محمد عبدالقادر الجاسم

&
عرض وليام بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى أربعة أهداف دبلوماسية تنوي الحكومة الأميركية السعي إلى تنفيذها خلال السنوات القادمة، وهي: مكافحة الإرهاب، نزع أسلحة العراق، السلام العربي الإسرائيلي ودعم الإصلاحات الاقتصادية والسياسية المحلية المنشأ.
وقال بيرنز في خطاب بعنوان "إعادة بناء الأمل" ألقاه في مجلس الشؤون العالمية في بلتيمور، بولاية ماريلاند، في الثامن من نوفمبر، إن ¢الحقيقة المجردة هي أن الشرق الأوسط الغارق في مستنقع النزاعات الداخلية يشكل تهديداً للشعب الأميركي بنفس قدر التهديد الذي يشكله لشعوب المنطقة. ففي الشرق الأوسط يعيش بعض أقرب أصدقائنا، ويوجد ثلثا احتياطي النفط العالمي، ومنه جاء إرهابيو الحادي عشر من سبتمبر. فمقدار الرهان كبير جداً والامتناع عن العمل سيكون بمثابة كارثة.
وأضاف: "علينا متابعة الأهداف الأربعة في نفس الوقت، عن طريق اتباع استراتيجيات منسقة ومتماسكة، وطويلة الأمد، تعتمد على جهود شعوب وحكومات المنطقة."
وتحدث بيرنز عن عملية السلام العربية الاسرائيلية و"خارطة الطريق" التي بدأ بعرضها على الأطراف في المنطقة بدءا بجولته مؤخراً. وقال بيرنز عن هذه الخارطة: "المرحلة الأولى مخصصة، وبصورة هامة جداً، لوضع حد للعنف والإرهاب اللذين سببا الكثير من الألم بحق الناس الأبرياء، واللذين سببا الأضرار البالغة بحق الطموحات المشروعة للفلسطينيين. الحقيقة البسيطة هي أن الإرهاب والعنف هما الطريق إلى الكارثة، بالنسبة للجميع".
واضأف: "وبموازاة الجهود القصوى الهادفة إلى وقف الإرهاب، يجب أن يكون هناك تقدم فوري لتخفيف معاناة المواطنين الفلسطينيين ولإحياء الشعور بالأمل والكرامة. لقد قال الرئيس بوش بوضوح إن ذلك يعني إعادة إيرادات الضرائب التي تحتفظ بها إسرائيل إلى أيادي فلسطينيين مسؤولين. ويعني أيضا وقف كافة نشاطات الاستيطان الإسرائيلية، من ضمنها "النمّو الطبيعي" للمستوطنات القائمة، وهو ما يتّفق مع تقرير ميتشل الذي صدر السنة الماضية. وعلى القوات الإسرائيلية، مع عودة الهدوء تدريجياً، الانسحاب من المناطق الفلسطينية كما يجب العودة إلى الحالة الراهنة قبل سبتمبر 2000 مما سيسمح بعودة الحياة الطبيعية للفلسطينيين".
وفي ما يلي نص خطاب بيرنز:
&
إعادة بناء الأمل: السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
خلال السنوات القادمة

&
شكرا لكم. يشرفني أن أكون معكم اليوم. ثمة مجموعة من الاستراتيجيات المختلفة التي يمكن عرضها أمام مجموعة رفيعة وواسعة الاطلاع من أمثالكم. كان لدى مارك توين، على ما قيل لي، مقاربة بسيطة، إذ قال، "لدي عادة في أن أظل أتكلم إلى أن يستسلم الحضور." سوف أحاول أن أجنبكم هذه الاستراتيجية الخاصة بعد ظهر هذا اليوم. لكننا نعيش في أزمنة مثيرة، وسوف أتطرق إلى أكثر ما يمكنني من المواضيع دون أن أخاطر بإمكانية انحسار ترحيبكم لي.
