واشنطن ـ محمود شمام : تؤكد المؤشرات أن الرياض وواشنطن على وشك تجاوز "أزمة الأميرة هيفاء" باتجاه التوصل الى ما وصفته مصادر مطلعة باتفاق سياسي يحدد بوضوح شديد خطوات يلتزم بها الطرفان. وعلمت "الوطن" أن الاجتماع الثنائي بين الأمير بندر بن سلطان ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس الأسبوع الماضي قد خصص لبحث الخطوط العريضة لهذا الاتفاق، حيث لوحظ ان السفير السعودي قد طار عقب الاجتماع مباشرة الى السعودية حيث أجتمع على الفور بولي العهد السعودي الأمير عبد الله وأطلعه على التوجهات الأمريكية لتأمين العلاقات الأمريكية السعودية الإستراتيجية.
وتحدث مصدر مطلع على اسلوب تفكير الطرفين انه كان هناك اتفاق على ان محاولات دق إسفين في العلاقة بين الطرفين يوشك ان يحقق نجاحا ما لم يبادر كلاهما ببذل جهد إضافي في تجاهل الثانوي من الأمور والتركيز على البعد الإستراتيجي لهذه العلاقة الحيوية. وعلمت "الوطن" أن الطرف الأمريكي يركز على أمور رئيسة منها:
- أهمية أن تعلن السعودية موقفا واضحا من الحرب التي تزمع واشنطن شنها ضد العراق. وان البنية التحتية اللوجستية السعودية لا سيما قاعدة سلطان الجوية هو أمر لا غنى عنه للحملة العسكرية الأمريكية. وان الأحاديث عن بدائل أخرى في قطر والكويت غير كافية. وقد أوضحت السعودية استعدادها للقيام بما هو مطلوب منها على شرط ان يكون هناك إخراج مقبول للموافقة السعودية.
- أهمية ان تقوم السعودية بتطمين أسواق النفط الدولية. وقد أرسل وكيل وزارة الخارجية للشؤون الاقتصادية الى الرياض لتنسيق التحرك النفطي المطلوب.
- أهمية اخضاع الأعمال الخيرية الى رقابة مشددة يتدخل فيها الأمريكيون بشكل مباشر. وقد أقترح الأمريكيون فرض رقابة تامة على التحويلات المالية للخارج، واعداد قوائم مشبوهين ماليا، والسماح لمراجعي حسابات تختارهم واشنطن للتدقيق في السجلات المالية السعودية وهو أمر لا تزال السعودية ترفضه بشدة.
- أن تفك السعودية ارتباطها التام بالمنظمات الإسلامية التي تصمها واشنطن بالإرهاب، وان تنشىء لجانا مشتركة لتعقب ما تسميهم واشنطن بالإرهابيين على غرار ما تقوم به الولايات المتحدة مع دول أخرى كاليمن وباكستان.
وترى مجلة (نيوزويك) أن ثمة اشارات تفيد بأن السعوديين ربما استوعبوا فحوى الرسالة، حيث علمت (نيوزويك) أن السعوديين جاهزون للاعتراف للمرة الأولى بأن هناك حقا مشكلات جدّية في الكيفية التي أدارت بها منظماتهم الخيرية أعمالها ـ وأن عشرات ملايين الدولارات ربّما أُسيء انفاقها. ولقد أخبر مسؤول سعودي نيوزويك: "هناك أموال كثيرة لا سجلات لها، فمنظماتنا الخيرية كانت تتلقى كميات ضخمة من الأموال... دون أن تكون لها أدنى فكرة عن أين تذهب هذه الأموال. وما حدث هو عملية احتيال ضخمة باسم الدين". وقد جاء هذا متواقتا أيضا مع ما أعلنه عادل الجبير المستشار السياسي لولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز يوم الأحد في مقابلة مع شبكة سي.ان.ان بان "بعض المنظمات الخيرية ليس لها ما يكفي من آليات الرقابة". وأعترف بأنه كان هناك خلل تم إصلاحه منها عناصر سيئة بالتسلل الى المنظمات الخيرية التى ترعاها السعودية في شتى أنحاء المعمورة.
ومن جهتها طلبت السعودية ايقاف التسريبات الظالمة والمحاولات المتكررة لإقحام أمراء العائلة ومحاولات وصمهم بتشجيع الإرهاب. وعلمت "الوطن" أن هناك مرارة سعودية بالذات تجاه المحاولات التي لا تتوقف للزج باسم الأمير تركي بن فيصل. وذكرت مصادر ان المرارة تشوب حتى دوائر استخبارية أمريكية تعرف ان الأمير تركي بحكم قيادته لجهاز الاستخبارات لسنوات عديدة مطلع على كم هائل من المعلومات لا تخص السعودية وحدها. وحذرت مصادر في هذه الأجهزة قيادات في الكونغرس بأن بعض الأطراف المعادية للسعودية تلعب بالنار وهي تحرض على استدعاء تركي الفيصل للإدلاء بشهادته في قضية ادعاء مدني رفعت ضده وضد أمراء سعوديين آخرين.
