نضال حمد
&
بانتظار الانتخابات البرلمانية للكنيست الإسرائيلي في شهر شباط فبراير القادم, تتجه أنظار شعبنا الفلسطيني في كل مكان نحو إخوانه الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب في فلسطين التاريخية, حيث كتبت عليهم المواطنة في كيان أقيم على أرضهم واستبدل بلدهم بدولته. فهذا القسم الذي بقي لفترات طويلة منسيا من قبل باقي العرب ومحاصرا ومعزولا من قبل باقي سكان الكيان العبري, وجد نفسه في نهاية المطاف مضطرا لخوض الصراع بشكله المعلوم والمعروف داخل الكيان الذي أقيم لمواطنيه اليهود فقط. فليس في إسرائيل اليهودية مكان لمن ليس يهوديا, ولا تكتمل المساواة بين اليهود والعرب أن صح التعبير, ألا بالموت أو فناء طرف من الأطراف. فالدولة اليهودية المبنية على أساس ديني صرف وتعرف نفسها بأنها بلد اليهود كلهم من يهود الفلاشا في أثيوبيا حتى يهود الأرجنتين في أمريكا الجنوبية. لا تستطيع أن تتعامل مع مواطنيها العرب بطرق أخرى أو وسائل جديدة. فالعرب في النهاية عربا واليهود يهودا وكلاهما نقيض للآخر, على الرغم من اضطرارهم للعيش معا في ظل كيان أبتلع الأرض وصادر المساواة التي كانت& قائمة بين السكان الأصليين والمهاجرين من اليهود الأوروبيين الذين جاءوا إلى فلسطين وأقاموا فيها قبل أن يكتشف أهل الأرض وأبناء البلد من السكان العرب الفلسطينيين مخططات الاستيطان اليهودية في فلسطين الانتدابية. بعد أن اندلعت الحرب وكسبتها إسرائيل الحديثة بفضل تفوقها والدعم والإسناد الذي تلقته من الانتداب البريطاني وكذلك بفضل التخاذل الرسمي العربي الذي تسبب في نهاية الأمر بضياع ما تبقى من فلسطين على دفعتين متتاليتين في النكبة والنكسة. في هكذا أجواء ضاعت البلاد ووجد العباد الذين تمسكوا بأرضهم وبيوتهم أنفسهم في كيان جديد استطاع هزيمتهم وهزيمة أنظمتهم العربية مجتمعة. فكانت الصدمة كبيرة والضربة قوية, لكن رحلة العذاب والكفاح في ظل السلطات الجديدة التي لم تتعامل معهم ألا على أساس انهم زوائد في المجتمع الصهيوني,استمرت بأشكال مختلفة.
&فإسرائيل لا تعترف بالعرب مواطنين مثل أقرانهم اليهود وبنفس الوقت لا تستطيع طردهم من أرضهم. لذا أخذت تضايقهم عبر مصادرة أراضيهم وتهويدها وعبر التضييق عليهم وحصارهم في مجتمعات ريفية مغلقة ومحاصرة بالكيبوتسات الصهيونية من كافة الجهات. ومارست الدولة الجديدة والوليدة على هؤلاء العرب صنوفا جديدة من صنوف التفرقة العنصرية المتطورة, فحاولت ضرب الأسافين بينهم من خلال اعتبارها الدروز أقلية غير عربية وغير إسلامية, وكذلك من خلال استقطاب الدروز والبدو للخدمة في جيش الاحتلال عبر إعطائهم امتيازات نتيجة تلك الخدمة. وأذكر إثناء زيارتي للبلاد سنة 1999 أخذني أقربائي لزيارة مكان يدعى مقام النبي سبلان, كانت المرحومة جدتي فاطمة قد نذرت إذا جاءها ولدا بعد أربعة بنات ولدن تباعا, أن تقيم مولدا له هناك, وهكذا كان عندما ولد خالي محمد أبو ماهر, فقدمت جموع الصفاصفة, نسبة لبلدة الصفصاف التي تقع قرب مدينة صفد على سفح جبل الجرمق, إلى هذا المكان المرتفع والجميل. و إثناء ذهابنا إلى المكان المذكور مررنا ببلدة صغيرة لكنها كانت مميزة بنوعية عمارها الجميل والترتيب على شوارعها مما لفت انتباهي وجعلني أسأل مرافقي عن هذا السر, فأجابني مرافقي بأنه لا يوجد أي سر, فقط عليك أن تخدم في الجيش وتقدم الضحايا فتحصل على مقابل مادي من الدولة, وهذه البلدة أسمها حرفيش وهي& خير مثال على ذلك. طبعا من المؤسف أن يستمر بعض الدروز والبدو في خدمة الاحتلال ضد شعبهم وعلى العقلاء والأمناء منهم أن ينشروا الوعي بين الشباب الدرزي والبدوي من أجل رفض الخدمة. فالاحتلال يريد بهذا استعمالهم ليقتتلوا مع الفلسطينيين وبهذا يضمن سلامة الجنود اليهود وديمومة فتنة العداء بين الدروز والبدو من جهة والفلسطينيين الآخرين من جهة ثانية. وبالمناسبة لا يوجد أبدا ما يبرر خدمة هؤلاء في جيش يرتكب المذابح والمجازر بحق إخوانهم. وليأخذوا العبرة من إخوانهم المسيحيين والمسلمين الآخرين.