في بداية عملي المهني، كان من حسن حظي العمل مع وزير الخارجية آنذاك جيمس بيكر. كانت تلك أياما رائعة. أتذكر بوضوح جلوسي وراءه، قبل حوالي إحدى عشرة سنة تماماً، ضمن وفدنا إلى محادثات مدريد حول السلام في الشرق الأوسط. كان التوتر الشديد يسود القاعة في ذلك النهار بسبب الشعور بإمكانية التوصل إلى نتائج. كانت تلك أوقات أمل بالنسبة للشرق الأوسط بأكمله. كان المجتمع الدولي قد ردّ عدوان العراق على الكويت.
وكانت الحرب الباردة قد انتهت والتقت الولايات المتحدة وروسيا حول قضايا مشتركة. تجرأ العرب والإسرائيليون على الاعتقاد بأن الخلافات التي دامت طويلا على وشك أن تجد لها حلاً. كانت الإمكانات تبدو بلا نهاية.
من المؤسف أن السنوات التي تلت لم توفر الثمار لآمال المنطقة. فقد استمرت الأنظمة السياسية والاقتصادية في الركود. وتعطل المجال الأساسي للمساومة على اتفاق بين العرب والإسرائيليين، الذي يعتبر ان الحل المنصف للنزاع ممكن لكن فقط عن طريق المفاوضات وليس عن طريق العنف أو الترهيب، وأن مصلحة الطرفين تكمن في مواجهة المتطرفين.
في هذا الوقت، واصل نظام صدام حسين قمعه الوحشي للشعب العراقي كما واصل التهرب من التزاماته التي قررتها الأمم المتحدة لنزع سلاحه، وقامت مجموعات عنيفة متطرفة ذات بُعد عالمي بهجمات قاتلة ضدنا وضد أصدقائنا.كان من نتائج ذلك أن عمّ الغضب والإحباط الشرق الأوسط اليوم، حيث إن العدد الأكبر من الناس في المنطقة أصبحوا محرومين من أي إمكانيات حالية أو آمال مستقبلية.
تتوق شعوب الشرق الأوسط، عبر استيائها، إلى التغيير. لكنها تتخوف في الوقت نفسه من هذا التغيير لأنها تعلمت من تجاربها المرة أنه قد ينجم عن التغيير الغموض، والالتباس، والانخلاع، والانسلاخ أو الغربة بقدر ما قد ينجم عنه من الزيادة في رفاههم.
قد يجعل هذا بعض المراقبين يميلون إلى التراجع عن العمل وترك مجتمعات الشرق الأوسط تكافح لوحدها. لكن الحقيقة المجردة هي أن الشرق الأوسط الغارق في مستنقع النزاعات الداخلية يشكل تهديدا للشعب الأميركي بنفس القدر الذي يشكله لشعوب المنطقة. ففي الشرق الأوسط يعيش بعض أقرب الأصدقاء لنا، ويوجد ثلثا احتياط النفط العالمي، ومنه جاء إرهابيو الحادي عشر من سبتمبر. فالرهان كبير وانعدام العمل سيكون بمثابة كارثة.
للولايات المتحدة وللمجتمع الدولي ولأصدقائنا في المنطقة مصلحة قوية في إعادة إحياء الأمل عن طريق برنامج إيجابي يقوم على أساس مكافحة الإرهاب، ونزع أسلحة العراق، والسلام العربي الإسرائيلي، ودعم الإصلاحات الاقتصادية والسياسية المحلية المنشأ.
إن لكل واحد من هذه الأهداف أهميته لكن لا يجوز أن يبقى أحدها رهينة للأهداف الأخرى، أو أن تتم معالجة كل منها بمفرده "حسب الطلب". علينا متابعة جميع هذه الأهداف الأربعة في نفس الوقت عن طريق استراتيجيات منسقة ومتماسكة وطويلة الأمد تعتمد على الجهود التي تبذلها شعوب وحكومات المنطقة.
لن يكون هذا أمرا سهلاً. علينا، إذا أردنا النجاح، على نظرتنا أن تكون واضحة بالنسبة للمنطقة وواقعها، وأن نفهم أن الشلّل هو عدو الاستقرار. علينا توجيه اهتمام خاص لعلاقاتنا الثنائية الهامة جداً، لكن علينا أيضا أن نقول الحقائق المجردة أمام أصدقائنا وأمام أعدائنا. علينا أن نكون واضحين ليس فقط بالنسبة لما نعارضه، بل أيضا بالنسبة لما نعمل من أجله. وعلينا، قبل أي شيء آخر، أن نفهم أن بوسعنا مساندة، وليس الحلول مكان، الجهود الحالية التي تقوم بها شعوب وقيادات المنطقة بنفسها لإزالة الحواجز التي تقف بوجه الأمل.
