د. عزيز الحاج&
&
صرت، مع غيري من المثقفين والساسة العراقيين خارج الوطن، أشعر بجرح عميق يزداد كل يوم عمقا وإيلاما من مواقف الدول العربية حكومات ومثقفين وجماهير من قضيتنا. فما بين السيد عمر موسى، وإلى وعاظ الجوامع، والأكثرية من علماء الدين و"الدعاة "والمثقفين العرب من مسلمين ومسيحيين، ناهيكم عن المواطن البسيط، أصبحوا يعتبرون أنفسهم أوصياء على شعبنا، واعظين مرشدين، ويحذرون، لا من مخاطر بقاء جحيم الاستبداد الدموي الذي يطحنه طحنا، بل من مخاطر مزعومة من زواله، وما سيصيب العراقيين والمنطقة العربية من كوارث كبرى عند ذاك. إن هذه "الرعاية "العربية ـ الإسلامية المفاجئة للشعب العراقي تستمد "الشرعية" عند أصحابها من المزاج العام الذي يكره الولايات المتحدة، وهي الدولة الكبرى التي تبدو عازمة على إزاحة النظام العراقي، بعد أن كانت تعتبر بقاءه في خدمة مصالحها, ساعدته على قهر انتفاضة الشعب في مارس 1991 . ومهما كانت أبعاد التوجه الأمريكي هذا وأهدافه البعيدة، فإن عملية إزاحة النظام عسكريا وبمشاركة وطنية عراقية فعالة تلتقي مرحليا مع مصالح الشعب العراقي الذي تعجز قواه السياسية لوحدها عن إسقاط النظام. وقد تحولت الولايات المتحدة، ولاسيما منذ العمليات الإرهابية الإجرامية في نيويورك وواشنطن [11 سبتمبر ]إلى مشجب لتعليق مآسي العالمين العربي والإسلامي عليه، فهي أم الشرور وهي وحدها المسؤولة عن تدهور أحوال العرب والمسلمين وتداعي سمعتهم في العالم، وتخلفهم الذي فضحه تقرير تنموي مشهور تشر منذ شهور، بما في ذلك الانتشار المروع للأمية، فضلا عن تقزم الدور العربي على الساحة الدولية. وقد أصبح التخويف من أمريكا والتحذير من "تهديداتها للمنطقة "صيحة تجمع هذه الأوساط جميعا، وعلى اختلاف الغايات والاتجاهات الفكرية والسياسية . وكان آخر دعوة من هذه الدعوات ما أصدره فريق كبير من علماء الدين والمثقفات والمثقفين الخليجيين، الذين نشرت جريدة "الحياة اللندنية "بيانا لهم بتاريخ 21 نوفمبر 2002 . ومع كل الاحترام للسيدات والسادة الموقعين على الوثيقة المذكورة فإنني، وكمثقف وطني عراقي، أسمح لنفسي بالملاحظات التالية على البيان :
إن البيان يركز على مخاطر "ضرب العراق "، والحال أن المستهدف هو نظامه وليس البلد او الشعب الذي ستشارك شرائح واسعة من قواه السياسية في أية حملة لإسقاط النظام. صحيح أن البيان ينتقد النظام ببضع عبارات وعلى استحياء شديد، ولكنه يتناسى ما يعانيه العراقيون من المحن بسبب ممارساته وأفعاله. ولا داعي لإعادة التذكير بما صار معروفا في العالم كله من حملات قتل وتشريد وتهجير وتفنن في أساليب القمع في العقد الماضي خصوصا. ويتناسى البيان ما عانته المنطقة والجيران من عدوانية النظام وما تشكله أسلحته المحرمة من أخطارعلى الجميع . فهل لاتهم سادتنا الأفاضل معاناة شعب الاثنين والعشرين مليونا، وبلده الذي هو أحد أكبر الأقطار العربية ذي الأهمية الخاصة، هذا البلد الذي تحول، وهو الغني بالموارد البشرية والطبيعية، إلى بلد هو اليوم في الدرجات الدنيا من سلم التنمية ومستوى معيشة الفرد في العالم .