مجدي خليل
&
من يتابع النظام العربي يجده يزداد استبدادا يوما بعد يوم سواء النظام الرسمي أو الحزبي أو المؤسسي أو الديني أو الشعبي بل أن الخطر ليس في تراخى الشعوب ويأسها فقط ولكن في تبنيها هي نفسها لقيم الاستبداد، ولهذا يسير الجميع نحو المصير المحتوم المخيف والمرعب. ومن يراقب الوضع العربي تتجسد أمامه كل معاني وأنواع وقيم ونماذج الاستبداد التي عرفها التاريخ الإنساني تعالوا نستعرض بعض معاني الاستبداد الموجودة على الساحة العربية:

1- حكم الفرد المطلق المستبد (نموذج أنا الدولة): وابرز مثال على ذلك بالطبع هو حكم صدام حسين. وقد قرأت قصة عن صدام حسين أنه أثناء الحرب العراقية الإيرانية وكانت مجريات الحرب في سنواتها الأولى تسير لصالح إيران أجتمع بأعضاء مجلس قيادة ثورته ووزراءه ومستشاريه، وطلب منهم النصيحة لصالح البلاد بدون أي خوف أو تحفظ إلا المصلحة العليا للعراق. وأنخدع البعض وطالبوه إنقاذا للموقف أن يتخلى عن الحكم. وقبل أن تنتهي الجلسة اصبحوا في خبر كان بمسدس صدام حسين الشخصي. ومن يومها انفرد تماما ليعبث بمقدرات البلد والمنطقة. وقد قرأت في جريدة الأهرام قصة في منتهى الغرابة وهذا نصها "أعلنت أمانة بغداد أنها بصدد إنجاز مشروع ضخم يشتمل على إقامة نصب ساعة جديدة في العاصمة العراقية تتميز بتوقيت "فريد" هو توقيت "القائد" وحسب المؤسسة الرسمية المعنية فإن الساعة الجديدة لا تعترف بالحساب الدولي المألوف في الساعة العادية باعتبار ذلك إضاعة للوقت والتقدم في نظرهم. ويعتمد مفهوم توقيت القائد على استبدال الأرقام بأسماء القائد وهكذا ستشير عقارب الساعة إلى أسماء وألقاب صدام حسين مثل صدام حسين، الفارس، الرفيق المغوار المناضل الرئيس بطل التحرير المجاهد القدوة باني العراق صانع النصر بطل السلام. ويتألف المشروع من برج "ساعة القائد" ومتحف يجسد إنجازاته"! ولعل حصول صدام حسين على مائة في المائة في الانتخابات الأخيرة يجسد حجم المأساة التي يعيشها العراق وتصويت البرلمان العراقي برفض القرار 1441 لمجلس الأمن بنسبة مائة في المائة أيضا بأمر صدام ثم إعلانه هو قبول القرار نوع من التهريج السياسي التي انحدرت إليه بعض النظم العربية وأصبحت تدرس كنماذج لأشد أنواع الفاشية السياسية قسوة في معاهد العلوم السياسية حول العالم. وحسب مصادر المعارضة العراقية قتل صدام 5000 نفس في حلبجة عام 1988 و180 ألف كردي في غرب الأهوار في عملية سميت بالأنفال، وقتل 300 ألف عراقي بعد انتفاضة العراقيين عام 1991 وذلك ناهيك عن ضحاياه والتى لا يعرف عددهم في مغامراته العسكرية والتي استمرت لما يقرب من عقدين من الزمن بالإضافة إلى قتل زهاء مليون إيراني.

2- حكم العائلة : وهي تختلف بالطبع عن الملكيات الدستورية المعروفة في النظم السياسية حكم العائلة في النظام العربي هو امتداد لحكم القبائل العربية القديمة وربما أسوأ. فالعائلة هي التي تحصل على أغلب ثروة البلاد وكل المناصب الهامة تقريبا والصراع على الحكم إذا حدث يتم بين أفراد هذه العائلة. وهناك مقولة تقول أن الصراع في الحياة هو على المال والسلطة والنساء ونظم الحكم العائلية العربية تحتكر الثلاثة حتى النساء، وقصص مطاردة أمراء وشيوخ النفط للممثلات والمذيعات والسيدات الجميلات هي قصص معروفة. ومغامراتهم معروفة ليس فقط في بلاد العم سام ولكن في العواصم والمدن العربية مثل بيروت - والرباط - وكازبلانكا - والقاهرة - وتونس.. الخ.