دعوني، انطلاقاً من هذه الأفكار، أعرض صورة سريعة عن نهجنا للمواضيع الأربعة التي ذكرتها سابقا.
&
الحرب ضد الإرهاب
&
في خضمّ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أوضح الرئيس بوش، مرة أخرى، رفضنا للفكرة القائلة ان أي قضية سياسية بإمكانها أن تبرر قتل الأبرياء. وعندما تحدث، كان يتكلم ليس فقط عن الشعب الأميركي، بل عن كافة شعوب العالم المتمدن. منذ ذلك اليوم، جمع الرئيس بوش وقاد تحالفاً دولياً قام بتحرير أفغانستان.
وبالتعاون من شركائنا، نواصل استخدام كل ما لدينا من موارد - الدبلوماسية، والمالية، والاستخباراتية، والعسكرية، إضافة إلى أجهزة فرض تطبيق القوانين - للقضاء على بلاء الإرهاب.إنها حرب ضد العنف المتطرف، وليس ضد الإسلام أو العالم العربي. فإرهابيو الحادي عشر من سبتمبر، وإرهابيو بالي والآخرون من أشباههم هم أعداء العرب والمسلمين. لقد دنّسوا ديانة كبرى في محاولة فاشلة لتبرير جرائمهم.
لدى أصدقائنا في الشرق الأوسط مصلحة خاصة كبيرة جداً في هذه الحرب. العديد منهم عانى الإرهاب ورأى جميعهم التهديد الذي يمثله بالنسبة للاستقرار، وللمجتمع، وللتقدم.
لقد وقفوا بوجه التّحدي ولعبوا أدواراً هامة في التحالف الدولي. ومنحنا الكثيرون منهم حق استخدام قواعدهم خلال عملية الحرية الدائمة في أفغانستان، وتبادلوا معنا المعلومات الاستخباراتية والمعلومات المتعلقة بفرض تطبيق القوانين، وشددّوا إحكامهم على مصادر تمويل الإرهاب.الإرهابيون لا يقتلون الناس فقط. إنهم يقتلون الأمل. عندما نضم جهودنا إلى جهود أصدقائنا في الشرق الأوسط لمحاربة الإرهاب، فإننا نعمل سوية لنعبّد الطريق أمام مستقبل واعد أكثر.
&
العراق
&
تواجه دول المنطقة.. ويواجه أصدقاؤنا وحلفاؤنا، ومجتمع الأمم أيضا تهديداً حقيقياً تزداد خطورته من نظام صدام حسين العراقي.
لقد شكل صدام حسين تهديدا لشعبه بالذات خلال أكثر من عقدين من الزمن، وجرّ العراق إلى حربين مشؤومتين، وإلى استخدام الأسلحة الكيميائية ضد النساء والأطفال العراقيين، ولجأ إلى كل أشكال إرهاب الدولة الذي يمكن تصورّها.
يشكل صدام حسين أيضا تهديداً خارج حدوده. قبل إحدى عشرة سنة، طالبت الأمم المتحدة بغداد بالتخلّي عن أسلحة الدمار الشامل لديها. وافق صدام لكنه منذ ذلك الحين قابل قرارات مجلس الأمن بالخداع، والإنكار، والتّهرب. لهذه الأسباب، إن تحدي صدام حسين المتواصل لتلك القرارات هو استفزاز لجميع أعضاء الأمم المتحدة.
وقف الرئيس بوش في الثاني عشر من سبتمبر أمام الجمعية العمومية وطالب الأمم المتحدة بالتشديد على فرض تنفيذ هذه الالتزامات. ولهذه الأسباب، وبعد عمل مُضني قام به الرئيس ووزير الخارجية كولن باول، صوّت مجلس الأمن في الأمم المتحدة اليوم بالإجماع على قرار قوي جديد يعطي العراق فرصة أخيرة لتنفيذ التزاماته. فإما أن ينزع النظام العراقي أسلحته، أو تُنزع منه. الخيار لهم، لكن لا يمكن تأجيله بعد اليوم.الشعب العراقي يستحق السلام، والرفاهية، والحرية. وتستحق شعوب العالم الأمن من الخطر الكبير والمتراكم الذي يشكله النظام العراقي. فبعد القرار الذي تم اتخاذه اليوم، نكون قد قمنا جميعنا بخطوة تقرّبنا من الأمل.
