حسين السكاف
&
لنفرض مثلاً أن أسامة بن لادن وعندما كان طالباً في الولايات المتحدة الأمريكية، قد إلتقى بأحد الأشخاص والذي استطاع أن يكون علاقة صداقة قوية مع أسامة لكونه يتكلم اللغة العربية بطلاقة وهو ينتمي أيضاً إلى عائلة ثرية، ويشارك أسامة في كرهه للمنظومة الشيوعية التي كان يترأسها الإتحاد السوفيتي السابق، ولنفرض بأن لهذا الشخص علاقة قوية مع جهاز المخابرات المركزية الأمريكية CIA حيث استطاع أن يؤمن لأسامة ( وبدون علم أسامة ) بعض اللقاءات مع عناصر معينة من هذا الجهاز خارج بناية جهاز المخابرات الأمريكيةولنفرض بأن رجال المخابرات الأمريكية بعد أن كشفوا أنفسهم لأسامة قد قدموا له بعض العروض المغرية من المساعدات المادية والعينية ليقود تنظيماً صغيراً لمحاربة القوات السوفيتية التي نزلت في أفغانستان - بطلب من الرئيس الأفغاني آنذاك كما هو معروف - والذي سمي فيما بعد الاحتلال السوفيتي، على أن يكون صديق أسامة الذي يجيد اللغة العربية هو المسؤول المباشر له وهو أيضاً حلقة الوصل بين أسامة وجهاز المخابرات المركزية الأمريكية.
لفرض أيضاً بأن هذا الشخص الذي أصبح الصديق الحميم والمسؤول المباشر لأسامة بن لادن هو شخص إسرائيلي يعمل لحساب جهاز الموساد الإسرائيلي - نحن نعرف بان هناك الآلاف من العرب اليهود رحلوا من الدول العربية إلى إسرائيل وهم لا يزالوا محتفظين بلغتهم العربية - وهو عميل مزدوج بين المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، وأسامة بن لادن لا يعرف بهذه التركيبة.
ثم تأتي الفرضية المهمة، إذا فرضنا بأن الـ CIA قد قامت بالتنسيق مع الحكومة السعودية بدعم جهود ذلك " المناضل المسلم " من أجل الدين والحق الإسلاميين، بالمال والسلاح والمتطوعين، وعملت بالمثل مع الحكومة المصرية، بهذا سوف يكون الأمريكان قد جندوا قوة كبيرة لا يستهان بها لصالحها ولصالح صراعها الطويل ضد القطب الإشتراكي كما كان يسمى، مجاناً وبأموال عربية، ولكن والمهم هنا أن ذلك الشخص الإسرائيلي قد بقي هو المسؤول المباشر لأسامة بن لادن " لأن الفرضية لا تزال قائمة ".
ثم تتوالى الأحداث المعروفة لكل متابع للقضية الأفغانية، يخرج السوفيت من أفغانستان وتتكون حكومة أفغانية إسلامية، ثم يبرز تنظيم الطالبان إلى الساحة السياسية ليستولي على السلطة في أفغانستان بمساعدة " المجاهدين العرب " من أنصار أسامة بن لادن وبالأموال العربية.
هنا يأتي الدور الخطير لذلك الشخص الإسرائيلي الذي يعمل لحساب الموساد الإسرائيلي - حسب ما افترضنا - حيث نفرض أيضاً بأنه قد استلم تعليمات محددة تفيد باستخدام أسامة ورجاله بالهجوم على بعض المراكز الأمريكية المهمة، لتلقين الحكومة الأمريكية درس لا ينسى، لأنها أي الحكومة الأمريكية، قد أصبحت تتكلم عن دولة للفلسطينيين وتتكلم عن حقوق الشعب الفلسطيني، بعد أن أخذ جورج بوش الإبن مقاليد الحكم، بدلاً من آلكور الذي كانت الجالية اليهودية ( اللوبي الصهيوني ) قد أعده ليكون رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وليخدم بالتالي المصالح الإسرائيلية. لنفرض بأن أسامة بن لادن قد صدق كل ما قيل له على لسان مسؤوله الإسرائيلي، وشرع بالعمل والتنسيق والتخطيط سويةً مع هذا المسؤول، ثم نفذ الهجوم على مركزي التجارة العالميين ومبنى البنتاغون بالزمن الذي حدده له الموساد الإسرائيلي ( أحد الأيام الذي يصادف عيداً يهودياً لأن أكثر اليهود العاملين في المركزين التجاريين سوف لن يكونوا بالعمل)، ولغاية الآن نفرض بأن أسامة بن لادن لايعرف السر الحقيقي الذي يخفيه هذا المسؤول والذي يكشف عمله المباشر مع جهاز الموساد، ثم يصبح رأس أسامة مطلوب للحكومة الأمريكية، فيعرض مسؤوله الإسرائيلي عليه تأمين الحماية له من الأمريكان بعد أن يكشف سره له، فيصبح أسامة بن لادن بين فكين الأول فك الموت حسب القرار الأمريكي، والثاني حق العيش بصفة العميل للموساد الإسرائيلي، لنفرض أن أسامة بن لادن قد أختار الخيار الثاني ولكن بشرط أن يخضعبشكل تام إلى تنفيذ كل ما يطلب منه من قبل مسؤوليه الجدد رجال الموساد مباشرة، ليكون " نضاله " في هذه الفترة مجرد تصريحات ووعود يخرج بها على الناس بين الحين والآخر ليبرر بعض الأعمال الاسرائيلية والتي من شأنها تنفيذ الأهداف الصهيونية في المنطقة العربية وفي أغلب الأحيان تنفذ بيد أمريكية، لأن الحكومة الأمريكية قد أخذت الدرس الإسرائيلي من خلال هجوم الحادي عشر من سبتمبر، ومن جراء هذا نلاحظ أن لهجة الخطاب الأمريكي قد تغيرت لصالح الحكومة الإسرائيلية بشكل مطلق وغير أخلاقي في أغلب الأحيان.
أصبحت تصريحات أسامة بن لادن وبالاً على المنطقة العربية خاصة والإسلامية عامة، حيث في كل مرة يخرج بها صوت بن لادن أو أحد أعضاء تنظيمه بتصريح، يعطي للإدارة الأمريكية حق أكبر ومبرر أشد من الذي سبقه في السيطرة والهيمنة والعنجهية بما يخص القرار العربي في النضال من أجل القضية الفلسطينية، وتشويه صورة الإسلام في العام الخارجي.
إن التصريحات الأخيرة التي أطلقها أسامة بن لادن ورجاله من تنظيم ما يسمى بـ " القاعدة " يعد من أخطر القرارات التي خرجت من هذا التنظيم لغاية الآن، والذي يفيد بزرع هذا التنظيم بين رجال المقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة، فهذا يعني أن على الأمريكان وبعد فترة قليلة من الزمن، أن ينقلوا معداتهم وجنودهم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة وبشكل شرعي، لمحاربة كل المقاتلين الفلسطينيين وإبادتهم بحجة حربهم على الإرهاب والمتمثل بتنظيم القاعدة.
هذه الإفتراضات التي ذكرناها تبرر ما يردده الناس في الشارع العربي، من أن المستفيد الوحيد من "نضال" تنظيم القاعدة هما الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأمريكية، ولكنها تبقى مجرد إفتراضات، سوف تكشف الأيام وربما السنوات القادمة صحتها أو بطلانها.