أبو بكر القاضي&
&
يختزن الغرب المسيحي مفهوما موروثا عن الإسلام خلاصته أن الإسلام دين حرب ورعب وجهاد وقتال وبتر للأعضاء وقد اجمع المحللون على ان مصدر هذا الفهم الخاطىء عن الإسلام يعود الى الاستشراق قديما وحديثا بكل أسف استطاعت اسرائيل أن تكرس هذا الفهم وترسخه في العقلية الغربية وذلك بسبب الإعلام العربي في وقت من الأوقات الذي كان يدعو الى فناء إسرائيل ورميها في البحر وبسبب الانتفاضة الثانية واحداث 11 سبتمبر يعتبر كثير من المراقبين ان عملية مومباسا المزدوجة ضد اهداف اسرائيلية في كينيا ــ شرق افريقيا المتمثلة في استهداف طائرة ركاب مدنية اسرائيلية تحمل على متنها 261 راكبا اضافة الى فندق اسرائيلي في مومباسا وقد كانت حصيلتها من القتلى 16 شخصا منهم ثلاثة اسرائيليين وبالطبع تم توجيه اصابع الاتهام الى تنظيم القاعدة الذي يقوده الشيخ اسامة بن لادن بسبب إرث هذا التنظيم وسوابقه في هذه المنطقة كما وجه الاتهام الى الشيخ علي شيعي الذي يتزعم مجلس الأمة والدعاة في كينيا لمدة عشر سنوات استطاع خلالها تجنيد أعضاء من الجاليات الصومالية والسودانية واليمنية التي تعيش في ممباسا واستطاع تطوير شبكة القاعدة في كينيا ومن جهة أخرى صدر بيان مطبوع بالعربية أعلنت القيادة العامة بجيش فلسطين التي قالت انها تتبع حكومة عموم فلسطين في المنفى وقد صرحت بأنها أرسلت مجموعتين الى كينيا لضرب المصالح الاسرائيلية من أجل اسماع العالم من جديد صوت اللاجئين الفلسطينيين وتسليط الضوء على الارهاب الصهيوني في الضفة الغربية وقطاع غزة بغض النظر عن الجهة التي خططت ونفذت هذه العملية الارهابية بكل المقاييس فإن هذه العملية يمكن أن تشكل منعطفا جديدا من مراحل تطور القضية الفلسطينية تذكرنا بعهود المراهقة في النضال الفلسطيني عند اختطاف الطائرات روما عام 1973 على سبيل المثال لقد اكتشف الفلسطينيون منذ حوالي عام 1975 ان اسلوب اختطاف الطائرات واستهداف المصالح الاسرائيلية خارج اسرائيل عمل مضر بالقضية الفلسطينية أتى عمليا بنتائج عكسية وشوه النضال الفلسطيني وحوله عمليا إلى عمل مافيا وعصابات وعمل ارهابي وإذا نظرنا الى عملية مومباسا هل سيقتنع الشعب الكيني ان استهداف الفندق وقتل 16 شخصا منهم فقط ثلاثة اسرائيليين يعتبر هذا عملا بطوليا لمجرد أن فيه طرفا اسرائيليا؟ وهل يمكن ان يقتنع الشعب الكيني او أي شخص في العالم الغربي او حتى اي معتدل في العالم الاسلامي أن ضرب طائرة مدنية اسرائيلية بها 261 شخصا عمل بطولي؟ إن هذه العملية تشبه تماما عملية بالي الاندونيسية من حيث انها موجهة ضد السياحة في كينيا ومضرة ضررا بليغا بالمصالح الكينية واقتصادها من حق الشعب الكيني أن يتساءل ما ذنبه حتى تتحول أرضه الى ساحة للمعركة بين الفلسطينيين والاسرائيليين؟ إن عملية مومباسا قد كرّهت الشعب الكيني في النضال الفلسطيني كله بل في الاسلام كله وأضرت بحركة الدعوة الإسلامية في كينيا وشرق افريقيا عموما وحولت الأئمة والدعاة في كينيا الى متهمين بالارهاب والعمالة للقضايا العربية والاسلامية على حساب السياحة الكينية وأمن كينيا ومصالحها الحيوية إن اسوأ عمل يفعله اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة هو ربط نضالهم ضد الوجود الاميركي في الخليج بالقضية الفلسطينية ووجه السوء في هذا العمل هو أن هذا الربط سوف يربط تلقائيا المقاومة الفلسطينية بالحرب ضد الارهاب مصيبة القضية الفلسطينية هي انها الشماعة التي يعلق عليها كل الفاشلين فشلهم فالحكام العرب المتسلطون الذين فشلوا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان يتعللون بالحرب ضد الصهيونية حالة الطوارىء قائمة في الوطن العربي منذ عام 1967 برغم ظروف الحرب مع أن ظروف الحرب لم تمنع اسرائيل من ممارسة الديمقراطية رغم انها دولة صغيرة محاطة بأعداء حتى عهد قريب يصرحون برغبتهم في