكان يحصل عليه الناس أيام الأحكام العرفية"
لكن الوزير عوض الله طالب بان يدافع الليبراليون الجدد في الدولة عن خطابهم ويتدخلوا لإنهـاء الإزدواجية.
ولم يتحدث عوض الله عن الإصلاح السيـاسي معترفا بأهميته ومعترفا ضمنيا بوجود تراجعات سببها الظروف الصعبة، وعليه إستعرض بعض المشاريع الطموحة التي يعتبرها أساسية في تغيير بنيوي في قاعدة المجتمع الأردني وأبرزها مشاريع التنمية في القطاع التربوي والتعليمي حيث ستربط قريبا كل مدارس الحكـومة بنظـام شبكة إلكترونية موحدة وستوضع خطط لحوسبة المناهج وفقا لأحدث الطرق.
وهو قال انه لن يستطيع بعد عشر سنوات تعيين إبن الشوبك (محافظة جنوبية) في وزارة التخطيط إذا لم يكن متمكنا من المهارة الإلكترونية واللغة الإنكليزية، وفي هذه الحالة سيعمل كحارس للوزارة "وعندها نلام لان إبن عمان أصبح وزيـرا بينما إبن الشـوبك حــارسا وهـذا ما نقصده عندما نتحدث عن توزيع مكاسب التنمية وعن تحول إجتماعي وإستثماري وإقتصادي وإداري في المحافظات".
وفي الأخير، فان ملاحظات الوزير عوض الله التي اعتبرها البعض انقلابا على البنية الاجتماعية القائمة السياسية والاجتماعية من الخارج قد تقود مع جملة اسباب متوافرة المناخ الى اصلاح جوهري على تركيب بعض اللجان ان لم يكن حكومة ابوالراغب ذاتها في مستقبل قريب.