وتشعر السعودية بأنها قد تكون أيضا ضحية صراع خفي يدور في كواليس السياسة الأمريكية بين السي أي أيه ووزارة الخارجية في طرف ووزارة الدفاع وبعض مستشاري نائب الرئيس تشيني وبعض الموظفين من المستوى المتوسط قي مجلس الأمن القومي في الطرف الأخر. ورغم أنه لم يبد أن الأمير بندر بن سلطان قد أشتكى مباشرة لكونداليزا رايس من التسريبات اليومية التي تخرج كل يوم من مكتبها، إلا أن معلومات تسربت على أن الرياض طلبت عدم إحراجها في استقبال وكيل وزارة الدفاع وولوفتز وهو أحد الصقور، خلال جولة له في المنطقة. ومن المحتمل أن يتم إرسال وكيل وزارة الخارجية ريتشارد أرميتاج نيابة عنه.
وقللت بعض المصادر من حجم الجفاء السعودي الأمريكي وبينت أن للسعودية أصدقاء نافذين في واشنطن وأنهم يدعمون الرياض بشكل مستمر وسري في معظم الأحوال.
بل في هذا الاتجاه أيضاً، فقد أعلن المستشار السياسي لولي العهد السعودي ان السعودية توقفت عن دفع الأموال مباشرة لعائلات "الانتحاريين" الفلسطينيين ولكنها تمول منظمات انسانية تساعد العائلات المحتاجة.
وقال عادل الجبير لشبكة "سي.ان.ان" التلفزيونية "ما نقوم به في هذه الحالة هو تقديم الاموال للصليب الأحمر الفلسطيني والصليب الأحمر الدولي وكذلك الى الهلال الأحمر والى منظمات الامم المتحدة التي تقدم الاموال للعائلات المحتاجة".
واضاف "نحن لا نشجع العمليات الانتحارية، ان المفتي الأكبر في المملكة العربية السعودية ندد منذ أكثر من عام بالعمليات الانتحارية واعتبر انها غير اخلاقية".
وكشفت (نيوزويك) أن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في مدينة شيكاغو كانوا يتابعون تحقيقات في عمليات تمويل إرهابية مفترضة في 1998، صادفوا أثرا ماليا غريبا سرعان ما قادهم إلى مستنقع دبلوماسي. فقد تلقت إحدى الشركات الكيمائية المحلية التي كان يُشتبه في قيامها بعمليات غسيل أموال لصالح حركة حماس، دفعة نقدية قيمتها 1.2 مليون دولار من منظمة الإغاثة الدولية، الفرع الأمريكي لواحدة من أكبر المنظمات الخيرية الإسلامية. واكتشف المحقّقون المصمّمون على "تتبع أثر الأموال"، أن أثر بعض التمويل الذي تتلقاه المنظمة يقود إلى مصدر حساس يبعث على الدهشة وهي السفارة السعودية في واشنطن.
وأطلق تدفق الأموال السعودية أجراس الإنذار في واشنطن. وأبلغ مسؤولو رفيعي المستوى بوزارة العدل المحققين بأن يتحركوا بشكل حذر. وظهر أن بعض كبار المسؤولين بالوزارة كانوا يشعرون بأن التحقيقات في العمليات المالية السعودية قد تعرّض العلاقات الأمريكية- السعودية للخطر. ونسبت الى أحد المحققين قوله: "لقد كان هناك قلق بشأن الأمن القومي". وفعل المحققون ما أُمروا به. فقد تم تحرير شهادة محكمة تقدّم بيانات تفصيلية حول تمويلات تصل قيمتها إلى 400.00 دولار على نحو حذر أفضى إلى إسقاط أية إشارة إلى الأموال السعودية. وبدلا من ذلك، تشير الوثيقة بصورة مداهًنة إلى أموال من "سفارة حكومة أجنبية" لم يتم تحديد هويتها. وتمت إدانة رئيس الشركة الكيميائية فيما بعد بتهمة الاحتيال، غير أنه لم يتم أبدا توجيه أية تهم ضد المنظمة الخيرية المموّلة سعوديا.
ونقلت نيوزويك شكوى لمحققين من أن مسؤولين بوزارة العدل حاولوا أن يثنوهم عن متابعة التحقيق في علاقات المنظمة المحتملة بالإرهاب.
ومن الواضح ان الهجوم المضاد للدبلوماسية السعودية والذي قاده السفير السعودي المخضرم في واشنطن قد أوقف لبعض الوقت حملة اليمين الأمريكي ، وأعطى مجالا لأصدقاء الرياض لتحسين مواقعهم. لكن إخراس هذه الأصوات قد يتطلب ثمنا لا تستطيع السعودية دفعه في ظل أجواء الكراهية المتزايدة للولايات المتحدة داخل السعودية وفي بقية العالم العربي. وعلى حد تعبير دبلوماسي عربي في واشنطن "ان لم تساعد واشنطن نفسها فقد لا يمكن أبدا للرياض أن تساعدها!.