داود البصري
&
لاشك في أن الأوضاع التي يعيشها العراق اليوم والإحتمالات والتداعيات التي ستتقرر خلال المرحلة القريبة القادمة قد أدت إلى فرض متغيرات وأساليب عمل سياسية جديدة للعديد من دول الإقليم الخليجي والذي سيتأثر بطبيعة الحال تأثرا مباشرا وفاعلا بالمتغيرات المحتملة في العراق، فالعراق وإن لم يصنف من الناحية السياسية المباشرة كدولة خليجية إلا أن حقيقة الوضع الجيوسياسي للعراق تجعله في عمق الهموم الخليجية وضعا وإنتماءا ومصالح إستراتيجية، وقد إستثمر النظام العراقي هذه النقطة سلبيا وعمل منذ بواكير أيامه على رفع شعارات المزايدة والتغلغل الإستخباري في الخليج العربي ودوله تحت ذرائع ومسميات وأطر لاعلاقه لها بالهموم الخليجية المشتركة بقدر علاقتها بترتيبات البيت الداخلي في العراق ومحاولة الهيمنة على المنطقة تحت غطاء كثيف من الدعايات القومية الموجهة التي تحمل سمات التبشير السياسي والإستخباري ومحاولة شراء الذمم وترتيب النفوذ والمواقع وهو ماوضحته بالكامل حماقة غزو وإنتهاك دولة الكويت ومحاولته سلب الإستقلال السياسي للدولة الكويتية من خلال المراهنة على بعض الأسماء والرموز الوطنية في الكويت والتي تقف موقف المعارضة السياسية من الحكومة هناك إلا أنه فشل فشلا ذريعا في فهم وقراءة الواقع المجتمعي الخليجي كما فشل فشلا ذريعا ومضاعفا في قراءة تطورات الأوضاع الدولية وحقائق التحدي والإستجابة في العلاقات الدولية وهو ما أدى إلى الكارثة التي يعيشها العراق والعالم العربي بشكل عام!
خلال مرحلة الإستقلال الوطني الخليجي والذي شهد بواكيره في الكويت عام 1961 ومن ثم بروز الكيانات الخليجية الأخرى التي أعقبت الإنسحاب البريطاني من شرق السويس أواخر الستينيات كانت العلاقات العراقية الرسمية مع الدول الخليجية الناشئة الجديدة تتراوح بين المد والجزر ولم تكن تحمل سمات الإطمئنان أو الثقة المتبادلة لاسيما وأن سابقة مطالبة رئيس الوزراء العراقي الأسبق اللواء عبد الكريم قاسم بالكويت في حزيران / يونيو 1961 والتي توقفت عند حدود المطالبة اللفظية ولم تتطور لأعمال عسكرية بفعل الظروف والواقع العربي والدولي السائد حينذاك وتجمدت حتى جاء نظام البعث الأول في 8 شباط / فبراير 1963 الذي رتب هدنة هشة.
