حسين كركوش
&
كنا أشرنا في مقال مطول نشرته "إيلاف" في الثاني من هذا الشهر, الى تصميم الولايات المتحدة للإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين. وذكرنا بأهمية الدور الذي لعبه المستشار الامريكي من أصل أفغاني خليل زادة،&في ترتيب الأوضاع الأفغانية, قبل وبعد الإطاحة بنظام حركة طالبان0 وقلنا بالحرف الواحد , باننا ليس بصدد (معرفة فيما اذا كان الرئيس العراقي الجديد, هو الذي سيملك الصلاحية الحقيقية لاصدار القرارات, أو ان خليل زادة, المستشار الامريكي من أصل أفغاني لرئيس بوش, هو الذي سيملكها)0 الآن أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش رسميا عن تعيين زادة ( سفيرا فوق العادة لدى العراقيين الاحرار)0 وفي رأينا أن هذه الخطوة تعتبر نقلة أمريكية نوعية بأتجاه حسم الامور في العراق, وفقا للخيار الأمريكي, وليس وفقا لأي خيار أخر0 في واقع الحال, أن تعيين زادة (سفيرا امريكيا لدى العراقيين الاحرار) هو, بمثابة (حجارة) أمريكية,أريد لها ان تضرب (عصافير) عديدة, في آن واحد0 الأول, هو العصفور العراقي, الذي سبق لوزيرة الخارجية الامريكية السابقة مادلين أوبرايت أن قالت, قبل سنوات, أنه ( موضوع داخل قفص, لا يمكنه أن يتحرك أكثر من المساحة المعطاة له)0 وها هي (حجارة) خليل زادة تقضي عليه في قفصه, حتى قبل أن يقع في الفخ المسمى قرار 1441, الذي نصبته الادارة الامريكية0 العصفور الأخر الذي ضربته (حجارة) خليل زادة هو, العصفور الأوربي, والفرنسي تحديدا0 فبعد أن خيرت الادارة الامريكية الفرنسيين بين القبول بموت صدام حسين بقرار من مجلس الامن, أو بدونه, أختاروا الحل الاول, ظنا منهم أن القرار 1441 قد ( يشعل ضوء في نهاية النفق). وها هو تعيين (سفير) امريكي لدى (العراقيين الاحرار) يبدد كل الامال الفرنسية والأوربية الرافضة لخيار الحرب والاطاحة بالنظام العراقي0 والعصفور الثالث الذي ضربته (حجارة) زلماي الامريكية هو, المؤسسة العراقية, التي ما يزال بعض قادتها يعتقدون بان الولايات المتحدة غير مصممة على التخلص من رئيسهم صدام حسين0 وها هي الادارة الامريكية تخيرهم بين ان يكونوا ضمن (العراقيين الاحرار) الذين لن يطالهم العقاب, او ضمن العراقيين (العبيد) الذين سيقدمون الى محاكمة دولية, إذا أصروا على البقاء بجانب رئيسهم0 أما العصفور الرابع فهو, الدول العربية الرافضة أو غير المتحمسة لشن حرب ضد بغداد, والتي ما تزال تعول على امكانية نجاح مهمة المفتشين الدوليين في العراق0 وها هي حجارة (زلماي) تصيبهم في مقتل0 والعصفور الخامس هو (المعارضة العراقية التي من المقرر ان تعقد مؤتمرها القادم في غضون الايام المقبلة في لندن, فالادارة الامريكية قالت, الان, انها دخلت في مرحلة تعيين (سفيرا) لها, وما على المترددين داخل هذه المعارضة الا ان يحزموا امورهم كعراقيين (احرار) ووضع ايديهم بيد الادارة الامريكية, قبل فوات الاوان 0 والعصفور الاخر, وليس الاخير, الذي يراد للحجارة الامريكية ان تضربه هو, لجنة التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل, نفسها0 فقد ادرك الان بليكس والبرادعي أن عملهما في العراق لن يكون له, بعد الآن معنى, بعد أن عين البيت الأبيض ( سفيرا) له لدى (حكومة) عراقية يديرها عراقيون (احرار), وليست تلك الحكومة التي يترأسها صدام حسين.
&
واذا كان تعيين زلماي خليل زادة (سفيرا), هو حجارة أمريكية, فأن التقرير الذي اصدرته وزارة الخارجية البريطانية حول انتهاك حقوق الانسان في العراق, واتهام صدام ونجليه ومسؤولين عراقيين اخرين بارتكاب (جرائم) ضد مواطنيهم,هو (الرماد) التي اختارت بريطانيا, الأن وليس في أي وقت مضى, لذره في عيون الرئيس العراقي, وكل الأعين الأخرى الرافضة لخيار الحرب0 إنها لغفلة سياسية ان يقال بان تزامن الخطوتين الامريكية والبريطانية هو, مجرد توارد خواطر, أو مصادفة غير مقصودة0 فالخطوتين تكمل احدهما الاخرى0 تعيين زادة (سفيرا) هو اعتراف امريكي بعدم شرعية نظام الرئيس صدام حسين, ورحيله الاكيد0 والتقرير البريطاني هو تمهيد لاحالة صدام حسين (الذي اطاح القرار الامريكي بشرعيته) الى محاكمة دولية0 وإلا, فهل عرفت بريطانيا, الآن فقط, بان صدام حسين ارتكب انتهاكات لحقوق الانسان داخل العراق؟
&
هل ستبقى اهمية, بعد هذين الخطوتين الامريكية والبريطانية, للتقرير الذي يفترض ان تقدمه الحكومة العراقية حول ما يفترض ان تمتلكه من اسلحة دمار شامل, يوم الثامن هذا الشهر ؟
بالتاكيد, لا0 وكل ما تريده الولايات المتحدة هو الاستمرار في نهاية (لعبة) المفتشين الدوليين, انتظارا لحلول (الوقت والمناخ) المناسبين لشن هجومها المرتقب ضد بغداد, والاعلان فعليا ورسميا, هذه المرة, عن تعيين زلماي خليل زادة ( منسقا عاما) مع النظام العراقي البديل.
&
يبقى ان نقول ان جميع محاولات الرئيس العراقي للافلات من فخ القرار 1441, وهجره للعاصمة العراقية واتخاذه من منطقة (الحبانية) الواقعة غرب بغداد مقرا له, مثلما تفيد الاخبار, و ربما الاشاعات القادمة من بغداد, سيكون بدون جدوى0 الحل الاوحد امامه هو التمعن جيدا بمغزى الخطوة الامريكية, ومواجهتها بمسؤولية, والاقدام على مفاتحة "سفير" دولة اجنبية, لقبوله فيها, وبالتالي تجنيب العراق وسكانه كارثة الحرب, التي بدأت تدق ابواب العراق, قولا وفعلا.