بلال شرارة*
&
الحضارة "التكنوالكترونية" ووسائل السيطرة الامبريالية في ذات عصر كانت كل الطرقات تؤدي الى روما. في هذا العصر ما تريده الادارة الاميركية ان تؤدي كل الطرقات الى واشنطن.
&
في ذلك العصر الذي ساد فيه الاباطرة والقياصرة العالم المعروف جغرافيا" وحضاريا"، كان القيصر بالنتيجة هو الدولة، رغم انه بإختلاف الوقت من امبراطور الى آخر كانت تجري محاولات لانتاج الدولة وتوزيع السلطات، الا ان سلطة القرار كانت تبقى غير هيئة القرار، بمعنى ان القيصر كان في النهاية هو القاضي والمحامي والجلاد لكل قضية هامة على مساحة الامبراطورية تتجاوز قدرة حكام الولايات وقواد المئة.
&الآن تحاول الادارة الاميركية ان تسوس العام بنفس الطريقة بالقفز فوق جميع الانجازات البشرية التي وضعت قواعد للعلاقات الدولية الانسانية، والتي ارست قواعد للدولة حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، وهو الامر الذي كلف البشرية جمعاء تضحيات جمة بمواجهة النزعات الامبراطورية المماثلة، وآخرها النازية كأنموذج مهزوم، والصهيونية كأنموذج تحاول دون جدوى تعميم مشروعها الامبراطوري " من الفرات الى النيل حدودك يا اسرائيل ".
&
-2-
&
ففي الشرق الاوسط كأنموذج، تحاول الادارة الاميركية حصاد النتائج السيئة لبذار الامبريالية البريطانية، في الوقت الذي يعترف جاك سترو وزير الخارجية البريطاني ان الماضي الاستعماري لبلاده مسؤول عن الكثير من النـزاعات المـزمنة الحـالية فـي الشـرق الاوسـط وبين الهنـد وباكستـان - في هذا الوقت - لا تكلف الادارة الاميركية نفسها عناء البحث عن اسباب الازمات، وتمضي قدما" في ( التزام ) الاخطاء التي ارتكبتها الامبريالية البريطانية دون ان تطرح على نفسها من موقعها كأدارة تدعي الحرص على الديموقراطية والحقوق والشفافية مهمة تصحيح الاخطاء، مما يعني اننا ازاء امبريالية اميركية تتصف بالكامل بالصلف والغرور، وهما الصفتان الملازمتان لكل امبراطورية مسيطرة تسعى لكي تستعمر وتنهب ثروات العالم وفي الطليعة الثروات الوطنية لشعوب الشرق الاوسط.
&والادارة الامبريالية الاميركية بدل ان تحاول اثبات ان مسؤوليتها الدولية تنطلق من منطلقات العدالة، تؤكد خصوصا" منذ تولى الرئيس " دبليو بوش " الرئاسة الاميركية امبرياليتها عبر هدفين رئيسيين وضعهما الرئيس:
1 - تحديث القدرات العسكرية الاميركية وتطويرها
2 - الحصول على - او وضع اليد - على منابع النفط.
&لقد استثمرت الادارة الامبريالية الاميركية الى الحد الاقصى على احداث الحادي عشر من سبتمبر ( ايلول ) المدانة عبر اطلاق وثيقة " استراتيجية الامن القومي "، التي تعبر في مضمونها عن ان هذه الادارة اتخذت قرارا" بعسكرة السياسة على قاعدة ضرورة القوة لانجاز اهدافها حتى ولو لم تلزم القوة لتحقيق الاهداف.
&
-3-
&
ان هذه العسكرة تأخذ موقعها عن طريق زيادة النفقات الحربية في الموزانة العامة، الامر الذي سيدفع العجز الفيدرالي بإتجاه مـا بين 200 مليـار الـى400 مليار دولار اميركي خلال عام 2004.ان هذا الامر يؤكد انتقال الولايات المتحدة من طرف او لاعب اساسي في المعسكر الرأسمالي الى امبريالية آحادية، خصوصا" وان الادارة الاميركية ولأجل هدف السيادة الامبريالية قررت عبر زيادة النفقات الحربية وعبر التوصل الى صياغة ( جيش رقمي )، ان تخرق احد القوانين الاساسية للرأسمالية التي تقوم على افضلية توظيف الاموال في القطاعات الاكثر مردودا" مثل الصحة والتعليم والبيئة وتنمية الديموقراطية عبر العالم. مما تقدم يبدو ان السحر اصاب الساحر، ففي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تروج العنف بكل اشكاله وصولا" الى الافلام حول حرب النجوم عبر العالم، يبدو ان لوثة العنف اصابت بصورة رئيسية الادارة الاميركية التي اعتبرت ان - نجاحها - بأصوات قليلة كان بمثابة تفويض لها لادارة العالم لا لمجرد ادارة الولايات المتحدة، حيث عمدت هذه الادارة الى توليد العنف والاستثمار على العنف وتمجيده، وهي اقامت اجهزة كاملة للكذب وتعميم الكذب من اجل تبرير استخدام القوة واللجوء الى القوة والعنف، غير آبهة بان المجتمع الدولي لا يطيق الاختيار الذي يرغمه على اجراء مجابهة بين مبادئه والاساليب التي تنتهك روح هذه المبادىء.