&
السلام العربي الإسرائيلي
&
الإرهاب والعنف يشكلان العقبات في طريق المستقبل الواعد، وينطبق ذلك على الفلسطينيين والإسرائيليين أكثر من أي مكان آخر. دعوني أكون واضحاً جداً: الطريق الوحيدة لفتح معبر باتجاه مستقبل واعد هو القضاء على الإرهاب والعنف. بكل بساطة، ما من طريق غيرها.
خلال السنة المنصرمة، أمضيت عدة أشهر في السفر في الشرق الأوسط. لقد رأيت بنفسي الغضب والإحباط عند الأمهات والآباء الإسرائيليين والفلسطينيين. ورأيت بنفسي الخراب الرهيب داخل مخيم اللاجئين في جنين والنتائج الرهيبة للقنابل التي فجّرها الانتحاريون في القدس. ورأيت شيئا يصعب لمسه لكنه لا يقل خطورة - فقدان الثقة بمستقبل أفضل تعيش فيه دولتان، إسرائيل وفلسطين، جنبا إلى جنب، بسلام، وأمن، وكرامة.
كان هناك الكثير من العذاب والكثير من الضحايا. يستحق الفلسطينيون والإسرائيليون أفضل من ذلك. يستحقون مستقبلا لا يساورهم فيه القلق حول ما إذا كان أولادهم سوف يعودون سالمين من المدرسة، مستقبلا يحافظ على إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية قوية ونابضة بالحياة.
يستحقون أيضا مستقبلاً دون احتلال ودون أنشطة إنشاء المستوطنات، مستقبلاً يضع حداً للإذلال اليومي للحياة تحت الاحتلال ويمنح الفلسطينيين أنفسهم دولة لهم ديمقراطية وقابلة للحياة. فكما شدّد الرئيس بوش، نعتقد بقوة أنه لن يكون هناك سلام لأي من الطرفين في الشرق الأوسط بدون حرية لكل منهما.
الطريق إلى مثل هذا المستقبل صعبة جداً، كما أن التقدم إلى الأمام سوف يتطلب رؤية بعيدة النظر وشعوراً بالعطف من جانب القادة، إضافة إلى الجرأة على مصارحة شعوبهم بالحقائق المجردة. إنه يتطلب أن يكون لدى المجتمع الدولي هدف، وعزم، وسخاء. وسوف يتطلب السلام من الأناس ¢العاديين¢ من كلا الجانبين - الأمهات، والمدرسين، والعمال، ورجال الأعمال - نبذ العنف والكراهية، ويستوجب وجود طريق سياسية تقود إلى مستقبل واعد أكثر.
&
المراحل الثلاث
&
بهذه الروح، حدّد الرئيس بوش تصوّراً واضحاً للسلام في الرابع والعشرين من يونيو، وبهذه الروح أعطانا التعليمات بإقامة ممر عملي قادر، خلال السنوات الثلاث القادمة، على تحقيق هذه الرؤية. لقد عملنا عن كثب من الإسرائيليين والفلسطينيين، ومع شركائنا في اللجنة الرباعية- روسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة - وفي المنطقة - وعلى الأخص مع المملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن - وتشاورنا معهم حول مسودة خريطة الطريق للوصول إلى هذه الغاية، عبر ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى مخصصة، وبصورة هامة جداً، لوضع حد للعنف والإرهاب اللذين سببا الكثير من الألم بحق الناس الأبرياء، واللذين سببا الأضرار البالغة بحق الطموحات المشروعة للفلسطينيين. الحقيقة البسيطة هي أن الإرهاب والعنف هما الطريق إلى الكارثة، بالنسبة للجميع.وللفلسطينيين مصلحة ذاتية عميقة في وضع حجر الأساس لدولة مستقلة، قابلة للحياة عن طريق إصلاح مؤسساتهم وتغيير قيادتهم. ومن مصلحتهم أيضا أن يستعجلوا خططهم لوضع مسودة دستور تقدّمي، وديمقراطي، وللتحضير للانتخابات بعناية. جميع هذه الخطوات يجب أن تأتي، في نهاية المطاف، من الداخل، ويجب أن يعطى الفلسطينيون الفرصة والتشجيع لتحقيق ذلك.
