&
يروي الثعالبي في (الجمهرة) قولا منسوبا الى لقمان الحكيم يقول: الحكمة تكمن في السؤال والحقيقة تكمن في السؤال والمعرفة تكمن في السؤال ايضا!
ومن منطلق كهذا فالحكمة سؤال والمعرفة سؤال ومن حق العالم العربي ان يسأل عن مدلولات الخيار العالمي الامريكي عندما قرر الجناح الامريكي الاصولي المتطرف تشديد قبضته على (بوصلة) السياسة الامريكية ليجعل من دعوة مكافحة الارهاب راية يرفعها في وجه العالمين العربي والاسلامي مطالبا باستحقاقاتها.
والقراء في حكمة السؤال هذه قد تعود بنا الى نهايات الحرب العالمية الثانية لنجد ان الجناح الامريكي المحافظ والاصولي هو الذي قوض خيام الاستعمار البريطاني والفرنسي في القارتين الاسيوية والافريقية بعد نهاية الحرب بدعوى الحرية والدفاع عن الشعوب وشفافية التعامل لقد خرجت امريكا من الحرب العالمية الثانية منتصرة ولكل انتصار استحقاقاته وضريبته وردود افعاله.
واذا كانت الحكمة سؤالا فان للتاريخ ايضا اكثر من سؤال وفي كتاب (استيفان رانسمان) المؤرخ البريطاني (الحروب الصليبية) يتحدث عن حزم من الحقائق والوقائع. فالصليبيون بقيادة قلب الاسد عندما اجتاحوا القدس ابادوا آلاف المسلمين واليهود وما دامت الحكمة سؤالا فعلينا ان نعي جيدا مقولة قلب الاسد الإبادة طريق الانتصار ومن ثم فالقضية فكر وعقيدة وتاريخ واذا كانت الولايات المتحدة الامريكية قد تجاوزت نظرية نهاية التاريخ فانها تعيش نظرية محاكمة التاريخ.
وأحسب ان مفهوم الحضارة ان تتسع لكل الشعوب وان يظل خطابها حضاريا بعيدا عن الوعيد والتهديد واستعراض منطق القوة فاستعراض منطق القوة لا يعني تحقيق الانتصار للاقوى في كل المواقف لكنه يعني ايضا اغتيال احلام الشعوب واستعراض منطق القوة يعود بنا الى نظرية (آدم سميث) في الفكر الاقتصادي لتحويل العالم الثالث الى رقم من ارقام الاستهلاك.
ومقولة الثعالبي المنسوبة الى لقمان الحكيم قد تؤكد نظرية صراع الحضارات وهو عنوان (دبلوماسي) لتأكيد ظاهرة العداء المتكرر في العديد من مراحل التاريخ وهو مشروع يتلبس الحديث عن الديمقراطية وتطوير الانظمة المحافظة او الفردية في العالم العربي وهو سلاح يشهره الجناح الامريكي المتطرف في وجه العديد من الانظمة لتضمن خضوعها وولاءها وخوفها.
ودعونا نتأمل مثلين احدهما افغانستان، فلقد تبنى الاعلام الامريكي ظاهرة التغيير في افغانستان وكأنه انتصار كاسح للديمقراطية في افغانستان ولكن الذي تبدل في افغانستان هو الحاكم او بتعبير ادق شكل الحاكم وليس جوهر الحكم فقد مضى الملا عمر وطلابه وجاء الرئيس كرزاي بأناقته وردائه وقلنسوته او (كابه) ليصبح الوضع تغييرا في الشكل.
وما زال الافغان يعيشون الوانا من العداوات والثارات والخلافات واذا كانت الحكم سؤالا والمعرفة سؤالا فان من المعروف سلفا ان الامريكيين هم الذين صنعوا مركبة الارهاب منذ ان وقفوا في وجه الاحتلال الروسي في افغانستان وهم الذين دعموا ودربوا الشباب المسلم الافغان والافغان العرب وهم الذين ساهموا بقيام ـ فيما عرف فيما بعد ـ بالقاعدة ليتحول الجهاد السابق في المنطق الامريكي الحاضر بالارهاب.
ويأتي المثل الثاني بالمساهمة باستمرار النظام البعثي في العراق بقيادة صدام حسين وهم الذين كانوا خلف تحريضه ودخول حربه مع ايران وهم الذين دفعوا الدول العربية والخليجية منها بالذات لدعم صدام في حربه.
وأمريكا هي التي قدمت العون المادي و(اللوجستي) للعراق وكانت تقدم له صورا بالاقمار الصناعية لحشود القوات الايرانية ومواقعها واذا كانت من شبه المؤكد ان لا أحد في العالم العربي سيأسف لغياب او زوال النظام العراقي القائم فان من المؤكد ان الحرب القادمة اذا ما حدثت فلن تستطيع امريكا ان تدرك مضاعفاتها وعنفوانها ومدى ردود أفعالها والتي لن تقف عند حدود العراق.
لقد أصم المتطوفون الامريكيون آذانهم عن الدعوات والانتقادات التي وجهها المثقف الامريكي والتي عارضت العجرفة الامريكية واستعراض عضلات القوة كما تنامت هذه الدعوات في المانيا بالذات من مثقفين وعلماء واكاديميين تدعو امريكا لاعادة النظر في غلوائها وانحيازها السافر والظالم لاسرائيل.
وما زالت الحكمة سؤالا والمعرفة سؤالا وتبقى الاجابة على السؤال.