نعتقد أنه ليس من السليم مقاطعة الانتخابات البرلمانية, لأنه لا يوجد فائدة من المقاطعة وقد يكون فيها ضرر أكثر من ضرر المشاركة. على العرب أن يثبتوا وجودهم بقوة في الكنيست& والعمل من أجل وحدة الأصوات العربية التي قد تكون مؤثرة في حياة الدولة والمجتمع. ومن الطبيعي أن ينتخب العرب مرشيحهم من أصحاب المواقف المبدئية, الوطنية والقومية. ونحن نرى في وحدة وتحالف القوى العربية الفاعلة مثل التجمع والجبهة والحركة الإسلامية ضرورة وطنية ملحة تؤكدها المصلحة الوطنية والقومية العليا. وذلك من أجل لم شمل القوى العربية الفاعلة وتجميع الأصوات العربية في الانتخابات لما فيه مصلحة المواطن والجماعة. إن مشاركة العرب وبكثافة في الانتخابات القادمة يعتبر واجبا شرعيا وضروريا من أجل المحافظة على مكتسبات الجماهير العربية وتعزيزها وتطويرها لما فيه خدمة ومصلحة تلك الجماهير, خاصة في هذا الوضع الذي تتجه فيه السياسة الحكومية نحو المزيد من العداء للجماهير العربية, كما تبرز بوضوح عنصرية المجتمع الإسرائيلي اتجاه العرب. والذي حصل من اعتداءات على العرب في الكيان ليس إلا دليل ساطع على تفوق النزعة الصهيونية العدائية على غيرها من النزعات في إسرائيل اليهودية الصهيونية. ويجب على الجميع التعامل بجدية وبحذر مع الأصوات الصهيونية المتعالية والتي تطالب بإخراج التجمع والحركة الإسلامية خارج القانون على خلفية عداء تلك الأصوات للمواقف القومية المشرفة التي أعلنها كلاهما, وما محاكمة القائد الوطني البارز عزمي بشارة وبعض قادة التجمع ألا مقدمة لتلك المؤامرات التي قد يستعملها المتطرفون الإسرائيليون من اليسار واليمين, لكي يحاولوا حرمان التجمع والحركة من الترشيح للانتخابات والاستمرار في الحياة السياسية العامة كأحزاب شرعية. وهذه الظاهرة تذكرنا بما حصل للإسلاميين في تركيا حيث تم حذر أحزابهم ومنع قادتهم من الترشيح للانتخابات بحجج مفتعلة وواهية. وإسرائيل لا تختلف كثيرا عن تركيا من حيث العقلية المخابراتية والعسكرية التي تلغي كل من يقف بوجهها. لكن هذا كله يبقى مجرد احتمالات, في حال حدوثها,على الجماهير العربية كافة مقاطعة الانتخابات والتمسك بقيادتها الوطنية والقومية التي تعبر عنها وعن طموحاتها ومصالحها. لتتوحد أصواتكم معا من اجل ثباتكم ونصرة حقوقكم العادلة, ففي انتصاركم نصر لإخوانكم في الضفة والقطاع والشتات وسند قوي لمستقبل أبناءكم في البلاد.