داود البصري
&
حينما تؤدلج "الهيافة" والسطحية يكون كل شيء ممكنا؟ وحينما تخبو نيران الدعاية وأضواء الإعلام تكون المناقشة أكثر جدية وواقعية وعملية، ويمكن بالتالي الخروج بنتائج وحصيلة تقويمية تكون مفيدة لجميع الأطراف؟ أقول ذلك وأنا أعترف .. والإعتراف سيد الأدلة من أنني قد تسرعت منذ أسابيع قليلة مضت بالكتابة النقدية حول المسلسل المصري الذي أثار الدنيا ولم يقعد الناس "فارس بلا جواد"! فالضجة التي أثيرت حوله وفيه ومن أجله قد تجاوزت كل الحدود والمقاييس المعروفة عن عمل فني تلفزيوني عربي ، وليتحول وبقدرة ساحر في فن الإعلام والدعاية والعلاقات العامة إلى أحد عناصر إثارة الأزمات السياسية على المستوى الإقليمي وبشكل إنعكس على طبيعة العلاقات الدبلوماسية والإعلامية الأميركية مع أطراف عربية مهمة وفاعلة إستراتيجيا كمصر مثلا ؟! ، ولكنني بعد أن أصدرت في السابق حكم (الهيافة) الإبتدائي السابق على ذلك العمل وبطله الأوحد و(الضرورة)! لم أندم على تسرعي السابق على الإطلاق ! ، فبعد أن شاهدته وإطلعت على حيثياته بروح نقدية ورؤية لاتخلو بطبيعة الحال من إعتبارات سياسية وخلفيات آيديولوجية إزددت يقينا بضرورة إكساب حكمي الإبتدائي على المسلسل الدرجة القطعية وإعتباره تقويما نهائيا ومبرما كما يقول أهل القانون ؟
ولكن قبل الشروع في الإستطراد أود التأكيد على حقيقة درجة غباء وجهل الجماعات الإعلامية في الغرب والشرق التي حذرت من ذلك المسلسل وإعتبرته يسيء لأي قيم وأفكار معينة أو لمصالح جماعات سياسية وأقامت الدنيا وأعطت للعمل أبعادا نضالية وثورية وسمعة ماكان ليتاولها لولم يتم التركيز عليه بكل الكثافة التي حصلت أو الأطراف التي تدخلت ؟ ولمرت ليالي رمضان الفنية ومر المسلسل دون أن يلاحظه أحد أو حتى يتابعه وذلك لغزارة الأعمال الفنية الجادة التي تميز بها الموسم الرمضاني الحالي وأفرز مسلسلات تاريخية رائعة تتناول مراحل حاسمة من التاريخ العربي والإسلامي كالمسلسل الرائع ( هولاكو ) والأكثر روعة ( صقر قريش ) والمتميز ( أبو الطيب المتنبي ) و غيرها من الأعمال الدرامية والإجتماعية المصرية والخليجية وهي أعمال تساهم في رفع مستوى الوعي التاريخي والإجتماعي والسياسي .
مسلسل ( فارس بلاجواد ) والذي عرضته بعض المحطات الفضائية العربية كنوع من التحدي على مايبدو ؟ ليس فيه من عناصر العمل الفني الناجح أي شيء ؟ فبعيدا عن تقويم قصته الخرافية والمستندة لبطولات ( سوبرمانية ) يريدون لها أن تشيع في ظل أجواء الهزيمة القومية والحضارية ، فإن العمل جاء باهتا وسقيما من حيث الأداء التمثيلي ومن حيث الصورة الفنية التي ظلت فقيرة وحبيسة للأداء السياسي المفتعل الذي فشل محمد صبحي في إكسابه صورة الواقعية والإقناع ، وأعتقد أن خير تقويم يمكن الإعتماد عليه هو تقويم التلفزيون المغربي الذي لم يعرض المسلسل لسبب واضح وبسيط ومعلن وهو ( إغراقه في المحلية المصرية )& والتي عن طريقها يريد محمد صبحي الوصول بالمسلسل للدرجة التي وصلت إليها مسلسلات مصرية كانت خالدة في تاريخ التلفزيون المصري والعربي مثل ( رأفت الهجان ) أو ( ليالي الحلمية ) أو ( الراية البيضاء ) أو ( أرابيسك ) ... وغيرها من الأعمال الرائعة؟.
فارس محمد صبحي كان ينازع لنيل قصب السبق بأدوات فنية قديمة ومستهلكة ولافاعلية لها ولكنه نجح في خلط الأوراق وإستثمار الحالة السياسية المحبطة القائمة في المنطقة بذكاء لإقتناص مايمكن إقتناصه من نجاح لايمكن أن يكون في ظل المنافسة الفنية وفقا للمواصفات المعتادة ؟.
لقد أثبتت الدراما العربية السورية تفوقها الرائع في كسب سباق التحدي الفني من ناحية الأعمال التاريخية والسياسية ، من حيث اللغة والأسلوب والفكر ومستوى الأداء وهو تطور ينبغي أن يستثمر لتطوير الفن العربي التلفزي والسينمائي بشكل عام والخروج من صيغة الأعمال الهابطة المعتمدة على الردح و( الفول ) وأفلام الحشبيش والمخدرات أو الكوميديا الهابطة التي يعتبر محمد صبحي أحد نجومها المميزين دون إستثناء ؟.
لقد شاهدنا العمل وكانت خيبة أمل كبيرة فلا الفارس كذلك ولا الجواد اصيل ؟
والفارس الوحيد هو الإعلام الأميركي الغبي الذي وفر للعمل دعاية لايستحقها ؟.