&
&لو كان الملف العراقي بيد الإنجليز ـ كليا ـ أظن أنهم سوف يلغون قرار الحرب على العراق لأسباب كثيرة منها أن خبرتهم التاريخية في الشؤون العراقية ربما تؤهلهم لتوظيفها باتجاه حل سياسي شامل للأزمة، فلدى الإنجليز اتصالات قديمة وواسعة بالنخبة السياسية في العراق (أحزاب، مفكرون، سياسيون، عسكريون، تجار، تكنوقراط، أقليات) ونظرا لذلك سنلاحظ أن تقاريرهم السياسية والاستخباراتية في مكتبة وزارة الخارجية البريطانية عن العراق تحتضن قاعدة معلوماتية وتحليلية تأخذ طريقها إلى العقل العام للنخبة السياسية العراقية بسرعة تفوق التقارير الأمريكية النيّئة. أضف إلى ذلك فإن العلاقات التاريخية بين الإنجليز وحزب البعث الحاكم في بغداد ربما تعطي الإنجليز فرصة للتدخل السياسي المثمر لولا تحريش الأمريكان "الاعلامي" المستمر بالعراق وجنوحهم للاثارة السياسية وارتباطهم المستمر والمؤكد يوميا بالمنظور الصهيوني للشأن العراقي. فوق ذلك فإن الإنجليز قد أتقنوا فنا سياسيا مارسوه في العراق والخليج وقد أثمر في معظم الحالات نجاحات أبعدت المنطقة عن التغييرات الدراماتيكية وهذا الفن هو "ثورة داخل القصر" أي تغيير (ضمن النظام) يؤدي (تدريجيا) إلى تغيير في نهج النظام. فعل الإنجليز ذلك في العراق 1936 (بكر صدقي) و1941 (رشيد عالي الكيلاني) و1951 (نوري السعيد) وفعل الإنجليز ذلك في ثلاث دول خليجية خلال الستينيات والسبعينيات ونجحوا في الحالات الثلاث. ومن يقرأ مذكرات همفري تريفليان Humphrey Trevelyan سفير بريطانيا في العراق 1959 والعلاقات الشخصية التي نشأت بينه وعبد الكريم قاسم كانت من العوامل الرئيسة التي نزعت فتيل المطالبة العراقية بالكويت 1961 وتوجيه قاسم ـ بدعم بريطاني ـ نحو بناء العراق في الداخل لتشكيل محور عربي جديد منافس لعبدالناصر.
? التنافس الأنجلو ـ أمريكي على العراق قد يم جدا وفي ظني أنه ما زال قائما، هذا ما يفسر حرص الأمريكان الشديد على ألا يعطوا الإنجليز الدور الرائد في الملف العراقي إذ لو فعلوا ذلك لأكل الإنجليز من فوقهم ومن تحت أرجلهم في العراق ولتركوا الفتات للأمريكان. المخيف في الموضوع أن لدى الأمريكان العضلات وليس لديهم الخبرة السياسية الكافية في الشؤون العراقية، بينما سنلاحظ أن الإنجليز لديهم الخبرة السياسية فقط ـ وهي خبرة محل تقدير لدى الأمريكان لكن لا أظن أنها محل ثقتهم. هذه المعادلة الحرجة بين الأمريكان والإنجليز سيكون لها الأثر على مستقبل العراق حتما في حال تصاعد العمل العسكري الأنجلو ـ أمريكي ضد العراق.