نضال زايد هيوستن: في الفيلا الخاصة لرجل الأعمال الأميركي من أصل فلسطيني يوسف (جيسي) معالي والذي يرأس إمبراطورية مطاعم ومحلات سياحية&في أورلاندو فلوريدا، جلس معالي مرتدياً جهاز مراقبة إليكتروني بعد أن أفرج عنه قاضي تحقيق فدرالي بكفالة قدرها عشرة ملايين دولار بعد رفضه لمخاوف أبداها مكتب المباحث الفيدرالي (أف بي أي) من وجود "صلات إرهابية" له. وتجمع حول معالي فور الإفراج عنه في منزله المئات من أصدقائه ومعارفه وموظفيه وآخرون جاءوا لإظهار الدعم والتأييد للرجل المعروف بالخير والكرم.
وكما بدا واضحاً من سير القضية التي لم تثر العرب الأمريكيين فحسب بل أثارت الرأي العام الأمريكي حيث كتبت صحيفة محلية في أورلاندو متسائلة إن كان التبرع والمساهمة في الأعمال الخيرية يشكل خطراً على العرب الأمريكيين والمسلمين، يبدو أن هذه مرحلة جديدة بدأت فيها الحكومة الأمريكية بتدقيق حسابات المؤسسات الخيرية والإنسانية والجمعيات الإسلامية ومراجعة كبار المتبرعين من العرب والمسلمين.
معالي الذي زرناه في محل إقامته في فلوريدا قال معبراً عن انتمائه للقضايا الإنسانية بعيداً عن السياسة وعن المنظمات السياسية أو الدينية والذي لا ينتقص من حبه لهذا البلد (أمريكا) قائلاً: لقد عشت في الوطن الأم أقل من عشرين عاماً ولكنني عشت هنا أكثر من 40 عاماً وأنا أحب هذا البلد ويهمني أمنه واستقراره.
في المحكمة حيث تجمع قرابة 80 شخص& من أصدقاء ومؤيدي معالي من العرب الأمريكيين والمسلمين والأمريكيين لإظهار دعمهم له، استغرب معارفه من التهمة التي نطق بها محامي الإدعاء حين اتهم معالي بدعم جماعات تستخدم أو تشجع على العنف مالياً. وربما تعود هذه التهمة بسبب تبرعات قدمها معالي لمؤسسات خيرية وإنسانية، وفي هذا الصدد عبر بعض الحضور من العرب الأمريكيين عن قلقهم ومخاوفهم في هذا الأمر ،وصرّح السيد سامي قبطي رئيس مركز الجالية العربية الأمريكية في (أورلاندو - فلوريدا) لصحيفة "Orlando Sentinel " قائلاً: أصبح الواحد فينا يخاف لو تبرع بمائة دولار لشخص محتاج يخضع تحت الاحتلال أن يطرق بابه رجال التحقيقات الفدرالية بتهمة دعم الإرهاب".
و نفى معالي تأييد جماعات إرهابية أو دعمها مادياً& وأكد أن تبرعاته كانت لغايات إنسانية لمساعدة المرضى والمحتاجين، وقد أشارت لائحة الاتهام إلى تبرع قدمه معالي قبل عامين واستقرت في مصرف الأقصى الإسلامي الذي وضعته الحكومة الأمريكية ضمن قائمة الجمعيات والمنظمات والمؤسسات المالية& المحظور التعامل معها. وجاء هذا الاتهام في إشارة إلى نشاط خيري قام به مركز الجالية& العربية الأمريكية في (أورلاندو - فلوريدا) لجمع تبرعات لتطوير مركز الطوارئ في مستشفى رام الله، وقام المركز وقتذاك بتجميع 258 ألف دولار أمريكي كانت مشاركة معالي فيها بمبلغ 25 ألف دولار.
أكد أحد محامي الدفاع السيد مايكل نيجيمي أن المؤسسة الخيرية التي وضعت ضمن قائمة المنظمات المحظورة أو المتصلة بالإرهاب والتي قامت بتوصيل هذا التبرع إلى مستشفى رام الله لم تكن موضوعة ضمن تلك القائمة عندما قدّم معالي مع أبناء جاليته هذا التبرع& السخي، وقد وصل هذا المبلغ كاملاً إلى المستشفى الذي قام بتطوير وتوسيع غرف الطوارئ والمختبرات والأشعة وشراء معدات ومستلزمات لمركز الإسعاف مما ساهم في معالجة وإنقاذ أرواح كثير من الأبرياء والمرضى وخصوصاً أثناء اندلاع المعارك والمواجهات في رام الله والمناطق الأخرى.