رميها في البحر وفي عام 1989 عندما بدأ صدام حسين يخطط لاحتلال وضم الكويت اطلق تصريحاته الشهيرة بأنه سوف يحرق نصف إسرائيل بالكيماوي وتبين لاحقا أن المسألة هي متاجرة سخيفة بالقضية الفلسطينية من أجل اطماعه في اشقائه الذين ساندوه وآزروه في حربه ضد الجمهورية الإسلامية الايرانية في اطار الاحتواء المزدوج الذي تديره اميركا بذكاء إعادة النظر في العمليات الاستشهادية لقد آن الأوان لإعادة النظر ليس في استهداف المصالح الاسرائيلية خارج اسرائيل فحسب وإنما إلى اعادة تقييم جدوى العمليات الاستشهادية والانتفاضة الثانية برمتها ماذا حققت للقضية الفلسطينية؟ منذ حوالي عام 1991 أصبحت القضية الفلسطينية شأنا فلسطينيا صرفا من حيث المفاوضات والحل الجزئي أو النهائي أو من حيث ادوات الكفاح والنضال وأصبح دور العالم العربي والإسلامي كله تقديم الدعم المعنوي والمالي لما يراه الفلسطينيون صالحا لهم وحين اختارت الحركات الإسلامية الفلسطينية طريق المقاومة العنيفة في الانتفاضة الثانية كان على علماء المسلمين توفير الغطاء الديني للمقاومة المسلحة ومنحها لافتة الجهاد واضفاء الشرعية على العمليات الانتحارية لتكون استشهادية في السياسة الشرعية يأخذ أي تصرف مشروعيته من خلال الموازنة بين المصالح والمفاسد التي تنجم عن هذا التصرف في المدى القصير والطويل واقع الحال يقول إن الكفاح المسلح قد أضرّ بالقضية الفلسطينية وان فكرة توازن الرعب قد كانت في مصلحة اسرائيل وقد تجلت هذه الحقائق من خلال الحوار الفلسطيني ــ الفلسطيني أعني بصورة خاصة الحوار بين فتح وحماس الذي بدأت الترتيبات له في الدوحة ووجدت طريقها للنفاذ في مصر وفي هذا الصدد يقول محمد رشيد المستشار المالي والاقتصادي للرئيس عرفات الذي يوصف بأنه مهندس الحوار بين فتح وحماس: الهدنة عمل سياسي كالمقاومة تماما ولكنها عمل سياسي صاخب وأهم ما اتفقنا عليه في المفاوضات مع حماس هو ان السلاح وسيلة تكتيكية في النضال الفلسطيني وليس غاية وليس هدفا مقدسا بل أداة لتحقيق هدف وإذا كانت هذه الوسيلة تبعدك عن بلوغ الهدف فليس عيبا أن تبحث عن وسيلة أخرى وإذا كان العمل السياسي يقودك بصورة افضل فلا عيب فيه واضاف قائلا: في اثناء المفاوضات مع حماس اتفقنا على أن إسرائيل عجزت عن كسر الشعب الفلسطيني بالقوة واعترفنا بأنه ليس هناك حلول أمنية للوضع وإنما لا بد من العمل السياسي وان على جميع الفصائل الاعتراف بأن العمل المسلح لن يحرر فلسطين وفي اللقاء الذي أجرته جريدة الوطن مع السيد محمود عباس أبو مازن إبان زيارته الأخيرة للدوحة في نهاية نوفمبر المنصرم أكد أنه متفائل بالحوار الفلسطيني ــ الفلسطيني وانه سوف يشارك فيه لاحقا وأكد قناعته الراسخة بأسلوب التفاوض لحل القضية الفلسطينية وفي المحاضرة التي أقامها أبو مازن أمام رؤساء اللجان الشعبية في غزة قيّم بها أبو مازن نتائج المقاومة المسلحة وخلص إلى نتيجة مفادها أن عسكرة الانتفاضة جلبت الدمار وأعادت احتلال غزة وشرح أبو مازن اطروحته في هذا الخصوص قائلا: إن أوسلو مكنتنا من السيطرة على 42% من اراضي الضفة الغربية وبدأنا مرحلة الإعمار والتعمير وبدأنا نستقبل رؤوس الأموال والمستثمرين وبدأ العالم يتعاون معنا على بناء الوطن والدولة وانهاء الاحتلال ولكن ما جرى خلال السنتين الاخيرتين من عنف وعنف مضاد واستجابة الناس للاستفزازات الاسرائيلية كل ذلك أدى الى خروج الانتفاضة من مجراها الطبيعي وذلك باستعمال قوة السلاح حتى اصبحنا في معركة عسكرية وليست انتفاضة شعبية تعبر عن غضب شعبي أخلص من المسح أعلاه الى النتائج التالية: 1- لقد مضى الزمن الذي نقبل فيه أي قول أو فعل طائش ضد إسرائيل وذلك لأن أي عمل جاهل يخدم إسرائيل ويسيء للإسلام وللقضية الفلسطينية وقديما قيل إن الجاهل عدو نفسه ومن جهة اخرى فنحن مطالبون اخلاقيا بتحديد موقف مبدئي غير انتهازي من الإرهاب