3- حكم الشلة: وهو نظام منتشر في العالم العربي التفاف شلة حول القائد تكيل له النفاق نهارا وليلا وتحجب عنه المعلومات الحقيقية والأوضاع الحقيقية التي وصلت إليها بلاده وتتحول بمرور الوقت إلى طبقة سميكة مثل طبقة الكليسترول الردىء تعزله تدريجيا عن مجريات الأمور وتحدد له ماذا يقول وماذا يخطب وكيف يتصرف وأي مكان يزور. وتحصل الشلة على الامتيازات وتستخدم السلطة الشرعية في الفساد والبلطجة وتتحول مؤسسات الرئاسة بمرور الوقت إلى مؤسسات للشلل. والغريب أن بعض هذه الشلل أستمر في الحكم عقود طويلة ورغم إفلاسهم بحكم السن وانشغالهم بالأمور الفاسدة وتبلد إحساسهم بالوضع العام وعدم إلمامهم بالتطورات الدولية نتيجة تراجع القراءة وربما انعدامها لديهم وبمرور الوقت لا ينعزل القائد فقط ولكن ينعزل القائد وشلته عن التطورات المحلية والعالمية أو تتسم تحليلاتهم ورؤيتهم للأمور بشكل متخلف يدفع البلاد إلى الخلف باستمرار وربما إلى كارثة.

4- نظام توريث الشلل: دخل على العالم العربي نظام جديد انفردوا به وهو في الظاهر نظام توريث الرئاسة أما في الواقع فهو نظام توريث الشلة حتى تستمر الامتيازات وهو يشبه ما كان سائدا في بعض الأنظمة الفاسدة أبان عصور الظلام في أوروبا وهو تولي العرش لملك صغير ويقوم عشيق أمه بالإدارة الفعلية للبلاد. وتستمر الشلة حول الملك أو الرئيس الصغير عقودا طويلة حتى يستطيع التخلص منهم، يكون عندها بالفعل الفساد أنتشر وأصبح فساد مؤسسي يصعب القضاء عليه حيث تقوم الشلة الموجودة بالسيطرة من خلال أقاربها على المناصب والامتيازات ونصبح إزاء شبكة أخطبوطية من الشللية والفساد تقوم هي بدورها بتوريث هذه الامتيازات لعائلاتها وأقاربها.

5- الاستبداد الحزبي: ما يحدث في قمة الهرم السياسي يحدث أيضا في الأحزاب السياسية الوهمية التي أقامتها الأنظمة العربية كديكور لإرضاء الغرب. ولم يلحق الاستبداد والجمود برئاسة هذه الأحزاب وهياكلها وبرامجها وصحفها وإنما قمة الاستبداد ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة فهناك ما يدعي أنه الناطق باسم الدين والآلهة ويمسك بسكين حاد في يده وهو التكفير الديني لخصومه ويطرح شعارات دينية براقة مدعيا أنها الحل لمشاكل البلاد والعباد ومنهم من يمسك بيده سكين حاد آخر بدعوى امتلاك الوطنية ويقوم بالتخوين والتكفير الوطني لمعارضيه بل حتى وصل الأمر باحتكار الشعارات الرنانة الماركسية والاشتراكية وإدعاء أن الآخرين لا يفهمون وغير مثقفين ولا يعرفون العبقرية الكامنة وراء الشعارات إياها.