متى وجدت هذه العناصر سيقوم مؤتمر دولي بإطلاق المرحلة الثانية الهادفة إلى إقامة دولة فلسطينية مع حدود مؤقتة، بمثابة محطة على الطريق المؤدية إلى حل دائم يقوم على قيام دولتين.وتتكون المرحلة الثالثة والأخيرة من مفاوضات تدور بين دولة ودولة، بين إسرائيل وفلسطين، حول وضع قانوني دائم يضع حداً نهائيا لنزاعهم.
وسيكون هذا السلام الفلسطيني - الإسرائيلي بالمقابل جزءاً من جهد أوسع، قائم أيضا على الأسس التي وضعت في مدريد، وعلى قرارات مجلس الأمن 242، و338، و 1397 الهادفة إلى سلام شامل بين إسرائيل وجميع جيرانها، ومن ضمنهم سورية ولبنان.
لكل دولة في هذه المنطقة حصة حيوية في هذا المشروع، ولن تتهرب أي حكومة من مسؤولية تقديم المساعدة. لهذا السبب رحّب الرئيس بوش بمبادرة ولي العهد الأمير عبدالله التي أقرها مؤتمر القمة الذي عقدته الجامعة العربية في بيروت، ولهذا السبب لا تستطيع أي دولة التزمت السلام عن صدق أن توفرّ الملاذ الآمن للجماعات الإرهابية التي تقتل الأبرياء. فالسلام الشامل لا يمكن تحقيقه أبدا عبر العنف.يجادل البعض قائلين إن الوقت غير مناسب الآن لخرائط الطرق" وأن ليس هناك أمل في التقدم باتجاه حل دائم. أنا لا أعتقد ذلك.
أنا لست إنساناً ساذجاً" إذ تبدو العقبات هائلة جداً الآن. لكن علينا البدء بالعمل لأننا إذا لم نتقدم فإن التاريخ يعلمنا أن التقهقر المروع سيتبع ذلك. على جميع الفرقاء أن يتحمّلوا مسؤولياتهم إذا كنا سنحقق تقدما، لكن الرئيس بوش قد أعلن بوضوح أن الولايات المتحدة سوف تلعب دوراً قيادياً نشطاً.
&
دعم الإصلاح
&
بقدر ما هو مهم القيام بمكافحة الإرهاب، والتحقق من نزع الأسلحة من العراق، والتوصل إلى تحقيق سلام بين العرب وإسرائيل، بقدر ما نرى بأن هذه الأمور ليست أبداً التحديات الوحيدة التي تواجه شــعوب وزعماء الشرق الأوســـط.
فهم يواجهون أيضاً عوائق اقتصادية وسياسية جمة تقف عقبة أمام الأمل.
تدعونا هذه الحقائق إلى الصحوة. فالدخل الفردي في جميع بلدان الشرق الأوسط إما راكد أو ينخفض. والنمو متباطىء، بينما يستمر نمو القوة العاملة في الارتفاع. هناك نسبة خمسة وأربعين بالمئة من سكان العالم العربي الآن تحت سن الرابعة عشرة، وسيتضاعف سكان المنطقة بمجملها في غضون الربع الأول من هذا القرن.
إن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط غير مجهزة لاستيعاب تدفق جيل الشباب إلى سوق العمل. وتتواصل حصة المنطقة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والتجارة، والاستثمار الأجنبي بالتقلص. تعاني معظم اقتصادات المنطقة من انعدام الشفافية، ومن أسواق رأسمالية ضعيفة، ومن الحواجز أمام التجارة، ومن قوة عاملة تنقصها المهارات الحديثة. وقد نقل المستثمرون الاقليميون استثمارات قيمتها تزيد عن تريليون دولار إلى خارج الشرق الأوسط.
