عبدالله العباسي
&
المتتبع لتصريحات المسئولين بالولايات المتحدة الامريكية تجاه الانظمة العربية من حقه ان يشعر بالخوف من المستقبل الاتي لهذا الوطن سواء كان في القمة ام في السفح كان قياديا او ضمن مواطن الشارع العربي وعليهما ان يدركا فعلا ان الاجندة الامريكية تحمل الكثير علي اسطرها من التغيرات غير المتوقعه وفي حدود اكبر من ان نتعامل معها بالبساطة المعهودة والاساليب التقليدية. ان التعامل مع هذه التصريحات بشكل مبسط وبالسطحية التي كان العرب يتعاملون معها في الماضي سذاجة قاتلة حيث يبدو ان ما يقوله كبار المسئولين الامريكان ليس للاستهلاك المحلي هذه المرة بل يعنون ما يقولون، لا بل هناك اصرار حقيقي لتحويل مشروعهم الي حقيقه واقعة وتكون الامة العربية مغفلة ان نظرت اليه نظرة استخفاف ولا مبالاه علي الطريقة السابقة بحيث يعتقدون انه يأتي لرفع الحرج عن المأزق الذي وقعت فيه القيادة الامريكية برئاسة بوش وجماعته بعد ان نالهم من عقاب بن لادن وتحديه بحيث ازال الابراج لا من (نافوخهم) فحسب بل من فوق الارض كذلك فاهتزت هيبة الادارة الامريكية خارجيا وداخليا معا ولهذا فان الثمن مهما كان باهظا بالنسبة لها فانها مصممة علي استعادة كرامتها الجريحة حتي لو اتت علي كل ما في الخزانة الامريكية من اموال. لماذا علي امتنا العربية ان تنظر الي هذه التصريحات بجدية غير عادية رسميا وشعبنا كذلك؟ رسميا لان هذه التصريحات تمس عروش الانظمة دون استثناء، وشعبيا مخيف وان كان ظاهره الرحمة بالنسبة لهذه الشعوب لكن باطنها غير واضح خاصة لان الشعوب العربية لا تثق في الولايات المتحدة واوروبا والنظام الرأسمالي برمته فقد كانت وراء بلائها العظيم في خلق ميكروب الدولة العبرية وتركه يكبر ويستفحل وتواصل الولايات المتحدة رعايتها دون غيرها رعايته حتي اصبح من الصعب التعرف علي مضاد حيوي يقضي عليه. كذلك فان الامريكان والاوروبيين وراء نهب ثرواتها تاريخيا فهم استباحوا العالم الثالث وفي مقدمته البلاد العربية فاثروا من نفطها واسواقها علي حسابها.. فكلما اثرت شعوبهم وكلما ازداد النعيم الامريكي والاوروبي ازداد الشقاء العربي، كذلك فان فقدان الثقة في هذه البلدان التي استعمرت بلداننا لا تصدق في ان يأتي التغيير فجأة من النقيض الي النقيض فيتحول اللص والقاتل الي انسان شريف وحنون ويندم علي فعلته القديمة ويعيد ما سرقه الي اصحابه ويعيد الحياة للمقتول فالتاريخ يكشف لنا ان (من شب علي شيء شاب عليه). ومن هنا فان الشعوب العربية رغم تصريحات المسئولين الامريكان التي تصب لصالحها الا ان فقدان الثقة وتراكم اوجاعها بسبب الممارسات الامريكية والاوروبية تجعلها تشك في كل وعودها، فاذا كانت الادارة الامريكية صادقة في ان تجعل هذا التغيير يأتي لصالح الشعوب العربية فلماذا اذن تواصل سياسة الظلم والقهر ضد اخوانهم في فلسطين ولماذا تغمض عينها عن ممارسات الابادة الجماعية للحكومة الاسرائيلية تجاه هذا الشعب الاعزل دون ذنب اقترفه سوي انه يطالب بأقل القليل من حقه في ارضه وعودة عاصمته ولاجئيه الي وطنهم وقيام دولة فلسطينية تتعايش مع المغتصب والجلاء بسلام؟ ثم السؤال الاهم الامريكان الذين يحملون علي اجندتهم هذا المشروع الاصلاحي الكبير لصالح الشعوب العربية هل يثقون في هذه الشعوب بعد التغيير بان مصالحهم ستكون مضمونة؟ فهل هم مستعدون ان يبدلوا بما هو ادني في مصالحهم بالذي هو احسن لهم؟ هذا ما يجعل المواطن العربي ينظر بشك الي المشروع الامريكي الاصلاحي. ومما يجعل المواطن في حيرة في هذه الظروف الدولية الحساسة هو ان وافق فلن يأتي وضعا اسوأ من وضعه الحالي.. سجون ومعتقلات وحرب شعواء علي الفكر والحرية.. ومجاعة عامة وبؤس ما بعده بؤس فكريا وماديا من قبل انظمته الظالمة دون ان يري مجرد بصيص من نور في آخر النفق وان لم يوافق فلا يعرف ما يخبئه الامريكان له. ولو ان كل الانظمة العربية تعاملت مع شعوبها بالنموذج الكويتي من خلال وجود مجلس نيابي منتخب ومراقبة دقيقة وجادة من قبل اعضائه لمسارات المال العام دون اية مرونة او تساهل، وانسجام تام تجاه اي خطر خارجي بحيث لا يمكن للجدار الكويتي الرسمي والشعبي ان يخترق لهان الامر وانتهت حيرته. ولو تعاملت كل الانظمة العربية بالنموذج الكويتي لآمنت شر تقبل شعوبها للمشروع الامريكي غير الواضح امام ما تخفيه وراءه من خلفيات، وحسم امره من خلال ايمانه بالمثل القائل (انا واخي علي ابن عمي، وان وابن عمي علي العدو). الم يرفض الشعب الكويتي عندما قدم له صدام الحكم علي طبق من ذهب ودعا المعارضة الي استلام الحكم فرفضت الاطياف المختلفة بشدة استبدال الاسرة الحاكمة لماذا؟ لان النظام الكويتي رغم اختلاف المعارضة مع الحكومة الا انها كانت متحمسة لبقاء الاسرة الحاكمة من آل صباح لانهم لم يخلوا الخزانة الكويتية لصالح عدد قليل منهم مما جعل الانسان الكويتي يعيش في وضع مادي ونفسي مريح مهما اختلف مع هذه الاسرة الا انه يتشبث بها ولا يرضي باي بديل عنها.. ولان النظام العراقي رغم انه نظام محسوب علي الفكر القومي والليبر الي الا انه مارس مع شعبه ما لم تمارسه الانظمة العربية التقليدية فأدرك الشعب الكويتي ان فاقد الشيء لا يعطيه فرفض كل عرض من الرئيس صدام. والذي يفرض علي الانظمة العربية وشعوبها ان تأخذ التصريحات بجدية حقيقية هذه المرة انها تسمي الاشياء بمسمياتها ولا تلوك كلاما يفسح المجال للاجتهاد فيه فالكلمات التي يستخدمها المسئولون الامريكان صريحة وواضحة ثم لان هناك اتفاقا وانسجاما كاملا بين العدوين الجمهوري والديمقراطي معا ومجلس الكونغرس والشيوخ معا وهذا الاتفاق بين الحزب الجمهوري والديمقراطي وموافقة الكونغرس الامريكي عليه يعني اننا امام زلزال واقع وان الغضب الامريكي واقع لا محالة وعلي الشعب العراقي قبل بقية الشعوب العربية ان يصبح ضحية جنون نظامه مرة اخري ويتحمل تبعات حماقة لابد فيها ولم يرتكبها هو ومثلما تسبب هذا النظام في ايذاء شعبه فقد تسبب في ايذاء كل بلد الشرق الاوسط وان ما يحدث اليوم من اعادة نظر في خارطة البلد العربية هو نتيجة مرة اخري لحماقة هذا النظام. ولهذا فالشعب العربي في حيرة من امره مرتين، فهل يختار المشروع الاصلاحي الامريكي دون ان يعرف ما يحمله من غيبيات غير واضحة المعالم فلا يغامر، ام يقف مع المستبد الحالي فقد يكون الحجاج خيرا من ابنه وان يكون شهاب الدين افضل من اخيه.. وحيرته الثانية هل يوافق علي اسقاط النظام العراقي المجنون الذي ذبح شعبه من الوريد الي ا لوريد ويقبل بالمشروع الامريكي مع ما به من مخاطر او يقاومه. هذه الحيرة قد قسمت المثقفين العرب والشارع العربي الي قسطاطين علي حد تعبير الشيخ اسامة بن لادن ولو قرأنا اسخن تصريح خرج من الفرن الامريكي لادركنا صحة ما هو مطروح علي الاجندة الامريكية وان ما في (اذنهم ماي) علي لغة الشعبيين من اهل الخليج فالزلزال قادم دون ادني شك ولا يمكننا الا ان ندعو الله ان يرفع مقته وغضبه عن الامة العربية فنحن لا نسأله رد القضاء ولكن نسأله اللطف فيه. ان آخر تصريح كان من خلال محاضرة لجيمز ولسي الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الامريكية حيث قال خلال الكلمة التي القاها ضمن مناظرة كبيرة نظمها اتحاد الطلبة في جامعة اكسفورد البريطانية العريقة: (ان الوقت قد حان لكي تستبدل الولايات المتحدة جميع الانظمة العربية وانه حان وقت اصلاح الاخطاء التي ارتكبتها الادارات الامريكية المتعاقبة بتعاملها مع الحكومات العربية الحالية وذلك بسبب تعطشها للطاقة والنفط واضاف انه يتوجب علي الولايات المتحدة ان تخطط لازالة الانظمة العربية الحالية وان تجد بدائل للطاقة). واوضح ان الحرب التي تنوي الولايات المتحدة شنها علي العراق لا ترتبط بالضرورة بموضوع اسلحة الدمار الشامل بل هي اساس لنشر الديمقراطية في العالمين العربي والاسلامي. واضاف ان الولايات المتحدة عازمة علي تكرار تجربة اوروبا الشرقية في منطقة الشرق الاوسط). نقلت هذا النبأ وكالة الميدل ايست اون لاين لكن السؤال الاهم الذي يطرح نفسه اي نوع من الديمقراطية سيوافقون عليه؟ هل الديمقراطية الكاملة التي لا لبس فيها ولا جدل ام يقبلون باشكال معينة هم يحددون معالمها بحيث تتناسب حسب تقديراتهم مع كل شعب فيقيسون الامور بمكيالين مثل ما يفعلونه اليوم مع القضية الفلسطينية ومثل ما يتعاملون اليوم مع العراق حول اسلحة الدمار الشامل ويتناسون اسرائيل. (عن "الأيام" البحرينية)