&إن بقاء النظام يعني استمرار المعاناة العراقية، بما فيها مخاطر حروب خارجية وداخلية جديدة، كما يعني استمرار المخاطر على جيران العراق. وما أحسن ما يكتبه المفكر العربي مأمون فندي في جريدة"الشرق الأوسط" إذ يكتب أن موت النظام "يعني حياة الجسد العراقي، وبقاء هذا السرطان يعني القضاء على العراق. يخاف العرب من تفكك العراق إلى دويلات شيعية وكردية وسنية، ويفضلون بدلا من ذلك موت العراق الكامل ببقاء هذا السرطان الذي ينخر فيه . نعم أعرف تبعات هذا التغيير، وأعرف أيضا كيف نتحسب له . "[ عدد 19آب 2002 ]. وأستدرك لأقول إن ما يروجون له عن تفتيت العراق لدويلات ما هو غير خرافة مبتذلة تشاع لتبريبر استمرار النظام . وكما يقول فندي نفسه أيضا فإذا كنا وحدنا عاجزين عن التخلص من السرطان، فلماذا نرفض الاستعانة بالمستشفيات الأمريكية إذا كانت جادة حقا على استئصال السرطان ؟! لقد كنت شخصيا من بين قلة من المثقفين العراقيين الذين دعوا قيادة النظام علنا بعد حرب الخليج الثانية للاتعاظ والانفتاح على الشعب وقواه الوطنية وإطلاق الحريات والسير نحو التعددية تدريجيا. وظللت أدعو للوفاق والمصالحة الوطنيين حتى عام 1994، فإذا بتمنياتي وتمنيات القلة سواي مجرد أوهام ومحض خيال. فقد برعن النظام على إصراره على المكابرة والخطأ، معتبرا غزو الكويت فرضا قوميا تاريخيا والهزيمة "أم المعارك "ومهددا من وقت لآخر بالتراجع عن الاعتراف بالحدود مع الكويت، ومراوغا في تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بأسلحة الدمار الشامل، ورافضا القرار 688 عن حقوق الإنسان والحريات . وبدلا من ذلك ابتكر أساليب همجية جديدة في تعذيب وقتل الرجال والنساء وتشويههم [كالوشم على الجباه، وبتر الأذن، وقطع الرأس بسيف وزنه أربعون كيلوا في الشوارع وفي وضح النهار]. وعندما كنت أسمع من أصدقاء على اطلاع دقيق بان المواطن العراقي في الداخل صار يقبل بأي تغيير للنظام وأيا كانت الجهة القائمة بذلك كنت أعتبر الرواية مبالغا فيها، فإذا بها هي الحقيقة. . وكان النقد الصارم الرئيس من العراقيين نحو أمريكا قبل أحداث 11 سبتمبر هو استمرارها في سياسة الاحتواء ورفض العمل لتغيير النظام .
&وأما عن التباكي على" سيادة العراق"، فمعلوم أن العراق هو تحت الوصاية الدولية منذ غزو الكويت، وإن لفرق التفتيش [ومنذ صدور القرار 687] الصلاحية في تفتيش أي موضع من العراق والتحقيق مع أية شخصية عراقية عسكرية او مدنية . وأما ما يقال عن كوارث "الحصار "، فالحقيقة انه لم يعد هناك حصار منذ سنوات، وإنما هناك عقوبات مالية وعسكرية، وقد زال الحظر الاقتصادي منذ 1996 ما عدا على المواد العسكرية وما يمكن استخدامه عسكريا . غيرأن تصرفات النظام مع أموال "النفط مقابل الغذاء "[ فضلا عن عائدات النفط المهرب، ] تتميز بعدم المسؤولية نحو صحة العراقيين وطعامهم وتعليم أطفالهم. ومن ذلك بناء القصور المترفة، ومواصلة التسلح وشراء الحكومات والأبواق السياسية والإعلامية . وفي 19 كانون الثاني من العام المنصرم صرح بينون سيغان،& مسؤول الأمم المتحدة عن برنامج "النفط مقابل الغذاء" :" رغم كل المخاوف التي أبديت في ما يتعلق بالوضع الغذائي والصحي للشعب العراقي "فإن قيمة الطلبات العراقية لقطاع الصحة بلغت 6، 83 فقط بينما أن المبلغ المسموح به يصل إلى 624 مليون دولار . وقال سيفان عن طلبات التعليم 58، 21 مليون من أصل 651 مليون دولارا ونصف المليون . وفي قطاع الصرف الصحي قدمت الحكومة طلبات بمبلغ 186 مليون دولار من أصل 551 مليون . وهكذا دواليك !&&&&&&&
إن البيان السلفي يستشهد بحيث نبوي يدين المسلم الذي يخذل مسلما آخر تعرض لانتهاك واضطهاد . فهل الشعب العراقي، وأكثريته مسلمون، يستحق أن يُنصر أم أن يُخذل كما هو حال بقية العرب مع شعبنا ؟! أم أن المسلمين الحقيقيين في العراق هم حكامه وحدهم، ولذلك ينصره مشايخنا والأكاديميون الأفاضل ؟!