وبوجود هذه الرهانات الكبرى، يجب أن نقوم بكل ما يمكننا لمساندة الذين يعملون على فتح اقتصادات بلدانهم وتوسيع الفرص أمام مواطنيهم. وفي حين لا يوجد نموذج واحد للتغيير، علينا أن نكون من اشد المدافعين عن تعزيز مشاركة القطاع الخاص، وتنويع الاقتصاد، وتعليم الجيل الجديد ليتمكنوا من المنافسة في الاقتصاد العالمي الحديث.
لا يستطيع الانفتاح الاقتصادي الكبير أن ينشأ في فراغ. فالاقتصادات المفتوحة تحتاج إلى أنظمة سياسية منفتحة ملائمة.
لا تستطيع اليد الخفية للخيارات الاقتصادية وللحيوية الاقتصادية أن تعمل إلا إذا كانت حرة في اداء وظيفتها. رغم ذلك، فإن العديد من الأنظمة السياسية في المنطقة اليوم لا توفر لمواطنيها فرصة إسماع أصواتهم. وفي معظم الأحيان توفر الهيكليات السياسية القائمة فرصة لانعزال الحكم والطبقة الحاكمة عن أي تغيير. ونتيجة لذلك، تصبح المجتمعات هشة وتقاوم التغيير السلمي التدريجي.
عندما تُعتبر المعارضة مساوية للخيانة، يضطر المعارضون إلى العمل في الخفاء. وتصبح المساجد مسيّسة عندما تكون حماس أو حزب الله منفذهم الوحيد لإسماع أصواتهم.
&
أخبار سارة
&
الأخبار السارة هي أن شعوب المنطقة بدأت اتخاذ بعض الإجراءات. تزداد أعداد المواطنين الذين ينظمون أنفسهم للعب أدوار في مجتمعاتهم. نرى من الخليج إلى مضيق جبل طارق نساء، وصحفيين، واتحادات نقابات، ومربين يتحركون ليصبح لهم رأي ضمن النظام، بطرق تتناسب مع مجتمعاتهم وثقافاتهم.
ابتدأت أيضاً بعض الأنظمة السياسية بالانفتاح. نأمل في أن تكون الانتخابات التي جرت مؤخراً في البحرين - التي شاركت فيها المرأة في التصويت وفي ترشيح نفسها - مبشرة بتحقيق مشاركة شعبية أوسع.
كما تبيّن هذه الأمثلة، فإني لا أقول شيئاً لا تعرفه شعوب الشرق الأوسط نفسها. نحن لا ندّعي احتكار الحكمة بالنسبة لهذه المسائل، وأنا كنت دائماً اعتقد بأن القليل من التواضع يمكنه أن يسمح لنا بقطع شوط بعيد في ممارسة القوة الأميركية وأهدافها في الشرق الأوسط. الحقيقة هي أن شعوب الشرق الأوسط لا تحتاج إلى مواعظ حول مشاكلها، بل تحتاج إلى دعم لجهودها الرامية إلى تحقيق مستقبل افضل.
وستحصل هذه الشعوب على الدعم. بتوجيه من الرئيس بوش، قاد الوزير باول عملية تنظيم مبادرة للعمل مع أولئك الملتزمين في المنطقة بتحسين الفرص الاقتصادية، وتوسيع المشاركة السياسية، وتعليم شعوبهم بشكل افضل.
تلتزم هذه المبادرة، بشراكة حقيقية ثنائية الاتجاهات في كل من هذه المجالات الثلاثة. نحن نعمل بجهد مع شركاء في المنطقة، كما مع الكونغرس، لتطوير هذا المجهود، الذي سيتكلم عنه الوزير باول بتفصيل اكبر في الأشهر القادمة.
سوف نساعد، ضمن هذه المبادرة، مساعي البلدان العربية لفتح اقتصاداتها، ولتمويل أصحاب مشاريع الأعمال، والمشاركة بشكل أكمل في النظام التجاري العالمي. تريد بلدان مثل المملكة العربية السعودية الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، ونحن مصممون على المساعدة. كما أننا نستكشف مع بلدان أخرى، مثل المغرب والبحرين ومصر، طرقا لتوسيع الروابط التجارية واتباع نفس الخطى التي اتبعناها في اتفاقية التجارة الحرة مع الأردن، والتي اعتز بدعمي لها عندما كنت سفيراً في عمان.
