سوسن الشاعر
&
إن كان هناك من نصيحة نقدمها اليوم للجماعات الإسلامية سواء تلك التي تنضوي تحت لواء أي من التنظيمات الإسلامية المعروفة أو الجماعات التي تعمل بشكل غير تنظيمي كالدعاة ومريديهم في عالمنا العربي، فهي ضرورة تقييم مسيرتهم تقييما حياديا، وتأثير تلك المسيرة بمجتمعهم المحلي أولا وبالمجتمع الدولي ثانيا.
إن العالم بأسره اليوم يتداعى للوقوف بوجهكم وجعل مسألة التصدي لكم قضية عالمية دون تفريق بين جماعة وأخرى، بل إنكم وضعتم حكوماتكم ومعها مجتمعكم ومؤسساته في وضع محرج للغاية إذ لم تتركوا مجالا لأحد للوقوف في صفكم والدفاع عنكم، لأنكم ببساطة استعديتم عليكم أهلكم وناسكم قبل الغريب، أي كل من يختلف معكم ومع نهجكم، ولم يشفع له تفاوت شدة منهج (العنف) أو لينه بين جماعة وأخرى!
لقد نجحتم في استغلال ما أمكنكم استغلاله من مواقعكم السلطوية سواء تلك التي وصلتم إليها بالنظم الديموقراطية (انتخابا) أو تلك التي تمت بالتعيينات الرسمية من أجل فرض (قناعتكم ومنهجكم الفكري) على الآخرين، بالقانون إن أمكن أو بغيره (تشريعا أو إرهابا فكريا أو سلاحا إن استدعى الأمر) ولم تكتفوا بمجتمعاتكم بل تعدى الأمر لفرض تلك القناعات حتى على المجتمع الدولي ككل، حتى تداعت عليكم الأمم وأصبحتم في موقع المتهم المجبر على الدفاع عن النفس! وكان ذلك بداية لفتح باب الصراعات وإشعال نار الفتنة داخل دولكم ـ والشواهد حية في العديد من الدول الاسلامية الان وتسببتم في خلق حالة من التمرد المخفي والمعلن عليكم وعلى منهجكم، فالآخرون وهم غالبية أفراد المجتمع الذين ليسوا أعضاء في جمعياتكم أو تنظيماتكم وليسوا مريدين لأي من دعاتكم، حاولتم إجبارهم على تبني وممارسة منهجكم بالإقناع أو بغيره بقوا على موقفهم الرافض له ونجحوا دوما بشكل أو بآخر بالتحايل على قوانينكم مهما اشتدت عصا المنع، فأشغلتهم مجتمعاتنا بقمع تلك المحاولات أو بالتحايل على القمع (انظر تصريحات الأمير نايف الأخيرة)، ودفعتم بمجتمعات إسلامية عديدة للعنف حتى دفعت هي ثمنا غاليا لذلك الانشغال من دماء وأرواح عيالها، وثبتم حالة التخوف المصاحبة لكل مرة تستلمون فيها موقعا للقرار، وفي أجواء مفعمة بالتوجس كهذه لا يمكن أن تصفو علاقتكم بالآخرين، لذا فإن نصيحتنا الخالصة لكم ولخدمة الدين بشكل عام أن تعيدوا رسم علاقتكم بمجتمعاتكم، احتراما لحقوق الآخرين وحفاظا على الاحترام المتبادل، وحرصا على متانة وسلامة وأمن مجتمعاتكم وجعلها حضنا وحصنا حاميا لكم، ونأيا بالدين عن أجواء الخصومة والفتنة والعداء.
أما المفصل الآخر من مفاصل علاقتكم بالآخرين فهو المفصل الدولي، وهنا نتساءل عما تسببت به تلك النظرة الأممية للإسلام وللمسلمين وأثرها في شكل وإطار علاقتكم بالمجتمع الدولي من جديد بل وأثر تلك النظرة في العلاقة العربية الدولية.
لا يمكننا أن نتجاهل حساسية الوضع الدولي اليوم وما تشهده المنطقة من توتر في العلاقات العربية والعديد من الدول الغربية والآسيوية، فقد أصبح منا اليوم شيشانيون وكشميريون وبوسنيون وأفغانستانيون وماليزيون وفلبينيون بل وأمريكيون بدون أن يحملوا جنسيات تلك الدول، ونقصد بها ظاهرة (العرب الأفغان والعرب الشيشان والعرب البوسنيون والسلسلة في تتابع وابحث عن العربي المسلم في كل بؤرة توتر عالمية!) فقد نسفتم العديد من المواثيق الدولية وخالفتم العديد من القوانين الدولية، وعرضتم حكوماتكم للحرج والمساءلة، فمنكم من أقام عندهم بصورة غير قانونية ومنكم من حمل السلاح في وجه حكوماتهم وتدخلتم في حياة شعوبهم وفرضتم عليهم قناعتكم بقوة السلاح، بل وأعلنتم الحرب نيابة عن مجتمعاتكم على دول بيننا وبينها مواثيق واتفاقيات، ثم وبعد طردكم وتشردكم من تلك الأماكن عدتم فحملتم السلاح في وجه حكوماتنا!
الخلاصة بأن أزمة علاقات خطرة برزت للسطح بين الجماعات الإسلامية بكافة أشكالها التنظيمية أو غير التنظيمية مع المجتمع الدولي والمحلي مما أثر سلبا في أمن وسلامة كل الأفراد العرب المسلمين خارج أوطانهم، وعلى أمن وسلامة النسيج المجتمعي العربي في كل دولة على حدة، مما يستدعي ضرورة الوقوف وإعادة النظر في طبيعة علاقتكم بالآخرين بشجاعة أدبية نحتاجها اليوم قبل الغد حتى لاتجبروا مجتمعاتكم على القيام بتحديد تلك العلاقة معكم!