أكيد أن أصحاب البيان على علم بكل ما يجري للعراقيين :فإما أن شعبنا قد أجرم بحق الآخرين فحق خذلانه ونصرة حكامه، وإما أن القضية هي أبعد من العراق وما العراق غير عكازة وستارة !
إنني أرى أن البيان يريد صرف النظر عن حقيقة أسباب وعوامل تدهور أوضاع العرب اليوم وهم يكادون يعيشون خارج العصر وخارج التاريخ . إن البيان يتجنب عامدا تشخيص التهديدات الحقيقية للشعوب العربية والإسلامية، ومكانتها ومستقبلها في عالم سريع التطور ولا يرحم المتسكعين على أبواب الماضي وحده المنغلقين عن عالم اليوم. إن المآسي التي تعيشها هذه الشعوب هي نتيجة التخلف الحضاري والفساد الحكومي والاستبداد بأشكاله السياسية والفكرية والدينية، ولكل منها منظرون ودعاة يصرخون ويندبون. إننا نعيش خارج العصر وإلا لما أصبح طغاة السلطة وزعماء الإرهاب الإسلامي هم أبطال الشارع المحبط والعاجز عن كل رؤية . إننا لا نفتأ نردد ما فعله المستعمرون ببلداننا في الماضي، ونظل نربي الجيل الناشئ على الحقد والكراهية . ولكن ماذا فعل الحكام والنخب الفكرية والدينية بالاستقلال من بعد رحيل الاستعمار ؟ فمثلا، ماذا فعلت الجزائر المستقلة بنفسها إذ أصبحت حمامات دم على أيدي من يحملون القرآن بيد والخنجر باليد الأخرى ! وكيف يثير أصحاب البيان [وأمثالهم كثيرون ] ضجة مفتعلة عن "عداء "أمريكا والغرب للإسلام والتآمر عليه "مع أن الذين ألحقوا أفدح الأضرار بالمسلمين والعرب هم الجماعات الإسلامية المتشددة ولاسيما شبكات القاعدة والمرتبطين بها؟ألم تلحق جرائم 11 سبتمبر أضرارا بليغة بسمعة العرب وأمنهم وبسمعة الإسلام ؟ولماذا توجيه الأنظار لأمريكا بدلا من جرائم الإرهاب المتتابعة والمستمرة على أيدي عرب ومسلمين، من حرق الكنائس المسيحية، وإلى مهاجمة المعابد الهندوسية، وذبح السياح، وقصف معابد اليهود في تونس، وقتل العشرات في مرقص بالي، ومسرح موسكو، وغيرها من جرائم يومية في كل القارات لم نجد حرف إدانة واضحة واحدة لها في البيان العتيد! وباستثناء دعوة باهتة جدا لعدم ممارسة الشباب للعنف، فثمة صمت يلفت النظر عن الموجة الظلامية العنفية التي أصبحت هي المترجم الأوحد لهوية العرب والمسلمين أمام بقية الشعوب. يقول الأستاذ الكويتي أحمد الربعي:
&" عندما قام أسامة بن لادن بفعلته في نيويورك وواشنطن كان يتحدث عن إيذاء أمريكا، فكانت النتيجة عملية إيذاء منظمة للعرب والمسلمين ولسمعتهم . فبعد أن افتتح الرئيس السابق بيل كلينتون المصلى رقم 2000 في الولايات المتحدة، وأصبحت دعوة الإفطار الرمضاني تقليدا في البيت الأبيض، وبدأ الإسلام يشكل رقما مهما في المعادلة السياسية الأمريكية، جاءت جريمة 11 سبتمبر لتعيد كل شئ إلى نقطة الصفر، فتحول الإسلام في نظر الكثيرين إلى دين للإرهاب، وغابت كل صورة مشرقة وجميلة لتحل محلها صور الموت والقتل والتدمير.& كل هذا العبث يتم بأيدي أبناء جلدتنا. ومع كل ذلك فإن الكثيرين منا يرفضون النظر إلى مرآة أنفسهم ليعالجوا عيوبهم، بل يستمرون في تعليق كل خيباتنا على مشجب الى آخرين . "[ الشرق الأوسط، عدد 4 نوفمبر 2002 ].& ترى من يحارب دين الآخر؟هو الغرب وخصوصا أمريكا، أم هؤلاء الدعاة الإسلاميون المتشددون الذين يعتبرون اليهود والنصارى والهندوس وغيرهم كفارا ثم يضيفون كل المجتمعات الإسلامية غير السائرة على فكر التعصب والتحجر والموت، استرشادا ب"معالم طريق" المرحوم سيد قطب. و إن مشايخ الجزائر يصدرون الفتاوى عن جواز قتل أطفال من يلجأ إليهم "الكفار " ـ و"الكفار"مسلمون مثلهم ! كيف أصبحت الثقافة السائدة ثقافة كراهية وحقد وعنف، ثقافة المغني شعبان وقناة "الجزيرة "، والانشغال بالشكليات والفروع الفرعية؟هل أمريكا هي التي تلام إذا كان مشايخنا المبجلون يفرضون رقابة استبدادية على الأعمال الإبداعية في وقت تقفز فيه الثورة العلمية ـ التكنولوجية في الغرب وحيث تقدس حرية المعتقد والتعبير؟وهل ليس من المهزلة حقا أن يتبارى هذا "الأمير"الإسلامي أو ذاك للمساجلة حول طراز اللبس، ومخاطر مصافحة المرأة، وما تثيره لعبة"باربي" من غرائز جنسية، وما يرمز له الخيار والطماطم جنسيا، وحول عدم جواز شغل مقعد كانت تجلس عليه امرأة إلا بعد مرور وقت كاف خوفا من انتقال حرارة المرأة لجسم الرجل فتثار غرائزه الجنسية؟كم من كراريس وكتب تصدر وتنتشر عن الحيض والوضوء وأنواع الجن، بينما يجري تفسيق أو تكفير العديد من روائع الفكر والأدب العربيين الكلاسيكيين، الدعوة لإتلاف "ألف ليلة وليلة "! وقد قرأت مجلدا كاملا بأقلام العديد من الدعاة والكتاب السعوديين في التهجم على الشاعر السعودي الدكتور غازي القصيبي بتهمة التبشير بالإباحية والتشكيك في المقدسات، ولأنه دافع عن الشاعر نزار قباني. وأسأل لماذا هذا الهوس الجنسي المبرقع بالحرص على العفة و الفضيلة؟! ولماذا النظرة الدونية للمرأة وهضم حقوقها ؟وآخر قفزة تاريخية في تطور الفكر الإسلامي هذا الجدال الجديد بين علماء الأزهر حول دهان الوجه في رمضان :هل يحق للمراة الصائمة ان تدهن وجهها حتى من أجل زوجها أم لا يجوز ذلك ! !
