العفيف الاخضر

&
لم يكن في البلاد الأفريقية نخبة مثقفة إلى أن جاء الفرنسيون، وأوجدوها. وكانت النخبة الفرانكوفونية هي التي طلبت الاستقلال لهذه البلاد. لم يكن عباس فرحات أول رئيس وزراء في حكومة الجزائر المؤقتة يعرف كلمة واحدة عن اللغة العربية، وكان الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة يتقن العربية والفرنسية، وكان أعضاء حزبه والحركة الوطنية يتقنون العربية والفرنسية، ولكن كان هناك ظروف خاصة في تونس. ففي أفريقيا ظهرت النخبة المثقفة من خلال الاستعمار الفرنسي. وعندما دخل الغرب العالم الإسلامي، واجهت ثقافته مقاومة. والآن الوضع مختلف، فقد أصبح الشباب العربي والمسلم هم الذين ينشدون هذه الثقافة، وأصبحت الثقافة الغربية مطلبا داخليا، ففي إيران يناضل الشباب الحرس الثورى لأن رجاله يأخذون منهم الأطباق الفضائية لمنعهم من مشاهدة قنوات التلفزيون الغربي وخاصة التلفزيون الأمريكي، وهذا يعني أمرين: الخوف من الثقافة الأجنبية، والثقافات الغربية خاصة، ومن ناحية الدعوة إلى إغلاق المجتمع، وهذه دعوة إلى الموت. وهذه الدعوة ليست جديدة فهي تعود إلى أيام الحنابلة الذين قاوموا الثقافات الخارجية.. ولأن ثقافتنا قامت بفضل المترجمين.. فلولا المسيحيون الذين ترجموا التراث الثقافي اليوناني، والتراث الهندي، والتراث الأشورى ما كانت لنا حضارة، أو حداثة. وكانت الفلسفة اليونانية فلسفة وثنية، إلا أن المسلمين اقبلوا عليها واستوعبوها.. وتركيا اليوم في أفضل حال ثقافيا، فعندما أعلن كمال اتاتورك العلمانية في 1942 والغي الخلافة كانت نسبة الأمية 94% واليوم 95% من الأتراك يعرفون القراءة والكتابة، وستصبح تركيا متحضرة حقيقية، وديموقراطية عندما تنضم إلى الاتحاد الأوربي، ومع ذلك فلا يزال الجهل يخيم على عالمنا، فقد أعلن صدام حسين أنه فاز في الانتخابات بنسبة 100% ويعني هذا أن لا أحد من الناخبين مات أو أصيب بالأنفلونزا في يوم الانتخابات. وهذه فضيحة، ويجب أن نتخلص من هذا الوضع المزري.
واليوم اضطهاد الأقليات في تركيا هو من مخلفات العهد العثماني. وليست من اختراع العلمانية، وكانت أسبانيا بلدا فاشيا، وأصبحت ديموقراطية بفضل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأوروبي هو الذي جعل تركيا تعترف باللغة الكردية، وأرغمها على إلغاء عقوبة الإعدام. وبانضمامنا إلى الاتحاد الأوروبي ستختفي بقايا الجاهلية المتمثلة في قطع الأيدي. والرجم.. والخليفة "اعني الحاكم" الذي لا يترك منصبه إلا بالموت في ظل حكم يجلد من يشرب كأسا من البيرة 40 أو 80 جلدة وهكذا. أقول أنه يجب علينا المحافظة على تراثنا. بيد أنه يجب علينا أن ننمي الجانب المستنير فيه، الجانب الذي يساعدنا في تلبية احتياجات عصرنا والجيل الجديد، والتخلص من المظاهر غير الحضارية في تراثنا.. وعلى سبيل المثال: ترك النساء قعيدات بيوت، مقاومة منحهن الحرية، ومعارضة مساواة النساء بالرجال، واعتبار شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد، وعدم المساواة في الميراث.. يجب نبذ هذه الأشياء لأنها لم تناسب عصرنا وجيلنا.. أريد أن تصبح المرأة المسلمة مثل المرأة الأوروبية والأمريكية والروسية.. وقد يتهموننا أننا نريد المرأة أن تسير عارية في الشوارع، أو هي ترتدي البكيني، وأرد على هذا الاتهام أن النساء في العالم لا يسرن عرايا في الشوارع، أريد المرأة المسلمة أن تكون مثل المرأة الصينية، أو الهندية واليابانية، والأوربية والأمريكية والروسية، لماذا نمارس العنصرية ضد أنفسنا ونقول أن هذا يناسبهم ولا يناسبنا ؟ ومؤخرا كنت في زيارة لمصر، وقال له بعض الطلاب أنني أشجع العلمانية، والعلمانية حسنة للأوروبيين وليست لنا، وقلت لهم هذه عنصرية ذاتية.. والرجم لا يوجد في القرآن، وأخذه علماء الدين المسلمون من التوراة. ولا يقول القرآن بإعدام الذي يكفر بالإسلام.
&
ولماذا لا نعترف بلغة البربر في الجزائر، يجب أن نعترف بكل اللغات.. يجب أن نعترف بحقوق الاقليات.. وأنني أدعو لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ومنظمة العفو الدولية أن تتدخل لحماية المرأة التي ترجم في إيران ونيجيريا، وتعاني من الاضطهاد في بعض الأماكن في العالم الإسلامي.. لماذا نذهب بعيدا.. السنيون في إيران لا يمكنهم بناء مسجد.. وهم الآن يطلبون من الأمم المتحدة أن تبني لهم مسجدا في طهران.. ولا يمكنهم الصلاة في أيام الجمعة بينما للمسلمين في فرنسا مساجد. وفي إمكانهم الاحتفال بأعيادهم ومناسباتهم الدينية.
&
محرر أصداء: وصلنا نص العفيف الاخضر هذا من "معهد الشرق الأوسط لأبحاث الصحافة - واشنطن" مع التعريف التالي:
العفيف الأخضر كاتب تونسي ليبرالي، وكان يكتب مقالا أسبوعيا في جريدة الحياة في قسم&"تيارات" التي يظهر يوم الأحد المخصص للصحفيين الليبراليين. والأخضر من الشخصيات البارزة التي تتزعم حملة التحديث والعلمانية في العالم العربي، وقد أثارت مواقفه غضب البعض، و أوقف عن الكتابة لمدة شهرين لهذا السبب... وعلى أثر اشتراكه له في برنامج في قناة الجزيرة القطرية، في 17 أكتوبر الماضي فصل عن عمله من الجريدة التي يملكها أمير سعودي والمقال الذي نشرناه. يتألف من مقتطفات مما قاله في البرنامج المذكور.