د. كاظم الموسوي
&
حلف الأطلسي العسكري (الناتو) تأسس في فترة ما بعد قيام جامعة الدول العربية وقبل المصادقة على معاهدة الدفاع العربي المشترك بعام واحد، وفيه مادة خامسة باتفاقية تأسيسه تشبه بمعناها وجوهرها المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية، إضافة إلى المعاهدة المذكورة.
تشكل حلف الناتو على أساس الدفاع عن المعسكر الرأسمالي الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، ضد حلف وارسو، الذي تأسس بالضد منه، للدفاع عن المعسكر الاشتراكي الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي، وكان تأسيس الحلفين تعبيرا صارخا عن الحرب الباردة بين المعسكرين، وسلاحا رادعا لأي منهما ولحلفاء كل طرف منهما وغطاء تنافسيا للحروب السرية التي خاضها الطرفان لتوسيع سيطرة أو هيمنة أو تحالفات كل طرف منهما على حساب الآخر.
يفترض نظريا بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار المنظومة الاشتراكية وزعيمها الاتحاد السوفييتي ورمزها حائط برلين واستفراد الولايات المتحدة الأميركية وانتهاء دور حلف الناتو، خاصة بعد الاتفاقيات الأمنية التي نزعت من روسيا الوريثة الحالية للمعسكر السابق قوتها العسكرية المهددة و جردتها من أعضاء حلفها العسكري، معاهدة وارسو، واحدة بعد أخرى، ليس استقلالا من تحالفاتها معها وحسب بل ونقل البنادق من كتف إلى آخر، والعمل مع القوة الإمبراطورية الجديدة ولمصلحة مشاريعها الامبريالية الواسعة.
لكن الولايات المتحدة وهي القوة الرئيسية بالحلف مع الدول الأوروبية الكبيرة، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وهي الدولة المنتصرة والقطب الواحد في الإدارة السياسية العالمية سعت الى أن تواصل سيطرتها من الطرف الآخر للأطلسي على الطرف الأول وامتداداته في العمقين الأوروبي والآسيوي، وتركز جهودها لفرض هيمنتها العالمية ونشر وجودها العسكري على المعمورة بالقوة التي تملكها وبالقرارات التي تمليها، ومنها استمرار هذا الحلف كذراع عسكرية لها، مثلما كان إبان جدواه الفعلية لديمومة استخدامه، خاصة بعد أحداث سبتمبر الأميركية وتفعيله عبر المادة الخامسة من اتفاقيته التي تنص على اعتبار أي هجوم مسلح على أحد أعضائه هجوما على كل أعضائه، واستثمار قوته العسكرية لخدمة الأهداف الأميركية. ولم تحرك واشنطن هذه المادة من الاتفاقية التي تأسس عليها إلا بعد الأحداث، ولم تطلبها إلا بعد تملل الأعضاء لمعرفة أدوارهم من الاتفاقية المتفق عليها منهم جميعا، والدفاع عن جوهرها الدفاعي وليس الحربي، وفي حالة الخطر والهجوم المضاد، وليس البدء بالحرب والعدوان. ولم يحدث حتى بعد ذلك الاتفاق بعد نوفمبر 2001 ما هو مشترك بين أعضائه، غير تحريك طائرات الاواكس للمراقبة الجوية في سماء أميركا والدعوة لاعلان فتح المطارات للقوات الأميركية مقابلها، وانتشار قوة بحرية في البحر الأبيض المتوسط ومطاردة ما تدعيه او تشتبه به من اعضاء منظمة القاعدة في يوغسلافيا، أما غيرها مثل العمليات العسكرية فالناتو غاب عنها ولولا حروب يوغسلافيا لما حصل تقارب ناتوي بين أعضائه الطامعين بإعادة أمجاد إمبراطورياتهم الغابرة ودحر ارادات الشعوب وتحررها الوطني الذي عبدوا دروبه بدماء أجيال من ثرواتها البشرية والمادية.
هل هي مصادفة أن يستعيد الحلف الأطلسي العسكري حيويته ويعمل على تجديد مؤسساته في اجتماعاته في العواصم التي كانت في الحلف الآخر، المحفز والمسبب عمليا وتاريخيا في تأسيسه، ويضمها إليه بعد أن كانت أهدافا مباشرة لعقيدته العسكرية؟.