ضد كائن من كان بما في ذلك أميركا وإسرائيل وعليه فإن ضرب فندق له صلة باسرائيل في ممباسا أو ضرب طائرة مدنية اسرائيلية في كينيا تحمل 261 راكبا مدنيا يجب أن نقول ان هذا عمل ارهابي مدان ومستهجن وذلك لأن موقفنا كمسلمين من الارهاب يجب ألا يكون انتقائيا 2- دعونا نسلم بأن اشكال المقاومة الفلسطينية لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي يحددها الفلسطينيون لقد اجمع الكتاب والمحللون بعد مرور حوالي عام على الانتفاضة الثانية المسلحة وقبل أحداث 11 سبتمبر ان الانتفاضة قد فقدت الزخم والتأييد الشعبي الحكام العرب لم يفوا بوعودهم بالدعم المالي للانتفاضة ومن حقنا كشعوب أن نقول ان اميركا هي التي منعتهم من تقديم الدعم! لقد وفرت الجامعة العربية بقيادة عمرو موسى والعلماء بقيادة د القرضاوي الغطاء اللازم لاستمرار الانتفاضة المسلحة بالتفريق بين المقاومة والارهاب ولكن المحصلة النهائية التي يجب أن نعترف بها وبكل شجاعة هي أن العالم لم يتقبل العنف الفلسطيني أعني أن العنف الفلسطيني قد جعل اسرائيل في نظر العالم في موقف الدفاع عن النفس الأمر الذي عزز موقف شارون كزعيم لحزب الليكود ليكون الرجل المناسب للتصدي للعنف الفلسطيني 3- لقد اخطأت حركة فتح عندما قامت بمجاراة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في اتباع اسلوب المقاومة المسلحة لدرجة أن حركة فتح ظهرت بمظهر سخيف في أجهزة الإعلام وأمام الرأي العام العالمي حيث يطل علينا مروان البرغوثي كقائد للمقاومة المسلحة مؤيدا لها ومبررا لتصرفات الانتحاريين ويظهر ياسر عرفات مدينا ومستنكرا لهذه العمليات لدرجة أن العالم كله اقتنع بأن السلطة الفلسطينية عمليا مشاركة في الانتفاضة المسلحة وحامية لها 4- لم يكن العالم العربي والإسلامي ناصحا لحركتي حماس والجهاد الإسلامي ربما لأن النصح بإيقاف المقاومة المسلحة يمكن أن يعتبر خذلانا للجهاد والنضال الفلسطيني لذلك فضل العرب تقليل الدعم والانتظار على الرصيف لحين يقتنع الفلسطينيون لوحدهم بأن هذا الطريق غير موصل للهدف ربما يعود عدم النصح كون أن ليس للحركات الجهادية الفلسطينية كبير خارج فلسطين يمكن التباحث معه مثل وضع إيران وسوريا بالنسبة لوضع حزب الله في لبنان 5- حركة حماس هي حركة ناشئة ولدت في ظروف الانتفاضة الأولى لذا فهي قليلة التجربة وقد فشلت في الاتفاق مع فتح للمشاركة في السلطة واختلافهم كان على حجم تمثيل حماس حيث ترى الأخيرة أنها تستحق 40% على الأقل لقد فشلت حركة حماس في تطوير رؤاها السياسية للتفاهم مع أوروبا الموحدة أو أميركا أو إسرائيل نفسها وظلت معتمدة المقاومة المسلحة وحدها خاصة في ظروف الانتفاضة الثانية إن القضية الفلسطينية بكل أبعادها أكبر من أن تحدد مصيرها حركتا حماس والجهاد أو تنظيم القاعدة لأنها قضية تتعلق بالعالم الإسلامي كله لذا فإن التصدي لها من منظور المتطرفين المذكورين والمعتدلين يفرض عليهم الابتعاد عن القضية والتنصل من تصرفات هذه الحركات المتطرفة لكوهنا تتعارض مع مصالحهم أو تعرضها للخطر فضلا عن أن هذه العمليات المسلحة غير منتجة والقياس على حالة جنوب لبنان هو قياس فاسد إذ أن اسرائيل في جنوب لبنان تعتبر معتدية في حين انها في الأراضي المحتلة وفي حدود 1948 تعتبر في نظر العالم المتحضر والغرب المصاب بالفوبيا الإسلامية في حالة دفاع عن نفسها ختاما من حق الفصائل الفلسطينية حماس والجهاد أن تتصدى لقضيتها وأن تخطىء وتصيب ولكننا نطالبهما بأن يكونا أكثر شجاعة في مواجهة اخطائهما وتصحيحها فالعنف قد شوه الانتفاضة الثانية وأخرجها من طور المقاومة الشعبية المدنية الى الحرب المنظمة علينا أن نحرج إسرائيل بالمقاومة السلمية المنظمة بالتظاهر والاعتصام لنكسب ضمير العالم المتحضر كله كما كانت الانتفاضة الأولى التي مهدت وأتت بالسلطة الفلسطينية.
&
كاتب سوداني مقيم في الدوحة