ولا يخفى التبرع السخي الذي قدمه العرب والمسلمون في أورلاندو على أحد، فاللوحة الرخامية الموضوعة عند باب مركز الطوارئ شاهدة& على تبرعات الجالية العربية في أورلاندو حيث كُتِب عليها :"مركز إسعاف وطوارئ مستشفى رام الله، افتتحه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في يناير 2001، تم تجهيز المركز وتمويله العرب الأمريكيون في أورلاندو فلوريدا".
ويشير السيد زاهي خوري، وهو أحد كبار المستثمرين الفلسطينيين في فلوريدا وفلسطين، و يتنقل في إقامته بين فلوريدا ورام الله& حيث يرأس مصنع لتعبئة الكوكا كولا وشركة اتصالات كبرى ويعتبر أحد مستشاري الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الاقتصاديين، يؤكد خوري& أن يوسف معالي من أسخى وأكرم الناس الذين التقاهم منذ عشرين عاماً وأن معالي دائم السؤال عن كيفية مساعدة الأطفال الفلسطينيين والحالات الإنسانية والأيتام، وأن تبرعاته واهتماماته غير سياسية وأنها إنسانية بحتة.
في حين أكّد بعض المتبرعين الذين زاروا مدينة رام الله للتأكد من وصول تبرعات الجالية العربية الأمريكية في أورلاندو إلى محلها الصحيح أنّ معظم التبرعات التي يقدمها العرب الأمريكيون في أورلاندو تصل إلى جمعية إنعاش الأسرة التي أسست في عام 1965، والتي تدير وتشرف رياض أطفال وملاجئ أيتام ومراكز تأهيل مهني للسيدات الفلسطينيات وأنّ عدداً من العرب الأمريكيين يعيلون 60 عائلة محتاجة تقريباً ويدفعون مبلغ 500 دولار عن كل عائلة سنوياً، وأن المتبرعين لديهم أسماء وعناوين العائلات التي تصلها تبرعاتهم بما لا يدع مجالاً للشك.
ترى الجالية العربية الأمريكية في فلوريدا أن& الاتهامات المقدمة ضد يوسف معالي تدخل في سياق الهستيريا المعادية للعرب، وضمت& لائحة الاتهام انتهاك قوانين الهجرة والتآمر لغسل الأموال والتآمر لانتهاك قوانين الهجرة. ولم توجه له أية تهمة تتعلق بالإرهاب بشكل مباشر، والطريف بالأمر أنّ أحد المحققين الفدراليين أكد علاقة معالي بجماعات إرهابية مستنداً إلى لوحة سيارته المرسيدس التي تحمل كلمة "جهاد" حتى تبين أن هذا هو اسم زوجة معالي السيدة جهاد معالي.. وقد كتب اسم زوجته على لوحة سيارته كما هو متبع في عدد من الولايات التي تسمح لأصحاب السيارات الخاصة بكتابة أي شيء على لوحة مقدمة السيارة التي لا تحمل رقم الترخيص الحكومي.
هذا وقد داهمت أجهزة الأمن عدداً من محلات معلي بالقرب من "وولت ديزني وورلد"، و"يونيفرسال اورلاندو" وغيرهما من المواقع السياحية .
وتبقى التهمة الوحيدة الثابتة ضد معالي الآن هي& تهمة توظيف بعض الأجانب الذين لا يحملون تراخيص عمل أو إقامات قانونية. في حين وصف محامي الدفاع نيجامي تهمة موكله يوسف معالي الشهير بـ "جيسي" قائلاً "أن جريمته الأساسية هي انه من الشرق الأوسط في عام 2002".
ومما لا شك فيه أن مخاوف العرب الأمريكيين والمسلمين من المساهمة مادياً أو معنوياً في المؤسسات العربية أو الإسلامية أو بالتعامل مع جمعيات خيرية لإيصال تبرعاتهم إلى المحتاجين قد زادت في الآونة الأخيرة، مما يثير تساؤل كبير لدى أبناء الجالية والمسلمين وخصوصاً في شهر رمضان وأيام عيد الفطر السعيد وصار الهم الأكبر للمسلمين والعرب الأمريكيين هو مع أي المؤسسات أو الجمعيات الخيرية يمكنهم التعامل؟ وكيف يمكنهم أداء زكاة أموالهم وصدقاتهم؟ .
حول هذا الموضوع سنلتقي قريباً في تقرير مفصل نستعرض فيه رأي مكتب التحقيقات الفدرالي الـ "أف بي أي" والمسئولين عن المؤسسات والجمعيات الخيرية العربية الأمريكية أو الإسلامية.

نضال زايد - كاتب أردني مقيم في هيوستن