رضا الأعرجي
&
لا يثار موضوع العراق إلا ونكون دائما أمام سوبر ماركت عربي مقارنة بالدكاكين المحلية التي اقتصرت بضاعتها على صنف واحد من الأيديولوجيات، فهو يعرض تشكيلة متعددة ومختلفة الألوان والأصباغ، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن العناصر الإسلاموية المتطرفة إلى تلك التي مازالت تتزيا بزي الماركسية القديم. والمفارقة، ان هذا السوبر ماركت الذي لا تجري الإشارة إلى أهدافه ومصادر دعمه المالي الذي يمكنه من البقاء مفتوحا أربعا وعشرين ساعة، يعتقد أنه بالضجيج والصراخ العالي يستطيع بيع الأوهام والأكاذيب وترويج بضاعته الكاسدة من الشعارات التي "ما قتلت ذبابة" تحت يافطة الدفاع عن العراق الذي هو في قاموسهم النظام الحاكم لا غير.
وأنها لمفارقة حقا، ان يضرب الاسلامويون واليساريون والقوميون وأدعياء الثقافة الثورية على طنبور واحد، وعلى الوتر نفسه، فعندما تنقلب الجيوب على بطانتها، ويحل العمى الأخلاقي محل العقل والحكمة، لا نستغرب تكرار ما اعتدنا سماعه، بمناسبة وبدون مناسبة، خصوصا وان مغامرة غزو الكويت جعلت شعوبنا تدرك الفرق بين المواقف المبدئية، وبين أساليب المناورة والتضليل، فلم تعد تنخدع بدعوات تعرف ما هي ظروفها، والأطراف التي شجعت على إطلاقها لتكون بمثابة طوق النجاة قبل السقطة الأخيرة.
ونحن العراقيين الشهود على مأساة بلادنا المروعة، وتواليها فصولا دامية تحت سمع الأشقاء العرب وبصرهم، لا يعوزنا التفسير لندرك ان انتظام أصحاب الأيديولوجيات المتناقضة والمتصارعة في هذا الصف الطويل وراء النظام الدكتاتوري المستبد بالعراق لا يتصل البتة بمبدأ نبيل أو غاية شريفة، وإنما ليكون ورقة التوت التي تغطي جرائم هذا النظام وعجزه عن إجراء تغيير حقيقي على سياساته الطائشة، كما انه إملاء لرأي لا نقره وفرض لإرادة لا تمثلنا بالتأكيد، ما يجعل من هؤلاء جميعا شركاء في صنع مأساتنا واستمرارها كل هذا الوقت.
&
إننا لنتوجه إلى الأشقاء عربا ومسلمين لنقول: ان ما يشهده العراق من تدهور وصراع يبلغ حد التناحر بين أبناء الوطن الواحد، وعزلة خانقة، عربية ودولية، وتكالب القوى الأجنبية عليه، هي بعض من النتائج المباشرة لسياسات نظام بغداد الذي فقد كل مبررات وجوده. ومن المؤكد ان محاولة الهروب من هذا الوضع أو إغفاله، لن تجدي نفعا، وليس بمقدور الصراخ العالي والشعارات التستر عليه إلى ما لا نهاية.&
ويا من تدعون العروبة، لا مجال للتأويل أو الاختلاف على وضع بات واضحا للجميع مثل الوضع العراقي الذي ما فتئ النظام الحاكم يسعى إلى تأجيجه، وصب الزيت على ناره المشتعلة طوال أكثر من ثلاثين عاما، وخصوصا منذ 1990، عام المغامرة المجنونة بغزو الكويت، بتواطؤ وتنسيق مع أنظمة عربية، ان لم نقل بتحالف مكشوف معها، كما أكدت وتؤكد ذلك الأحداث والوقائع المتعاقبة.