ومن المشروع أن نسأل من أصحاب البيان : يا ترىكم منهم قد أدانوا جرائم الطالبان تجاه النساء، أو نسفهم لتماثيل بوذا؟كم منهم يدين بصراحة ووضوح دعوات "القاعدة "لقتل كل أمريكي؟وهل نضع أنفسنا محل الأمريكي البسيط وهو يسمع من قناة "الجزيرة "دعوة زعماء "القاعدة "لقتل كل أمريكي، وما هو رد فعله التلقائي ؟أجل في أمريكا وفي الغرب تيارات يمينية وعنصرية ودينية متعصبة، ولكنها تدان بقوة من جانب الرأي العام والحكومات الغربية، فهي لا تمثل سياسة أمريكا وأوروبا. كما أن لأمريكا أخطاءها السياسية الفادحة سابقا ولاحقا، وليس من أقلها سوءا وضررا تشجيع التطرف الإسلامي منذ أواخر تسعينات القرن الماضي لاستخدامه لمواجهة السوفيت والشيوعية . وإن إسرائيل تغاضت في الثمانينات عن نشاط "حماس " لإضعاف عرفات. وقد استغل مثقفونا ودعاتنا تعبير بوش "حرب صليبية "لإثارة زوبعة في الشارعين العربي والإسلامي بحجة أن العبارة تعني حربا أمريكية على المسلمين، والحال أن التعبير شائع في القاموس السياسي لمختلف التيارات بمعنى الحملة العنيفة والضارية. وكنا أيام العمل السري في العراق نقول مثلا :"إن الحكومة تحارب الشعب حربا صليبية "دون أن يخطر على البال أي مغزى ديني. وقد أجاد الباحث العراقي الدكتور علاء الدين الظاهر حين كتب في مقال له بتاريخ الثاني من أكتوبر 2001 انه كان على بوش أن لا يعتذر عن عبارته، بل أن يحيل الناقدين إلى قاموس "وبستر" الذي يعطي لكلمة "صليبي " معنى زيادة الحماس والتصميم . وقاموس "المورد "العربي يعطي الكلمة معنى حملة عنيفة ضد مبدأ أو في سبيله.& غيرأن المتصيدين المتشنجين من الدعاة العرب والمسلمين[ومن اتجاهات مختلفة ] اختاروا عن عمد المعنى التاريخي الديني لتبرير حملة الكراهية ضد الهجوم العنيف الذي شنته الإدارة الأمريكية على شبكات إرهابية هدمت وقتلت الآلاف في كبريات مدنها. ورغم كل محاولات بوش لإدانة المتعصبين تجاه الإسلام وتقربه من الجاليات الإسلامية فإن تلك العبارة لا تزال تستخدم في نشر أسطورة محاربة الولايات المتحدة للإسلام، وهو ما يرد أيضا في البيان. إنهم يدينون أمريكا ويعتبرونها العدو الأول. ولكن ألم يذهب "المجاهدون "العرب لأفغانستان لقتال الروس في الثمانينات باتفاق مع أمريكا ؟ألم تدع دول الخليج ومصر وسورية وغيرها الجيوش الأمريكية والأطلسية لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي؟ألم يشترك العرب في تلك الحملة، حتى عندما تجاوزت الحرب نطاق تحرير الكويت إلى هدم بنانا التحتية؟لقد كان الوجود العسكري الأمريكي قائما في منطقة الخليج منذ عقود، ولكنه تكثف وتقوى بعد غزو الكويت. فلماذا تناسي مسؤولية الغزو ؟! والسؤال العادل والمشروع هو :لماذا يحرمون على القوى الوطنية العراقية طلب العون الدولي لإنقاذ الشعب والوطن من المذلة والتدهور وفقدان السيادة والقمع الدموي الشرس، بعد أن خذله العرب حكاما وشعوبا؟وعلى صعيد آخر يجوز السؤال عن أسباب تفضيل النخب العربية إرسال أبنائهم [ قبل 11 سبتمبر ]إلى جامعات إنجلترا والولايات المتحدة ؟ولماذا تفضيل السياحة في لندن وحيث هناك أحياء كاملة لا ترى في شوارعها غير المتحجبات وأصحاب اللحى "الإسلامية "دون أن يعكّر صفوهم أحد؟ونسأل مع الدكتور الظاهر نفسه :ترى هل يفضل المعتقل السياسي في الدول العربية والإسلامية محاكمته في بلده أم في لندن أو نيويورك أو السويد، وهذا السؤال موجه ليس للإسلاميين السلفيين وحدهم بل وأيضا للشيوعيين والقوميين وجميع من يشنون اليوم حملات إعلامية "صليبية" ضد الموقف الأمريكي الحازم من النظام العراقي. بل، وبصرف النظر عن عدم جواز شرعية اعتقال البرغوثي في سجون إسرائيل، ألم يتطوع عنه محامون عرب وفرنسيون ؟ألا يصول ويجول في المحكمة أمام عدسات التلفزيون الإسرائيلي في حين ان المعتقلين في العديد من بلداننا يعتقلون سرا ولا يعرف مصير الكثيرين منهم. وفي العراق، فإن عشرات الآلاف قد أبيدوا في حملات "الأنفال" في كردستان وفي قمع انتفاضة 1991، وفي المعتقلات والسجون. ولا تزال آلاف أخرى مجهولة المصير رغم إطلاق سراح جميع القتلة واللصوص ومغتصبي النساء والأطفال في تظاهرة تضليلية هللت لها بعض الصحف والأقلام والفضائيات العربية .&&
&إن البلدان العربية تعيش مناخا فكريا وسياسيا مريضا، وقد تخلت الأكثرية العظمى من النخب الفكرية عن رسالتها التنويرية ما بين مسايرين للمستبد الحاكم أو للمستبد باسم الدين القادر على التخويف بتحريك الشارع تحت راية مكافحة الكفر أو الإباحية، وما بين مثقفين مشاركين نشيطين في الترويج لثقافة العنف والكراهية وفي مباركة عمليات الإرهاب وتمجيدها .
