&نصرت مردان
&
توفي في مساء 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت أحد أهم شعراء تركيا المعاصرين عن 87 عاما، بعد فترة طويلة من المرض الشاعر مليح جودت آنداي من مواليد 1915. اضطر آنداي للعودة إلى استانبول من بلجيكا الذي كان يدرس فيها علم الاجتماع، بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية. عمل كمدير في دائرة مطبوعات وزارة التربية، وبدأ ينشر قصائده في العديد من الصحف والمجلات. كما تولى مسؤولية الإشراف على الصفحة الثقافية في جريدة (جمهوريت). عمل عام 1979 مستشارا للمركز الثقافي العام لمنظمة اليونسكو بباريس. من دواوينه الشعرية (موت قارب)، (كلمات )، (كلكامش يطارد الخلود) وقد نال عن جميعها جوائز مختلفة من المنظمات الثقافية التركية.
نشر أولى قصائده (العقدة) بمجلة (وارليق) عام 1936. كان أحد فرسان جماعة (التغريب) الشعرية التي تعتبر من أهم حركات الحداثة الشعرية في تركيا، بعد تجربة ناظم حكمت الشعرية. وكانت هذه الحركة تهدف إلى إلغاء التورية والجناس والبدائع اللفظية من الشعر، وجعل الشعر وعاءا يستوعب هموم رجل الشارع والإنسان المهمش المسحوق. وتوسيع الأفاق الشعرية بحيث تتسع لكل المواضيع. وقد أصدرت الجماعة كتابا شعريا مشتركا (الغريب) تضمن بيانهم الشعري، الذي يعكس مفهومهم للشعر. وكان آنداي آخر من تبقى من جماعة (التغريب) فقد سبقه إلى الموت أورهان ولي في ريعان شبابه، وقبل سنوات زميلهما الآخر اوقتاي رفعت. لم يكتف بكتابة الشعر بل كتب روايات ومسرحيات نالت كلها جوائز مختلفة. يعتبر أول من ترجم قصائد الشاعر عبدالوهاب البياتي إلى التركية، حيث تعرف عليه في احدى الندوات الشعرية بمدينة (زغرب)، وقد ترجم تلك القصائد من الفرنسية، ونشرها في مجلة (وارليق) في 1975. ترجمت قصائده إلى اللغات الفرنسية والروسية والإنكليزية والبلغارية واليونانية والصربية والبولندية.
&
قصائد مليح جودت آنداي
&
&
موت قارب
&
(1)
من ينتظرني
وسط سرب من أيام صيف
تضحك جوانبه، كل جوانبه كالأطفال؟
هل تنتظرني إغفاءاتي، تلك الإغفاءات الأبدية
التي احترقت في غابة الليمون
حيث تعيش أغصانها كل يوم طقوس تفتح الأوراق
دون أن تبح أصواتها
ماذا يهم لو لم أفترق من الغابات الصغيرة
التي تختلط فيها الأنهار بالخمور؟
في تلك الغابات الصغيرة
التي تحتفظ افياؤها بقصص حب شاحبة
كثمار التورنج القديمة
أود أن ادع نفسي في قارب عتيق ـ لن يعثر له على أثرـ
&&&&& كمسافر يهرب من أحلام تافهة
في قيظ ظهيرة لاهبة
&
(2)
جلست فوق شجرة هرمة لسنوات
وكأنني صياد تشبه عيناه طريدته
لن يجدوا غير الصمت
غير عدة ذكريات لا أهمية لها
المفروض أن تكون أشياء أخرى على الشجرة
في أماكن منخورة مثقوبة
بطعم مستساغ أو بطعم الزقوم
مكان لأشياء
أخفيها منذ سنوات
لربما أخفيتها
في غرفة امرأة ولود ووحيدة
لا تشعر قط بالحاجة للأنين
&
(3)
وتحول كل شيء
من أربعاء بلون القهوة
إلى سبت شاحب
فجأة تهب ريح ساخرة
تبحث في الصحراء عن جواب
تلملم ذكرياتي واحدة فواحدة
ذكرياتي التي لا تحب الطرق الطويلة قط !
هل يهم أن لا نحمل أي شيء
في رحلة قطار يمر بكل المحطات
في عطلة الأسبوع، وقت الظهيرة
ولربما في أيام الاثنين
شيء جيد أن يضحك الرجال
شيء جيد أيضا لو لم يضحكوا
وأن يقضموا شيئا ما
فهم قلقون، حزانى
هل علينا أن نراهم
أم من الأفضل لنا
أن لا نراهم؟
&
&
امرأة في منتصف العمر
&
قبل أن تعيش طفولتها
بلغت الخمسين
قالت "انه منتصف العمر"
لم تتأرجح في أرجوحة منطلقة نحو السماء
ترهلت، فكرت ببيتها، بزوجها، بابنها
بارتفاع الأسعار في سن اليأس
بدأت بعد الخمسين تفكر
مثل شجرة وحيدة في غابة.
&
&
قصائد نهاية الصيف
&
(1)
أمس هطل المطر على المدينة
مادمت أنت أتية
أجلس في مقهى بشرود
تفتح غيمة رايتها بتردد
في هذا العصر
وفي هذا المساء
سيهطل المطر من جديد
وأنت غافية على سريرك.
&
(2)
تحقق الفأل، وبقي البحر مزبدا
مثل قارب ممتليء بالأزهار
ندخل خيمة أيلول القديمة
هذه صرخة استغاثة من نورس ساحر
العواصف تصيب الطحالب الشاردة بالجنون
أوراق الرعب الملتجئة الى الغرف
تشعر بشعور شجرة سرو مضطربة
بينما الوحدة تتجول في الحديقة.
&
&
القوقعة
&
الموسيقيون يعودون إلى المدينة بنزق
ثمة طبل فولاذي في طلع الزهر
الأبواق تلمع كالزنانير في الشمس
امرأة تخرج لجمع القواقع
في طرف فستانها الموسم الخامس للسنة
يتأمل بصخب نهديها
بفمه الملوث بزهر الرمان
يذهب صبي لمداعبة مهر
أعرف، إنها الحكمة التي تقلق القلب
&
&
طائر الخفة
&
لو أملك بستانا، أشذب فيه أوراق العنب
لو أربي شجرة كمثرى مريضة
ستغير الفلافل دينها مرتين
ملابسي جديدة، قبعتي قديمة
لو مت الآن سأكون خيال مآتة فاخر
أتأرجح في صباح آذار شاحب
مثل طائر الخفة في السماء