يحي أبوزكريا
&
ولد الشاعر السويدي الشهير غونّار ايكيلوف في سنة 1907 وتوفيّ سنة 1968 وكان والده سمسار بورصة غنيّا, أصيب بالسفلس ومات مخلفّا وراءه غونّار صغيرا, ولم تتمكّن والدته من اردافه بالعطف والحنان وهذا ما جعله في مرحلة لاحقة يصممّ عالمه وحلمه الخاص. و عن هذه الفترة قال غونّار ايكيلوف : كانت ظروف طفولتي مرفهة, لكنّها غير طبيعيّة وغير واقعيّة الى حدّ لم تتسّع فيه لحاجات معينّة, الكتب والموسيقى والأثاث الجميل تحيط بي, لكن كنت مرغما أن أسلك طرقا ملتويّة قبل أن أشعر بأنّ لي حقّا مشروعا.
في المكتبة الملكيّة في أوستكهولم اكتشف غونّار ايكيلوف محي الدين بن عربي والجنيد والعطّار وجلال الدين الرومي وغاص في مفردات الفكر الصوفي والعرفاني الى درجة أنّه ظلّ يستحضر معاني محي الدين بن عربي في كلّ شعره, وقد أصبح كتاب محي الدين بن عربي ترجمان الأشواق كتابه المفضّل الى أن مات. وبسبب هذا الاكتشاف قال : تعلمّت أن أكره أوروبا والمسيحيّة, وأثناء صلاة الصبح المدرسيّة أتمتم ضدهما. و كان غونّار ايكيلوف متأثرّا باللغة العربيّة الى درجة أنّه كان يستخدم مفردات عربيّة في شعره المكتوب باللغة السويديّة ودون أن يترجمها الى اللغة السويدية ويبقي عليها كما هي. ومزيدا من الغوص في الدراسات الشرقيّة سافر ايكيلوف الى لندن عام 1926, ليدرس الفارسيّة في مدرسة الدراسات الشرقيّة في لندن, لكنّه ما فتئ وأن غادر العاصمة البريطانيّة لندن عائدا الى السويد وتحديدا الى جامعة أوبسالا العريقة التي فيها معهد متخصص في الدراسات الشرقيّة وهو يعتبر من أقدم المعاهد المتخصصّة في اوروبا. وفي جامعة أوبسالا درس ايكيلوف اللغتين العربيّة والفارسيّة. و لم يدرس ايكيلوف في جامعة أوبسالا العريقة غير فصلين انقطع بعدها للغوص مجددّا في فلسفة محي الدين بن عربي, ومن خلال ابن عربي تعرفّ ايكيلوف على الفكر الصوفي والمدارس الصوفيّة ومجمل العرفاء الذين كانت حياتهم مثالا للزهد والانقطاع عن الدنيّا, وهنا لابدّ من الاشارة الى أنّ العديد من المفكرين الغربيين ولدى غوصهم في دراسة الاسلام فانّهم ينطلقون من روحيّة الاسلام وقدرته على تهذيب النفوس والرقيّ بالأرواح ولعلّ هذا ما ينطبق على روجيه غارودي وموريس بيكاي وجمهرة غفيرة من المفكرين الغربيين القدماء والمعاصرين على حدّ سواء. و عندما كان ايكيلوف متفرغّا للدراسات الشرقيّة في جامعة أوبسالا كان أستاذه في هذه الجامعة س. نيبيرغ يضع كتابا عن صوفيّة الشيخ محي الدين بن عربي الأمر الذي ساعد ايكيلوف في معرفة تفاصيل اضافيّة عن محي الدين بن عربي. وظلّ ايكيلوف على امتداد حياته عازفا عن الدنيّا رافضا كل المناصب التي عرضت عليه, و قد قبل على مضض في أواخر عمره عضويّة الأكاديميّة السويدية المشرفة على منح جائزة نوبل.
وقد اعتبر النقّاد ديوانه أمير أمجيون بأنّه ديوان صوفي شرقي فيه لمسات واضحة ومتجليّة لمحي الدين بن عربي, وهذا ما قالته الناقدة السويديّة الشهيرة سيجريد كالي التي عرفت عشرات الكتّاب والشعراء العرب للقرّاء السويديين. و في كل سياقاته الشعريّة يعتبر ايكيلوف الذات جوهرا للحقيقة الكليّة الكونيّة, وهذا يذكرنّا بمحي الدين بن عربي في حديثه عن الذات والأنا وماهيّة الوجود.
وبالعودة الى أمير أمجيون فانّه أحد أمراء الثغور العديدة على الحدود الأمبراطوريّة البيزنطيّة, وكان هذا الأمير كما يصفه ايكيلوف نصف كردي ونصف أرمني, شرقيّا بنصف أفكار مسيحيّة, ومن خلال هذا الأمير يمررّ ايكيلوف مئات الصور عن الحياة والموت والحضارات وبقيّة المتناقضات. وكان غونّار ايكيلوف يجهر باستمرار ببغضه للحضارة الغربيّة و جذورها الاغريقيّة والبيزنطيّة, وكان يرى غوصه في دراسة التاريخ الاغريقي و البيزنطي ضرورة لمعرفة المدنيّة الغربيّة الراهنة لأنّ هذه الأخيرة - الفرع - لا تختلف عن امتدادها الأصل, وفي هذا السيّاق قال ايكيلّوف :
< لم غدوت مهتمّا بالحياة البيزنطيّة والاغريقيّة ! لأنّ الحياة البيزنطيّة في تقاليدها وأعرافها العميقة الجذور, تشبه الحياة السيّاسية في مدننا ودولنا, انّني شديد الاهتمام بها, لأني أمقتها, انني أمقت ما هو اغريقي, أمقت ما هو بيزنطي.........>.
وبالاضافة الى ديوان أمير أمجيون الفّ ايكيلوف مجموعة دواوين هي :
متأخّر على الأرض - 1932.
السائر نوما في كونه - 1934.
الحزن والنجم - 1938.
أغنيّة عبور النهر - 1941.
وغيرها من الدواوين.
ويعتبر النقّاد في السويد وفي أوروبا غونّار ايكيلوف من أهمّ وأبرز شعراء شمال أوروبا وهو رغم وفاته بسرطان الحلق عام 1968 الاّ أنّه مازال يعتبر في طليعة الشعراء السويديين. و لشدّة تأثر ايكيلوف بمحي الدين بن عربي فقد استهلّ ديوانه أمير أمجيون بمقولة الشيخ محي الدين بن عربي الواردة في كتابه ترجمان الأشواق :
شعرنا هذا بلا قافيّة
انمّا قصدي منه حرف ها
غرضي لفظه ها من أجلها
لست أهوى البيع الاّ ها و ها