ويا من تتلفعون بقميص الإسلام، لا نجدنا بحاجة للحديث عن ممارسات نظام بغداد في الداخل، أو عبثه بأمن المنطقة واستقرارها، واستخدامه القوة المسلحة وكل أشكال العنف والقهر والتنكيل والتسلط لتحقيق غاياته وإشباع نزواته الشاذة، فهي معروفة لنا ولكم وللرأي العام العالمي، لكننا نريد ان نطرح السؤال واضحا عن الأسباب التي مازالت تشجعكم على دعم هذا النظام ليقوم بكل ممارساته المشينة، وان كنا نعرف صراحة، من هو الطرف أو الأطراف المستفيدة منها، وفي المقدمة منها أنتم وبقية جوقة الصراخ المسعور.&
ويا أيها الثوريون، ان ما جري في جنوب العراق من حملات إبادة منظمة، وتدمير ممنهج لا يعنيان سوى الاستهانة بأرواح الآلاف من الضحايا الأبرياء، بينما تواصلون أنتم أحزابا ومنظمات النفخ في أبواق الدعاية لنظام بغداد، والتسليم بكل ما يريده ويفرضه ويقرره. ولا يقتصر دور البعض منكم ممن احترف الخبث والنفاق الرخيص، على التأييد المطلق للنظام الصدامي، بل ها هو يشيد بتغييرات مزعومة ويبشر بتحولات أشبه ما تكون بالحمل الكاذب.&
&
أيها العرب والمسلمون .. لقد تجاوزت ممارسات نظام بغداد كل حدود، حتى لم يعد الصمت ممكنا، فهو لم يتوقف عند زرع بذور الفرقة والشقاق بين أبناء الشعب الواحد، أو نشر الفوضى في المنطقة، بل عمل ويعمل دون هوادة، على خلق حالة من الاستعداء بين أبناء الدول العربية إمعانا في تمزيق الصف العربي، وإفشال كل محاولة مخلصة من شأنها إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، ولكم في رسالته الأخيرة إلى "الشعب في الكويت" الدليل الناصع الأكيد. وأنكم بما تقدمون عليه إنما تكممون أفواه العراقيين وتشلون إرادتهم في التعبير عن رفضهم لما جرى ويجرى باسمهم، وعلى أرضهم دون مشورة منهم أو تفويض.
وإذا كان هذا ما يريده نظام بغداد ويحاوله بالتواتر والحجة والبرهان، فأن عليكم قبل غيركم، ان تدركوا جديا ماذا يتوجب ان تفعلوه. فلم يعد الصمت ممكنا وأهوار الجنوب قد جففت وشرد أهلها في عمل همجي يعيد إلى الأذهان صورة الإبادة الجماعية لسكان مدينة حلبجة الذين أبيدوا بالسلاح الكيماوي المحرم. ولم يعد الصمت ممكنا ونظام بغداد يستمر في التعبئة النفسية لعمليات عسكرية قادمة، وسط تهديدات بعدم وقوفه ساكنا أمام عمل عسكري أمريكي محتمل. ولم يعد الصمت ممكنا والنظام الدكتاتوري يرتكب كل يوم، بل في كل ساعة، بل في كل دقيقة، وعلى مرأى ومسمع العالم، جريمة جديدة تفوق سابقاتها بشاعة ودموية ؟
&
فهل بعد كل هذا تتجرأون على القول بأنكم تدافعون عن وحدة الشعب العراقي أو عن مستقبل البلاد؟
وأية مصداقية تبقت لكم؟ ومتى كان الدفاع عن الشعب العراقي يتم بتوجيه السلاح إلى صدور أبنائه واحتقار إرادتهم في الحياة الحرة الكريمة؟
أيها العرب والمسلمون .. ان الفرصة مازالت متاحة لإعادة تقييم المواقف والالتزامات والسياسات تجاه نظام بغداد الذي أوصل العراق الغني بثروته النفطية ومياهه إلى ما دون مستوى الصفر، وجعل من معاناة شعبه وسيلة للمتاجرة وربح الوقت.&
ان الدعوة قائمة والباب مفتوح لتصحيح الخطأ والاعتراف بالخطيئة تجاه الشعب العراقي والاعتذار منه، فالظروف التي يجتازها العراق والمنطقة لا تسمح بممالأته، أو مسايرته تحت مختلف الذرائع والتبريرات، فهذه الظروف بصعوباتها وتعقيداتها وما تفرضه من مسؤوليات تتطلب اليوم اكثر من أي وقت مضى موقفا حازما من هذا النظام الخارج عن الإجماع العربي والإرادة الإسلامية، حتى لا نتيح المجال ثانية لأن نجعل من العمل العربي المشترك والدين الحنيف مجرد شعارات للاستهلاك، والأحرى، ان ندعها تتحول إلى حراب تعمل في الجسد العراقي قتلا وتمزيقا.

صحفي عراقي ـ كندا
[email protected]