عنما وقعت هزيمة 5 حزيران 1967 هب مشايخنا والدعاة السائرون معهم للقول بان أسباب الهزيمة هي البعد عن الدين . لقد تناسوا أن طبيعة الأنظمة التي دخلت الحرب وعقليتها وأساليب حكمها المخابراتي، وتضليل دعايته هي السبب الحقيقي، وأن البداية هي في تغيير السياسة والثقافة وتحرير الفكر من القوالب الاستبدادية.& وأصحاب بياننا العتيد يدعون الشعوب العربية إلى "العودة الصادقة إلى الله ـتبارك وتعالى ـولزوم شرعه والتوبة النصوح من جميع الذنوب المعاصي الفردية والجماعية. . "فهل قد تخلت الشعوب العربية عن الإسلام لتعلن "التوبة "؟أم كان المفترض بأصحاب البيان دعوة الشعوب لمحاربة الفساد والطغيان وللعمل من أجل حياة ديمقراطية برلمانية وضمان حقوق الإنسان وكرامته ؟ ولماذا تكون الدعوة لتغيير المناهج التعليمية في العديد من البلدان العربية والإسلامية دعوة لمحاربة الإسلام، مع أن مربين ومفكرين عربا ومسلمين مرموقين دعوا لذلك منذ عقود من السنين، بل منذ زمن الأفغاني ومحمد عبده وقاسم أمين وعبد الله النديم وشميّل وأحمد لطفي السيد وطه حسين وغيرهم من رموز النهضة الحديثة ؟لماذا لا يجب أن تحذف من الكتب المدرسية دعوات تكفير غير المسلمين، والمفاهيم الدونية تجاه المرأة ؟لماذا لا ندين عدم تدريس العلوم الإنسانية في عدد من الدول الإسلامية واستبعاد تدريس ابن رشد وابن خلدون وفولتير ودارون وغيرهم من الأعلام ؟
&وأخيرا، فلابد من ملاحظة الفارق الجوهري بين هذا البيان وبين البيان الناصع والشجاع لمجموعة كبيرة من المثقفين الكويتيين قبل أسابيع داعين لنصرة الشعب العراقي للخلاص من نظامه معلنين كل التضامن معه. وكان بيانا يبرهن على مسؤولية عالية برغم كل ما عاناه شعب الكويت من المحن تحت الاحتلال العراقي. فهل إن العراق هو الشاغل الحقيقي للبيان الجديد المنادي بالويل والثبور، والمطلق لصرخة التخويف من تبديل النظام العراقي، أم إن بعض الأوساط العربية، من سياسيين ومثقفين ومشايخ قلقون من تداعيات قيام الديمقراطية في العراق واحتمال حدوث تحولات سياسية، واجتماعية، وثقافية، وتعليمية، وعلمية في المنطقة لصالح شعوبها وتقدم أوطانها كي تخرج من أقفاص التحجر وتحاول الخلاص من هذا الانهيار العام، حضاريا، واقتصاديا، وسياسيا؟؟
&إن في بلدان الخليج وبقية البلدان العربية مجموعة من المثقفين المتنورين الشجعان، الذين أتمنى أن يزدادوا همة ونشاطا للمساهمة في عملية تنوير عربية عميقة، وأن يواصلوا دعم الشعب العراقي في نضاله العادل لرفع الظلم ولبناء غد أفضل له وللمنطقة وللأمن الدولي.