خلال مرحلة الإستقلال الوطني الخليجي والذي شهد بواكيره في الكويت عام 1961 ومن ثم بروز الكيانات الخليجية الأخرى التي أعقبت الإنسحاب البريطاني من شرق السويس أواخر الستينيات كانت العلاقات العراقية الرسمية مع الدول الخليجية الناشئة الجديدة تتراوح بين المد والجزر ولم تكن تحمل سمات الإطمئنان أو الثقة المتبادلة لاسيما وأن سابقة مطالبة رئيس الوزراء العراقي الأسبق اللواء عبد الكريم قاسم بالكويت في حزيران / يونيو 1961 والتي توقفت عند حدود المطالبة اللفظية ولم تتطور لأعمال عسكرية بفعل الظروف والواقع العربي والدولي السائد حينذاك وتجمدت حتى جاء نظام البعث الأول في 8 شباط / فبراير 1963 الذي رتب هدنة هشة عن طريق الإعتراف الحكومي العراقي بإستقلال وسيادة دولة الكويت في أكتوبر 1963 رغم أن ذلك الإعتراف لم ينه الموقف نهائيا بل أجل الصراع لسنوات قادمة بفعل عدم الإتفاق على صيغة نهائية ومبرمة لترسيم الحدود والتي ظلت لغما مؤقتا جاهزا للإنفجار في أية لحظة وقد إتخذت حكومة البعث الثانية التي جاءت في تموز / يوليو 1968 منها ( مسمار جحا ) في التهرب من تصفية الموقف السياسي تصفية نهائية، فكان الصراع السلطوي العراقي ضد سياسات شاه إيران في السبعينيات والتي أدت لبروز إيران كقوة مهيمنة في الخليج خصوصا بعد أن سيطرت على الجزر الإماراتية الثلاث في رأس الخليج العربي طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى وكذلك جزيرة سيري وماتزال حتى اليوم وهو تطور جيوسياسي لم يملك معه النظام العراقي سوى الجعجعة بحروب الكلمات الفارغة التي لاتسمن ولاتغني من جوع بل أن النظام العراقي رغم جعجعته الإعلامية تنازل هو ذاته أمام المطالبات الإيرانية عن حق العراق التاريخي في شط العرب وتقاسمه مع الشاه الإيراني في خطوة لم يقدم عليها الحكم الملكي السابق في العراق وأيام المرحوم نوري السعيد الذي عقد المعاهدات مع إيران دون التنازل عن حق السيادة العراقية في شط العرب وقد أدى الموقف الرسمي العراقي إلى ضيق الإطلالة العراقية على الخليج وكان أحد الأسباب المباشرة لإندلاع حرب عراقية / إيرانية شرسة ساهمت في إضعاف الأمن الخليجي من كل النواحي؟
وخلال سنوات الصراع السياسي في العراق كان الملف العراقي مطروحا في الدول الخليجية على أساس عدم الرغبة في التدخل في الشؤون العراقية والخشية من إستثارة السلطات العراقية وحالة التحفظ المشوب بالحذر في العلاقة مع العراق وإن كان ذلك الحال لم يمنع حالات التواصل الإنسانية بين الشعب العراقي والشعوب الخليجية وتسرب أعداد كبيرة من الهاربين من العراق لأسباب سياسية محضة للعمل في دول الخليج العربية ومن أبرزها الكويت بطبيعة الحال لقربها الجغرافي الشديد من تخوم العراق الجنوبية ولحالات التواصل والقربى الأسرية بين العوائل الكويتية والبصرية والإمتدادات القبلية وصلات الرحم والمصاهرة إضافة لممتلكات الكويتيين في بساتين شط العرب وفي أبي الخصيب والزبير، وجميعها عوامل إنسانية محضة لاعلاقة لها بحالات المد والجزر في العلاقات السياسية المتقلبة؟
ومع إشتداد الأزمة الداخلية في العراق وصعود التيار التصفوي الإستئصالي والذي يمثله جناح صدام حسين للسلطة الأولى في العراق عام 1979 وبداية الإصطدام الحاد بين القوى السياسية العراقية والسلطات ومع تصاعد حالة المد الثوري والديني في المنطقة مع نجاح الثورة الإيرانية وماتركته من تأثيرات في الأوضاع الخليجية الهشة وبروز الشعارات الدينية ذات الطابع الطائفي والتي حفزتها رياح طهران الثورية الساخنة زادت سخونة الوضع الداخلي قي العراق لتلتقي مع المخاوف الخليجية من الشعارات الإيرانية التي كانت قوية ومؤثرة في أيامها الأولى وأدارت رؤوس الكثيرين ورفعت الغطاء عن تيارات وإتجاهات كانت نائمة وخامدة قبل أن تعمل رياح الثورية الإيرانية على إيقاظها وتنشيطها لتكون ( حصان طروادة ) الذي إستغله النظام العراقي للتغلغل تحت دواعي الأمن القومي والحفاظ على عروبة الخليج ممهدا الطريق لذلك بحملة قمع داخلي فظيعة في العراق أكلت الأخضر واليابس ومعلنا إجراءات قمع وتطهير عرقي وتصفيات فظيعة في الداخل العراقي ولم ينس أن ينصح الدول الخليجية بإتباعها؟؟ ولكن دول الخليج ذات الأسلوب الدبلوماسي الواعي والمرن كانت أذكى من الوقوع في الفخ الذي كان الحكم العراقي ينصبه بإمعان لتوريط دول المنطقة وربط مصيرها بمصير نظامه وهي الإستراتيجية الثابتة للنظام العراقي والتي قام بغزو الكويت بعد أن شعر من أن خيوط اللعبة قد أفلتت من بين يديه؟!.
