ليث الحمداني&
&
على مدى سنوات عمر الدولة التي تدعي (الشرعية الثورية) شبع العراقيون عربا وكردا وتركمانا وأشوريين وأرمن، مسلمين ومسيحيين ويهودا وصابئة ويزيدية من الشعارات.. شبعوا من شعارات (التدين) و (الوطنية) و (الاستقلال) و (الاشتراكية) و (المساواة) و (العدالة) و (الحرية) التي لم يروا منها سوى القهر والتجييش والسجون والفقر والتمييز. تلاشت الطبقة المتوسطة التي أعطت العراق أفضل مبدعيه وتحوّل المجتمع العراقي إلى فقراء وأغنياء. تزاوجت السياسة مع التجارة والصناعة، فاعتزل التجار الحقيقيون، وانزوى الصناعيون المبدعون وأصبح كل شيء بين (الأقرباء) و (الحاشية) ولم يعد هنالك حدود بين الوظيفة القيادية كمهمة للمكلف يتقاضى عنها أجرا وبينها كوسيلة للدخول إلى عالم (البزنس) ونهب ما يمكن نهبه بأسرع وقت ممكن..
العراقيون الذين يتطلعون إلى تحركات المعارضة لا يملكون سوى الحلم..
يحلمون بنظام جديد يكرس وحدة الوطن.. العراق بكل أديانه وقومياته وطوائفه، ويكرس معها الفصل بين السلطات بحيث لا يصبح المواطن مجرما منذ أن يمسك به شرطي الأمن أو عنصر المخابرات..& يحلمون بأن يختفي تماما شعار (أنت تفكر إذن أنت متهم) الذي ساد حياتنا السياسية منذ أن تسلط علينا (العسكر) و (المتعسكرون).. يحلمون بقانون عصري للجنسية يعيد الحقوق المدنية للذين استلبت حقوقهم ويعوضهم سنوات الاضطهاد والحرمان من أرض الوطن.. يحلمون بردّ الاعتبار للمؤسسة القضائية وإعادة النظر بواقعها بحيث لا يضطر القضاة للعمل في أي مجال بعد ساعات الدوام وبأعمال لا تناسبهم لمواجهة متطلبات الحياة..
عمال العراق يحلمون أن يعود لهم اتحادهم الذي أرسى قواعده علي شكر في الخمسينات وكرس دوره هاشم علي محسن في الستينات للدفاع عن حقوقهم التي سلبت منهم يوم حولهم النظام الدكتاتوري إلى (موظفين) بالاسم، لا لشيء إلا لإلغاء دورهم وكلمتهم فيما سمي بمهزلة (التخصيص) حين بيعت أغلب مشاريع الدولة التي كانت ملاذا للفقراء ولأبناء الطبقة المتوسطة إلى (اللصوص وشركائهم)، فتحول أقرباء الرئيس (ذي المائة لقب) وأعضاء (قيادته) إلى صناعيين وتجار في وقت ابتعد فيه الصناعيون والتجار الحقيقيون عن الأضواء حفاظا على الكرامة..
يحلم تجار العراق بأن تعود لاتحادهم وغرفهم التجارية استقلاليتها وأن تعود لتكمل المسيرة التي بدأها جعفر أبو التمن والشيخ محمد رضا الشيبي يوم كانت تجمع في مجالس إداراتها تجار العراق مسلمين ومسيحيين ويهودا وصابئة ويزيدية وتقف بمواجهة السلطة دفاعا عن القضايا التي تؤمن بها..
يحلم صناعيو العراق أن تبتعد السلطة عن التدخل بشؤون اتحادهم ليعود كما كان أيام فتاح باشا وخدوري خدوري ومحمد حديد، لا كما هو الآن جهازا متلقيا لقوانين لا تنسجم مع العقول التي تسعى للنهوض بالصناعة الوطنية..
يحلم صحفيو العراق أن تنسحب الدولة من عالم الصحافة وأن يصدروا صحفهم بموجب قوانين عصرية تحترم المطبوع ولا تتعامل معه وكأنه وثيقة اتهام لصاحبه.. وأن تعود نقابتهم لتقف بشموخ في وجه أي إجراء يمس حرية الصحفي أو كرامته أو حقه في نقد مؤسسات الدولة بكل مستوياتها.
وهكذا يحلم المعلمون والمهندسون والأطباء والصيادلة، يحلمون أحلاما مشتركة لا علاقة لها بالدين أو القومية أو الطائفية، يحلمون بوضع مستقر يوفر لهم وللأجيال القادمة الحياة الحرة الكريمة.
لا يحتاج العراقيون لمن يعلمهم أصول الديمقراطية بالخطب الرنانة ولا يحتاجون لمن يعلمهم أصول العبادة أو طقوسها باستدرار المشاعر، لأن هذه كلها تدخل في دائرة الشعارات التي كفروا بها منذ زمن بعيد..
فهل يدرك اجتماع لندن أحلام العراقيين تلك، أم يتيه في أزقة (المحاصصة)& و(ضيق الأفق القومي) و (الطائفية) ويندفع المشاركون فيه لتمثيل مصالح دول الجوار أو الدولة الكبرى.. فيكتشف العراقيون بأنهم سيظلون يحلمون لسنوات أخرى...
صحفي عراقي - كندا
E-mail: [email protected]