تونس: "إيلاف" من حكمت الحاج: إنصافا لكل الزعماء والمناضلين والمقاومين والشهداء وتخليدا لكفاحهم ومآثرهم أعلن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قراره بإقامة نصب تذكارى للمرحوم فرحات حشاد في المكان الذي تم فيه اغتياله وتسمية الطريق المؤدى إلى منطقة "نعسان" باسم فرحات حشاد وذلك علاوة علي ما أذن به رئيس الدولة من توسيع ضريحه وتحسينه حتي يكون لائقا بمقامه مناسبا لنضاله وتضحياته.
وأكد الرئيس ان الشهيد فرحات حشاد رمز وضاء في تاريخ البلاد الوطني وعلم خالد من أعلام تونس والمنطقة المغاربية والعربية والإفريقية ارتقي بتضحياته الجسام وبحياته التي دفعها ثمنا لكفاحه المستميت إلى مصاف اعظم مناضلي الإنسانية من اجل تحرير البشر من القهر والعبودية وتحقيق كرامة الإنسان.
وألقى السيد الشاذلي القليبي بهذه المناسبة محاضرة استهلها بالتنويه بتكريم الشهيد فرحات حشاد بإشراف رئيس الدولة شخصيا وذلك الى جانب سائر التظاهرات التي أذن سيادته بتنظيمها والمشاريع التي أمر بإنجازها تخليدا لهذه الذكرى العظيمة.
وبين ان الشهيد فرحات حشاد جدير بلفتة الوفاء هذه وبان تحتفى تونس بمرور خمسين سنة على استشهاده وهو لا يزال في مقتبل العمر لم يبلغ بعد الأربعين شهابا ساطعا كما قيل عنه ساهم في التعجيل بفجر الاستقلال لتونس ولشعوب المنطقة إذ كان لمقتله صدى عظيم استنهض الهمم وأذكى روح التضحية.
واستعرض المحاضر مختلف مراحل مسيرة حشاد منذ دخوله معترك الحياة فور حصوله على الشهادة الابتدائية بتفوق وانخراطه في العمل النقابي في صفوف منظمة "س ج ت" الفرنسية مما مكنه من الوقوف على ما يعانيه الشغالون التونسيون في مختلف المجالات لاسيما في قطاع المناجم كما اكتسب ثقافة اجتماعية واقتصادية أدرك في ضوئها ان الكفاح الاجتماعي وحده لا يفي بحاجة الشغالين وانه لابد من اقترانه بالكفاح الوطني الذي كان يقوده الحزب الحر الدستورى وزعماءه ومؤسسوه وفي مقدمتهم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.
وأضاف الشاذلي القليبي قائلا بان الزعيم فرحات حشاد حصلت لديه القناعة بضرورة الانسلاخ من المركزية الفرنسية وإنشاء هياكل تونسية مستقلة وهو في ذلك يربط الصلة بما نهج له سلفه محمد علي في العشرينات بملحمته الرائعة التي أدت به الى المنفى ثم الى الموت بعيدا عن وطنه.
ففي 20 جانفي 1946 تم تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان يحلم به محمد علي وانتخب فرحات حشاد أمينا عاما بالإجماع لما اكتسبه من سمعة في النضال ولكن أيضا لما تحلى به أثناء المؤتمر الذي انعقد بقاعة الخلدونية وبرئاسة الشيخ الفاضل ابن عاشور من اتزان في الفكر وبلاغة في الحجة وقدرة على الحوار.
وأكد السيد الشاذلي القليبي في محاضرته ان من الثوابت التي يركز عليها فرحات حشاد انه لابد للاتحاد من ان يغرس في نفس العامل التونسي عقيدة ان الكفاح الاجتماعي مرتبط بالكفاح العام لتحرير الوطن ارتباطا لا ينفصم كما انه وبقدر ما كان يتحمس لقضية العمال كان يؤمن بإمكان التوفيق بين مقتضيات راس المال الوطني وحاجات الشغالين المشروعة.
ومن هذا المنطلق يقول المحاضر كانت عقيدة حشاد الراسخة ان الانتماء الى تونس يفرض على راس المال وعلى العمل في ان واحد ان يكونا على علاقة ترابط بل تضامن لاحتياج كل منهما الى الآخر وقيام كليهما بواجب قومي.
وكان التماسك في فكر فرحات حشاد بين البعدين الاجتماعي والسياسي سبب إشعاع الاتحاد الواسع وقدرته على الاستقطاب والدفع.
وأشار السيد الشاذلي القليبي الى انه كانت للاتحاد منذ قيامه سلسلة من النضالات ضد القوى الاستعمارية ومن اشهرها حوادث صفاقس في أوت 1947 وحوادث النفيضة في نوفمبر 1950 .
وفي مارس 1951 تم قبول الاتحاد في المنظمة النقابية العالمية الموالية لما كان يسمى ب "العالم الحر" بعد انسحابه من العالمية التابعة للكتلة الشيوعية وقد مكن انضمام الاتحاد الى السيزل فرحات حشاد من حضور مؤتمر المنظمة بميلانو في أوائل جويلية 1951 حيث انتخب نائبا لرئيس المنظمة مكلفا بالقارة الإفريقية.
واستطاع ان يدخل في لوائح المؤتمر فقرات تتعلق بالشعوب المولى عليها. وفي أفريل زار العاصمة الأمريكية ومقر الأمم المتحدة بنيويورك في إطار المساعي الرامية الى عرض القضية التونسية على مجلس الأمن وحمل أصدقاء الاتحاد على مساندة تدويل القضية. وفي سبتمبر أمكن له ان يقيم علاقات حميمة مع المركزية الكبرى " أ اف ال " إذ دعي الى حضور مؤتمرها بسان فرانسيسكو.&وأشار المحاضر الى ضرورة التذكير هنا بدور الزعيم الحبيب بورقيبة آنذاك في الوفد النقابي التونسي وكان من نتائج النشاط الذي بذله الوفد ان اتخذت القضية التونسية حيزا كبيرا في الصحافة الأمريكية وحظيت باهتمام واسع لا فقط لدى الأوساط النقابية بل أيضا في الدوائر السياسية. ولما اعتقل الزعماء في مطلع سنة 1952 كان من الطبيعي ان تتجه الأنظار خارج السجون والمنافي الى فرحات حشاد وفعلا اضطلع بمسؤولية متابعة الكفاح الوطني. واغتنم عيد الشغل في غرة ماي 1952 فوجه نداء الى كل الشغالين حاثا إياهم ان يجعلوه يوم الكفاح من اجل تحرير الوطن.
وكان المقيم الفرنسي مصرا على التخلص من فرحات حشاد لاعتبارات متضافرة في تقديره منها دور حشاد في تنشيط الكفاح الميداني وحثه الباى على التصلب ومنها مطالبة زعماء الجالية الفرنسية بعزل القصر وبث الرعب في حاشية الباى وربما أيضا لقرب بدء المداولات بالأمم المتحدة في خصوص القضية التونسية وخشية المقيم ان يحضر فرحات حشاد بنفسه تلك الجلسات.
لكل هذه الأسباب كما يقول المحاضر فقد اغتيل فرحات حشاد بواسطة "اليد الحمراء" وهي منظمة إرهابية كان يظن ان غلاة الاستعمار أنشؤوها للانتقام من الوطنيين التونسيين لكن اتضح من الوثائق التي افرج عنها أنها كانت تابعة مباشرة للمخابرات الفرنسية.