ان القوة والعنف هنا السمتان الملازمتان لحضارة الادارة الامبريالية الاميركية الجديدة، وهي حضارة تؤسس دون شك لصدام مع بقية الحضارات، وهي الحضارات التي تأسست على خلفية وارضية الرسالات السماوية.
&
-4-
&
ان البعض يعتقد ان الادارة الاميركية تقف خلف المسيحية وتحاول دفعها او استخدامها في حرب صليبية جديدة ضد الاسلام.
&كما ان البعض يعتقد ان الادارة الاميركية تقف خلف الصهيونية لادارة صراع ديني بين اليهودية والاسلام، كما وان هناك بعض الساسة الاسرائيليين وربما بعض جهابذة الايباك يعتقدون بان بإمكانهم الاستثمار على صورة الحركة العسكرية والدبلوماسية الاميركية للخلاص من اعداء اسرائيل.
&ان الامبريالية الاميركية الجديدة تتأسس على وقائع حضارية حديثة لا تعوزها الايديولوجيا الدينية، وهي ترتكز على " المجتمع التكنو الكتروني " الذي حلله في الولايات المتحدة زبيغينيو يريزنسكي الذي كان مستشارا" للامن القومي، وهذه الحضارة تعتمد على تفتيت الجماعات البشرية، وهي حضارة لا تلتفت الى انحطاط المبادىء والضمير، حضارة تسخر القوة والتقدم الاقتصادي والالكتروني لخدمة نفسها وتنمية ارباحها، وهي ستصطدم دون شك مع المبادىء التي ارستها الاديان السماوية الثلاثة: الاسلام، المسيحية واليهودية.
&ان هذه الحضارة لا تقيم وزنا" لتطوير العلاقات بين الاقتصاد والاخلاق، وهي تعتنق منهجا" مصلحيا" لربط حقوق الانسان في اي بلد مع مصالحها، وهي توالي الديموقراطية وتعارضها في آن حسب مصالحها النفعية.
&ان ما تقدم يؤكد اننا امام صورة مشهد جديد للولايات المتحدة الاميركية، وهي صورة مختلفة عن الولايات المتحدة السابقة التي كانت تدير صراعا" مع نفسها حول تحولها اوعدم تحولها الى امبريالية.
&
-5-
&
وهكـذا فإن كل كلام اميركي عن حقوق الانسان والديموقراطية وسوى ذلك، هو في واقع الامر كلام إما للاستهلاك او انه يخفي خلفه غايات واهداف السيطرة التي تحاول ان تبرر الولايات المتحدة لنفسها التدخل والسيطرة من خلال المصطلحات الرنانة.
&وعليه فإن عنوان " دعم الاصلاح " الذي ورد في اطار خطاب ( اعادة بناء الامل ) الذي القاه وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاوسط في مجلس الشؤون العالمية في بلتمور بولاية ماريلاند، والذي تطرق فيه الى العـوائق الاقتصادية والسياسية التي تواجه شعوب وزعماء الشرق الاوسط، - هذا العنوان - بما يحمله من تفاصيل داخلية، هو في واقع الامر عنوان عمليات التدخل من اجل تفكيك النظامين العربي والاسلامي.
&ليس من قبيل الدفاع عن انماط السلطات القابضة على النظامين العربي والاسلامي نقول، ان الدور الامبريالي للولايات المتحدة يحاول ان يأكل كل عقل الجمهور العربي والاسلامي بإقناعه بأن الاستعمار افضل من النظام السياسي المتخلف.
&وهذا الدور الامبريالي يحاول ان يلغي الذاكرة العربية والاسلامية وان يطمس المسؤولية والدور الامبريالي البريطاني وحتى الفرنسي في صياغة اغلب انماط السلطات.
&
-6-
&
اننا نرى ان سلوك الشارعين العربي والاسلامي يجب ان لا يخضع للشبهات في التصديق بأمكانية تنمية ( الامبريالية ) اية امبريالية لمختلف اشكال المعارضة للسلطات القائمة، وان يصدق هذا الشارع للحظة واحدة ان اي ادارة امبريالية ستقوم بدعم الجهود الرامية الى تقوية المشاركة السياسية في اي بلد، وان اي ادارة امبريالية ستعمل لمساعدة ( الاهل ) بمعزل عن الحكومات لاعداد الجيل الجديد لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
&ان ما تريده اي امبريالية هو احتواء الشارع بعد احتواء انماط السلطات، واقامة الاتصال اللازم بالاحزاب والنقابات والمنظمات الشعبية واجيال الشباب.
&ان ما تريده اي امبريالية هو وضع اليد على الثروات الوطنية والموارد البشرية.
&هنا وحول الانسان تتصارع حضاراتنا المبنية على الاديان السماوية مع الحضارة الاميركية التكنوالكترونية.
&هل يمكن التعايش مع الادارة الامبريالية لهذه الحضارة ؟
&هل يمكن التفاهم مع هذه الادارة ؟
&هل يمكن اقامة توازن تكنوالكتروني معها ؟&
&
هذه الاسئلة هي المطروحة على المفكرين، عسى ان يقدموا الاجوبة قبل ان تتمكن من اقتحام وتطبيع وتطويع المزيد من مساحات العقل والمساحات الجغرافية والبشرية.&
&
*كاتب و باحث امين عام الشؤون الخارجية في مجلس النواب لبنــان