داود البصري
&
فضائية الجزيرة القطرية التي ملئت الدنيا وشغلت الناس منذ إنطلاقتها المفاجئة قبل ستة أعوام على إثر التغيير السياسي الذي تم في قطر ودخول الدولة والسياسة القطرية فيما بعد في آفاق سياسية وإنفتاحية جديدة يتخطى الأسس التقليدية التي سادت طويلا ونقلت قطر الصغيرة بالتالي من قدرها وحجمها المحدود إلى أفق لم تكن مطروقة من قبل حتى أضحت الدوحة الحاضر الدائم في العديد من الملفات السياسية والإعلامية الحساسة وبشكل غير مسبوق ضمن إطار المنظومة الخليجية المعروفة بمجلس التعاون الخليجي حتى تصور البعض من الخبثاء بأن قطر تمارس دور الدولة الكبرى في تلك المنظومة وأنها أي قطر تملك من أسلحة الردع الإستراتيجية مايؤهلها فعلا لإحتلال ذلك الموقع ولو من باب الإحتمالات الإفتراضية! وهذا السلاح الرادع المخيف هو "قناة الجزيرة" ماغيرها! والتي رغم إستقلاليتها المعلنة إعلاميا إلا أنها لسان حال السياسة القطرية والناطقة بإسمهم والمعبرة عن السياسات الإنفتاحية او الإنغلاقية! بل أنها بارومتر السياسة القطرية وإتجاهاتها؟ ومدافع الجزيرة البعيدة المدى لم تزل مستخدمة وبنشاط أمام الكواليس أو في الأروقة الخلفية وتلك هي الحقيقة العارية وبلا رتوش ولا إستعارات خالية من المصداقية!
و"الجزيرة" بالتالي بقدر ماأتاحت فضاءات الحرية والإستقلالية الممنوحة لها تميزا إعلاميا وإنفرادا في المعالجات والتغطيات إلا أنها لم تعد فارسة الساحة والميدان الوحيدة؟ ولم تعد المغردة الوحيدة خارج السرب؟ بل أن نسبة إنفلات المشاهدين العرب نحو فضائيات أخرى لاتقل إبداعا وتميزا وحرفية في نقل الأحداث ومواكبة التطورات قد أضحت ظاهرة معاشة وخصوصا أن التطوير قد أتاح لقناة "أبو ظبي" مثلا أن تتميز وتكون حاضنة للعديد من الكفاءات الإعلامية والمعالجات البرامجية، هذا دون الحديث عن أن رياح التطوير والتغيير قد شملت حتى الفضائيات الرسمية الحكومية في ظل حالة التنافس الشديد المعلنة فضائيا وأرضيا؟ ومع ذلك مازالت "الجزيرة" تتكتك وتتعامل مع الملفات والقضايا الشائكة والمثيرة للجدل وفقا للمنطق الإستهلاكي السائد في السينما العربية وإتباع إستراتيجية (الجمهور عايز كده)!! ولو كلفها ذلك كل ذرات المصداقية المتبقاة بعد أن تم إنتهاك الجرعات الأكبر من المصداقية في أزمات تصادمية سابقة؟ ولعل مربط الفرس في الجدل الدائر حول الجزيرة ليس فقط معالجاتها الخبرية التي تحاول حينا دس السم بالعسل وأحيان أخرى إصطناع البراءة والمصداقية بل من خلال الأسلوب المتبع في البرامج الحوارية الرئيسة فيها واعني برنامجي السيد سامي حداد "أكثر من رأي" الذي ينبش القضايا ويكوم الملفات ويطرح المواضيع ثم يتركها دون معالجة وعلى قارعة الطريق؟ وبرنامج السيد فيصل القاسم "الإتجاه المعاكس" الذي دخل دائرة الخطر والإنحدار الفعلية وبات سببا من اسباب النفور من الجزيرة ومعالجاتها وأساليبها؟ لابل أن الإتجاه التصادمي والعدواني الذي يسير به السيد القاسم وفريق عمله برنامجه قد بات موضع تساؤلات حادة خصوصا وأن السيد القاسم قد تخلى عن فضيلة التواضع وبات يحسب نفسه رقما صعبا في الإعلام العربي؟ لابل أن عصبيته ودكتاتوريته التلفزية قد تعدت كل الأطر الطبيعية وباتت تشكل حالة مرضية إنتفاخية من الزهو&و"الفشخرة" والتعالي على ضيوفه وإهانتهم بقسوة ودون رحمة متناسيا أن وجوده وإستمراريته الإعلامية مرهونة بأولئك الضيوف الذين في غالبيتهم ليسوا بحاجة لرعايته أو إستضافته؟ كما أنهم ليسوا بحاجة أيضا للمساته الحنونة لتلميعهم إعلاميا لاسيما وأن فيصل القاسم قد حسم أمره على مايبدو منذ تلك الزيارة البغدادية الخاصة التي إلتقى فيها بالرئيس العراقي هو ومدير القناة السيد محمد جاسم العلي لينحاز بعد ذلك بوضوح للتيار الزاعق في الشارع العربي وهو تيار غوغائي يتعيش على الأزمات ويتاجر بدماء الشعوب وله وجوده وحوارييه وأزلامه في العديد من الساحات العربية؟
أقول هذا القول تعليقا على الحلقة الأخيرة من "الإتجاه المعاكس" والتي أعتبرها حلقة فضائحية بلغ فيها القاسم قمة سطوته وإرهابه الإعلامي وأهان الإعلامي الكويتي القدير والسياسي المعروف الأستاذ محمد جاسم الصقر الذي هو واحد من رموز الإعلام العربي في الكويت قبل أن يعرف فيصل القاسم الكاميرات التلفزيونية ويصبح نجم النجوم في ظل حالة الإنهيار العربي الشامل السائدة حاليا؟ ففضلا عن الأسلوب المشهور عن القاسم في مقاطعة المتحدثين حينما يركزون على صلب الموضوع فإنه إنحاز بشكل واضح وفاضح للطرف الآخر في الحوار وهو السيد مصطفى بكري والذي بضاعته الأساس كما هو معلوم الصراخ والزعيق الثوري المبرمج وفقا لقناعات الأطراف التي يدافع عنها ويتضامن معها وهذا حقه وتلك رؤيته الخاصة وهو الوحيد المسؤول عن مواقفه أما أن ينبري السيد فيصل القاسم ويتهكم على ضيفه الكويتي والقطب الإعلامي الكبير السيد محمد جاسم الصقر ويسخر منه بالقول من أنه ليس هو من يعلم القاسم فن الإعلام فإن ذلك أمرا يتجاوز الغرور المريض بكثير ويدخل ضمن أبواب الشتم الفضائي المعروف؟ ولم يترك السيد الصقر المناسبة تمر دون أن يعلن عن رأيه في ضرورة إبدال فيصل القاسم بإعلامي آخر فالإتجاه المعاكس ليس مسجلا في دائرة الشهر العقاري بإسم القاسم فقط لاغير ؟ وطول المدة في موقع معين يؤدي لتواجد أمراض نفسية معروفة! وخلال الفترة التي غاب فيها القاسم عن البرنامج بعد الأزمة التي أثيرت مع الأردن، إنبرت المذيعة جمانة نمور لقيادة "الإتجاه المعاكس" وأثبتت قابلية وقدرة وهدوء وحيادية تفوق قدرة فيصل القاسم بكثير؟ والذي يبدو اليوم إنه يعيش في مرحلة إنعدام الوزن؟ وفي ذلك مشكلة نفسية عويصة لمن يظن نفسه (سيد الأولين والآخرين في الإعلام العربي)!!
فلاحول ولاقوة إلا بالله.