&
المشاركة السياسية
&
في نفس الوقت، سندعم الجهود الرامية إلى تقوية المشاركة السياسية، خاصة من قبل المرأة. في الواقع، التقى الوزير باول في مطلع هذا الأسبوع مع وفد من النساء المرموقات من جميع أنحاء العالم العربي اللواتي زرن الولايات المتحدة لتعلم مهارات تنظيم الحملات ومراقبة عمليتنا الانتخابية. وقد كان حماس وجدية هؤلاء النساء مؤثراً، وذكرنا بشكل واضح عما يمكن أن يحصل في حال أطلق العنان للمجهود البشري في المنطقة.
وسنعمل مع المربين والأهل لمساعدتهم في إعداد الجيل الجديد لتحديات القرن الواحد والعشرين. ندرك الحاجة للبقاء منفتحين أمام الطلاب العرب والمسلمين حتى عندما نقوم بموازنة ذلك مع متطلبات أمننا الوطني. لا نستطيع تحمل خسارة الاتصال بجيل كامل من الشبان المسلمين والعرب، ولا ننوي ذلك.
إن الأمور التي اقترحتها هنا تمثل الالتزام الأكثر تحدياً الذي اتخذناه على عاتقنا، نحن وشركاؤنا في المنطقة.
يجب أن نكون واقعيين بالنسبة للعوائق التي تعترض سبيلنا، وبالنسبة للوقت الذي سنستغرقه كي نرى نشوء تغيير حقيقي، وبالنسبة للدور المحدود الذي تستطيع أن تلعبه الأطراف الخارجية. علينا أيضاً أن نتجنب الاستسلام للتوقعات الضعيفة. وكما يبين تقرير التنمية العربية 2002، فإن شعوب الشرق الأوسط ذاتها تستحوذهم هذه المسائل.
بالنسبة للولايات المتحدة، من مصلحتنا العميقة تشجيع هذه التغييرات الهيكلية الطويلة الأجل. تقع معظم هذه التحديات خارج سيطرتنا، لكن ولا واحدة منها تبقى خارج نطاق نفوذنا. تبرز هنا مرة أخرى، أهمية تقرير التنمية البشرية العربية، لأنه يوجز أجندة العمل العربي للأمل، وهي أجندة عمل نستطيع دعمها، وسندعمها.
سيداتي سادتي، الغضب والكبت يتملكان الشرق الأوسط اليوم. لكنهما لا يسيران بمفردهما. فبموازاة ظلال اليأس، هناك أيضاً وميض أمل.
لم انس أبداً همهمة التفاؤل في ذلك اليوم منذ إحدى عشرة سنة في مدريد، بالرغم من كل الالتفاف، والدوران، والانحدار منذ ذلك الحين. وقد عدت من سفرياتي في المنطقة مقتنعاً بأن شعوب الشرق الأوسط تريد أن تأمل، وهي مستعدة لاتخاذ الخطوات الضرورية لإعادة إشعال هذا الأمل.
إن أجندة العمل التي حاولت سردها بعد ظهر هذا اليوم هي واقعية بالنسبة للتهديدات التي يشكلها الإرهاب وبالنسبة لرفض العراق نزع السلاح. وهي أيضاً سديدة النظر، أو آمل على الأقل بأن تكون سديدة النظر، بالنسبة لما نراهن عليه في الشرق الأوسط، وبالنسبة لصعوبة تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل، ولمساعدة الناس في المنطقة على مواجهة تحديات اقتصادية وسياسية حقيقية جداً. لكنها أيضا أجندة متفائلة في أساسها، مفكرة عمل تشير إلى أفضل ما نمثله نحن كأميركيين والى ما هو افضل لجميع البشر الذين يعيشون في الشرق الأوسط اليوم. ما من مسألة سهلة من بين المسائل المدونة في مفكرة عملنا، لكن المهم هو متابعتها جميعاً بكل الطاقة والعزم التي يمكننا حشدها