6- انعدام المعايير: ليل نهار هناك صياح في الإعلام والثقافة العربية بأن أمريكا تستخدم المعايير المزدوجة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وأنا أتفق معهم تماما في رفض الانحياز الأمريكي لإسرائيل. والأمريكيون يبررون هذا الانحياز بأسباب كثيرة ليس أهمها أن أغلب من يعيشون في إسرائيل ولدوا اوعاشوا في أمريكا ويحملون الجنسية الأمريكية، ولكن أختلف مع هذا الصياح في نقطتين.
النقطة الأولي: ما الحل؟ هل نحارب أمريكا لأنها منحازة لإسرائيل؟ أن أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على رعاية سلام معقول إذا رغب الطرفان في ذلك. فعلت ذلك مع السادات ومع الأردن وكاد أن يتم مع الفلسطينيين في أواخر عهد كلينتون وممكن أن يتم مع هذه الإدارة أيضا إذا خلصت نوايا كل الأطراف وركزت في مزايا السلام وسعت إليه وطرحت رؤى قابلة للتطبيق وأستطيع القول بأن الجميع مقصرون في هذا.
النقطة الثانية: في الوقت الذي يشتكون فيه من ازدواجية المعايير الأمريكية، لا ينظرون إلى الواقع العربي وهناك شبه انعدام للمعايير.
فهل أدان أحد الاحتلال السوري للبنان وهل كان من الممكن تحرير الكويت لو لم تتدخل أمريكا. وهل اجتمع العرب ولو مرة واحدة لإدانة ما يحدث في السودان والتدخل لإنقاذ هذا الشعب المسكين الذي فقد حوالي أربعة ملايين شخص بين قتيل ومشرد حتى وصل الأمر إلى بيع البشر كعبيد. ولكن لم نسمع أصواتهم إلا عندما لاحت بوادر الحل في مشاكوس. وماذا فعلوا إزاء المذابح التي تحدث في الجزائر. وهل تدخلت المؤسسة العربية وأدانت ما يحدث للأقليات غير الإسلامية في العالم العربي والاقليات العرقية واللغوية - (الاكراد - الأقباط - الاشوريون - البربر - الشيعة - الأردن. الخ.) بل وهل رأينا تليفزيون عربي واحد ينقل المذابح التي وقعت ضد هذه الاقليات. في الوقت الذي تنقل فيه التليفزيونات العربية صورة امرأة فلسطينية منعها حظر التجول من شراء اللبن لطفلها وهذا حسن جدا، ولكن لم ينقل تليفزيون عربي واحد صور المذابح اليومية في الجزائر والسودان وجنوب وشمال العراق وضحايا الأنظمة المستبدة وضحايا التطرف الديني.. الخ.. ولم يقتصر تعتيم إعلام الأنظمة المستبدة على هذه الجرائم فحسب وإنما مارسوا الإرهاب الفكري على كل من يدافع عن حقوقه المشروعة وهل سمعنا أي إدانة من الأنظمة العربية لما يحدث في الفلبين وباكستان وأندونيسيا وروسيا.. ألخ. والمعايير العربية المشوهة تحتاج إلى مجلدات لتغطيتها.

7- الاستبداد المؤسسي: حتى المؤسسة التي تجمع العرب وهي "الجامعة العربية" بالإضافة إلى عجزها فهي أيضا مؤسسة مستبدة فما معنى الإجماع في قراراتها وهل يمكن أن يجمع العرب على شئ؟ وهل هناك أدني اتفاق بين الدول العربية حتى يكون هناك إجماع؟ إن الكويت تخاف من صدام أكثر من خوفها من أي دولة أخرى وقطر تخشى السعودية أكثر من إسرائيل والخلافات بين دول المغرب معروفة للجميع وسوريا ساندت إيران الفارسية ضد العراق وحزب الله يحتل جنوب لبنان لصالح سوريا وإيران والإرهاب الدولي.

8- الاستبداد الشعبي: أخطر أنواع الاستبداد هو الاستبداد الشعبي بمعني تبني الشعب لقيم الاستبداد والغوغائية والضجيج الصاخب وأبرز مثال على ذلك وقوف الشعب الألماني بأكمله خلف هتلر وهو ما قاد ألمانيا والعالم كله إلى كارثة. يؤسفني أن أقول أن قيم الاستبداد بدأت تكتسح قطاعات كبيرة من الشعوب العربية.
كاتب وباحث - نيويورك
[email protected]