في اجتماعه في وارسو في سبتمبر الماضي واجه الحلف معضلاته الجديدة التي أرادت الولايات المتحدة تحميله إياها، بعد أن أعطته باستفرادها درسا بأفغانستان، وألزمته بإنشاء قوة إضافية والخروج من حدوده التي عقد عليها، القارة الأوروبية، والعمل باستمرار تحت القيادة والأوامر الأميركية والتفوق الأميركي العسكري، التقني والأطماع الامبريالية والتوحش الانتقامي بعد الأحداث الكارثية وبسببها ولتنفيذ المصالح والمخططات التي كانت تعدها وتتحين الفرص لها.
رحب أمينه العام البريطاني الجنرال اللورد جورج روبرتسون في كلمته في وارسو، بالطلبات الأميركية التي قدمها وزير الحرب الأميركي دونالد رامسفيلد، والتي لخصتها وسائل الاعلام في حينها بالاستعدادات العسكرية للحروب الجديدة التي وضعتها الإدارة الأميركية أمامها كمهام عملية، تحت مسمياتها الخاصة بها، مذهب بوش الابن في الضربات العسكرية الاستباقية والوقائية وإسقاط الأنظمة القائمة بالقوة العسكرية، وذرائع الإرهاب والدول المارقة وأسلحة الدمار الشامل لديها، والإذعان لمثل هذه الإرادة الأميركية الجديدة وعدم الانتظار بإجرائها، والبدء بتنفيذها عمليا ونموذجيا ضد العراق، كدولة مناسبة تتوفر فيها المواصفات التي قدمتها المؤسسات الأميركية واللوبيات المتنفذة فيها لاصحاب القرار السياسي والعسكري الخارجي الأميركي وتنبتها الإدارة الأميركية بتفاصيلها.
أما في قمة براغ الأخيرة (نوفمبر 2002) فتصالح الحلف بين ضفتيه وغيّر في استراتيجياته وضم أغلبية أعضاء الحلف المعادي له سابقا، أعضاء أو مشاركين في مجالسه، بعد إقراره بالخضوع لمنهج الحرب والعدوان الامبريالي، والبحث عن أعداء وأراض جديدة خارج القارتين الأميركية والأوربية، مفعلا بنوده ومواد اتفاقياته ومجددا في روحه وبرامجه واداراته. فاتسعت عضويته الى 26 دولة وله مع روسيا مجلس شراكة منذ عام 1997، متطورا من تحالف عسكري غربي محدد إلى تحالف عسكري سياسي أمريكي روسي أوروبي اكثر شمولا ومقاصدا، وبحثا مشتركا عن ساحات جديدة لتجريب أسلحته المتطورة واستغلال ما تضمه هذه الساحات من خيرات بشرية ومادية ورسم حقب تاريخية جديدة لم تخطر ببال انسان سوي عاش ويلات الاستعمار والامبريالية وأفراح الانتصارات التحررية.
هل يصح مقارنة هذه التطورات بمعاهدة الدفاع العربي المشترك والمادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية القائلة نصا بما يشبه المادة الخامسة من حلف الناتو؟، وأي حال ينطبق على ما يتعرض عضو أساسي الآن من عدوان يومي مباشر، والى حرب بدأت نذرها توضع على أراضي دول أعضاء في الجامعة وتوسع قواعد الناتو وتنفذ مواده حسب ما انتهى البيان الختامي لقمة براغ وتهديداته الواضحة والموجهة لهذا البلد العربي الاسلامي أولا؟.
أين ستكون معاهدة الدفاع العربي، والمادة السادسة من الميثاق، وأين ستكون الجامعة، ورابطة العالم الإسلامي بعد انطلاق أولى الصواريخ الأميركية من قواعدها على الأراضي العربية والإسلامية لتدمر بلدا عضوا وتستعمر شعبا ووطنا عربيا إسلاميا وتنطلق منه إلى تنفيذ مخططاتها التي أصبحت علنية معروفة لكل ذي بصر وبصيرة؟.
حلف الناتو الذي أقر ما أراده بوش الابن وما رسمه له رامسفيلد وبعد قرار الاجماع على قتل الشعب العراقي من مجلس حرب الامم المتحدة الأميركية، جهز نفسه لارتكاب المجازر والفظاعات التي لم تتمكن أميركا من الانتصار بها في أفغانستان وفلسطين، وتقدمت له بوصاياها لمشاركته وإغراء أطماعه المتوحشة خارج القارة الاوروبية والأميركية، وهنا السؤال الرئيس ماذا جهز العرب والمسلمون لحماية أنفسهم والدفاع عن حياتهم ومستقبل أوطانهم وشعوبهم؟ ولات ساعة ندم!
كاتب عربي مقيم في لندن