إيلاف: بريمو ليفي واحد من كبار الرواية الإيطالية. ولد في مدينة تورين عام 1919. في قمة سعير الحرب العالمية الثانية، التحق بفرق الانصار الشيوعية... على انه سرعان ما ألقي القبض عليه فأودع السجون النازية الألمانية. مهنته كصيدلي أنقذته من موت محتم. وبعد ان تم تحرير بعض المعسكرات الألمانية على يد الجيش الروسي الأحمر، أطلق سراحه فعاد الى بلده. اصدر عام 1947 روايته الشهيرة "لو هذا إنسان" تروي الرعب في المعسكرات النازية. عمل مشرفا في أحد معامل إنتاج الأدوية حتى 1977 العام الذي تقاعد فيه واعتبارا قرر ان يخصص معظم أوقاته للكتابة. واشهر روايته هي "السستم الدوري" و"الغرقى والناجون". له كتاب يضم اجمل المقالات "صانع المرايا". أعماله الشعرية كلها لا تتجاوز المائة صفحة، لكنها تنطوي على شعر متخلص من كل ميوعة الغنائية؛ شعر يفيض برؤيا وبقوة رصد للأشياء، للجوامد، للعالم الذي يحيط بنا وبكل ما نتخيله، تتجلى بأوضح العبارات المستندة على التشخيص بكلمات تشتغل كالمبضع في لحم الأشياء التي تصطدم بها أعيننا كل لحظة. كم نعاني من الغبار، من طنين الذبابة، ومن اقتحام اللصوص.. من النسيان، من الجيف ومن سارقي حياتنا... ولم نعر أهمية لهذا الجزء الذي بات غير منفصل عن سيرورة حياتنا.
&
في صباح يوم السبت المصادف 11 آذار (ابريل) 1987، استيقظ ليفي بريمو مرعوبا، بكابوس الشعور بأن "قصته المؤلمة" أخذت تبدو شفرة لا يمكن فك رموزها لأي آخر غيره... تحت سطوة هذا الشعور بعقم الكتابة وبرتابة الحياة وكأنه قد حكم عليه ان يتلاشى في غياهب تجربته هو، فتح بريمو ليفي الباب وتوجه الى المصعد وألقى بنفسه في الفراغ السحيق واضعا حدا لكل التساؤلات المخيفة التي يعاني منها الكاتب الحقيقي، والتي غالبا ما تبقى بلا أجوبة.
&
&
الذبابة
&
لا أحدَ غيري هنا؛ إنّه
مستشفى نظيف.
أنا الرسولة.
ليس ثمة أبواب مغلقة دوني،
ثمّة نافذة ما على الدوام،
شقٌّ، ثقبُ مفتاح.
أجد الكثير من الأكل
الذي يتركه& الشباعى
ومن لم يعد في قدرته الأكل.
كما أستدرُّ الغذاء
من المخدرات المهملة
بما أن لا شيء يؤلمني،
فكلّ شيء يغذّيني، يقوّيني ويخدمني:
المادة الخسيسة والنبيلة،
الدم، القيح وفضلات المطبخ.
كلّ شيء أحوّله إلى طاقة للطيران؛
وظيفتي تستحثّني.
أنا آخر من يقبّل الشفاه المحترقة
لمحتَضَر أو لِـمَن لقيَ حتفه.
أنا ذات شأن. طنيني
الرتيب، مزعجٌ وبلا معنى،
يكرّرُ على هؤلاء الذين يعبرون العتبة
رسالة العالم الوحيدة:
هنا أنا ربّة البيت،
الحرّة الوحيدة، موفورة الصحة ولاتقف عند حدّ.
&
&
غبار
&
كم من غبار يحط
على نسيج الحياة العصبي
غبار لا ثقل له ولا صوت
بلا لون ويلا هدف؛ يحجب يمحي
يحذف، يخفي، يشل.
إنه لا يقتل وإنما يطفئ
ليس ميتا انه نائم فحسب
انه يغذي الجراثيم الدقيقة الألفية
المؤذية مستقبلا
ديدان دقيقة في انتظار
التشقق، التحلل والانفصال
فخ خالص مبهم
وعلى استعداد لأي هجوم مقبل.
عقم سيتحول إلى طاقة
تلبيةً لإشارة صامتة
لكنه يغذي أيضا بذورا مختلفة
بعضها شبه نائم سينمو أفكارا
كل بذرة حبلى بكون جديد
لا يرى جميل وغريب.
لذا يتوجب الاحترام والخشية من
هذا الرداء الرمادي المنعدم الشكل
فانه يحتوي على الخير والشر
الخطر وعلى عدة أشياء مكتوبة
&
&
اللصوص
&
يجيئون في الليل، كخيوط الضباب،
وكثيراً ما يأتون في وضح النهار.
دون أن يُرَوا، يتسربون خلال
الشقوق، ثُقوب المفاتيح،
دون ضجيج، لا يتركون أثراً،
أو قفلاً مخلوعاً، أو فوضى.
إنّهم لصوصُ الزمن
خفاف ولَزجون كثمرة اللِيتْشِي الصينية
يشربون زمانك ويبصقونه
بنفس الطريقة التي تقذف بها نفاية.
لا تراهم أبداً وجهاً لوجه. وهل من وجوه لهم يا تُرى؟
شفاهٌ ولسان ­ نعم، بكل تأكيد
وسنٌ صغيرةٌ مدببة.
إنّهم يمصّون دون أن يحدثوا ألماً
يتركون فقط ندبةً شاحبة.