لقد أدى إندلاع نار الحرب العراقية / الإيرانية إلى تقارب إستراتيجي ولأول مرة بين المنظومة الخليجية والنظام العراقي وهو تقارب فرضته الظروف الإستراتيجية الملحة، رغم أن العديد من دوائر صنع القرار السياسي في الخليج لم ترغب بالتقارب الشديد والذي بلغ في بعض مراحله تنسيقا شبه كامل، وكانت المعارضة العراقية مغيبة بالكامل حيث أن الإتفاقات الأمنية قد أدت للتضييق على حرية حركة وتنقل المعارضة وتعرضها للمضايقات الشديدة كما حصل في الكويت وبقية دول الخليج العربية، وحتى بعد تغير الصورة الإستراتيجية وخروج النظام العراقي مهزوما في ( أم معاركه ) فإن المعارضة العراقية لم تجد الحظوة والترحيب في الوسط السياسي الخليجي فبإستثناء المملكة العربية السعودية والكويت اللتان إحتفظتا بعلاقات شكلية مع بعض أطراف المعارضة العراقية فإن بقية دول الإقليم كانت خارج الصورة بشكل شبه كامل ! وهي حالة تفصح عن مدى الخشية الخليجية من التورط في الملف العراقي الشائك؟ رغم أن طبيعة العمل السياسي الناجح كان يحتم الإنفتاح الخليجي على المعارضة العراقية كونها تمثل البديل الطبيعي لمستقبل السلطة السياسية في العراق وبعد أن أضحت المعارضة العراقية حالة دولية وليست حالة داخلية خاصة يحاذر العديد الإقتراب منها؟، واليوم برزت مؤشرات على قيام بعض دول الخليج كدولة قطر مثلا بالتنسيق والتواصل مع قطاع حيوي ومهم من المعارضة العراقية ممثلا بجماعة المجلس الأعلى ( جماعة السيد محمد باقر الحكيم ) ومع ( المؤتمر الوطني العراقي ) ومع بعض الشخصيات المستقلة الأخرى وهي إتصالات نعتقد أن الظروف الإقليمية والدولية تحتم قيامها بل وتعزيزها بخطط إستراتيجية للتعاون المستقبلي وبناء أسس سليمة لعلاقات قوية بين عراق المستقبل ودول الخليج تقوم على أسس الصداقة والتعاون وتغليب المصالح المشتركة والإبتعاد عن سياسات التوتر والأزمات التي إستنزفت جميع الأطراف، فمن الواضح لكل ذي بصيرة من أن النظام العراقي يعيش الصفحات الأخيرة من حياته المليئة بكل عوامل وصور الشك والغدر والتوريط وإختلاق الأزمات، وأن صيغة التحريم للقاء الخليجي مع المعارضة العراقية ينبغي أن تنتهي فمصائر الشعوب تحتم فرض العديد من المتغيرات ومصلحة دول الإقليم تكمن في التفاهم والتنسيق مع القوى العراقية الحرة الهادفة للبناء وليس للعبة الشعارات العبثية التي أوردت الجميع مورد الهلاك.
إن الخليجيين وهم يحاورون المعارضة العراقية ويوفرون لها الدعم اللوجستي والمعنوي سيساهمون في رسم صورة المستقبل الخليجي للعراق والذي سيكون مستقبلا مشجعا للتناغم والبناء والتنمية، فهل سيتم التخلي عن سنوات التربص والشك والعداء لصالح أمن قومي وخليجي ستقرره أحداث الأسابيع القادمة.