يحي أبوزكريا
&
على إمتداد حياتي الثقافية والصحفيّة لم أتعوّد البتة أن أدافع عن الأنظمة المتخمة بالعفونة, ولا عن الأشخاص اللهمّ إلاّ أولئك الذين أعتبرهم مستضعفين و مقموعين, وقد كلفنّني كل ذلك تطواف في الأمصار, ورحلات إضطراريّة من وطن إلى وطن بحثا عن وطن, وكان يفترض أن أستقرّ في وطني الجزائر الذي حررّه لي آبائي من الإستعمار الفرنسي وقد قدموا مليونين شهيدا من أجل إستقلال الجزائر, ومن أجل كرامة أبناء الجزائر الذين طردتهم الفتنة الجزائرية العمياء بإتجّاه القارات الخمس.&ومادعاني لكتابة هذا الموضوع هو ماكتبه الزميل داوود البصري عن برنامج الإتجّاه المعاكس والتوازن المفقود في قناة الجزيرة و وصفه الزميل والصديق فيصل القاسم بما لا يستحّق. وللإشارة فإنّ الزميل والأخ فيصل القاسم من سوريا وأنا من الجزائر ولا يجمع بيننا غير القضايا الكبرى للإنسان العربي التي ينافح عنها فيصل القاسم بكل كفاءة وجدارة.
عرفت فيصل القاسم إنسانا متواضعا وإعلاميا مجدّا ورجلا غيورا على أمته العربية والإسلامية, ولم ألمس فيه كما قال داوود البصري إنسانا متكبرا يخال نفسه قطب رحى الإعلام العربي, علما أنّ فيصل القاسم بشهادة الأصدقاء والأعداء والفضل ما شهد به الأعداء يعّد واحدا من أركان الإعلام العربي وأحد محرّكي ومثيري العقل العربي بإتجاه إعادة التفكير والتحليل, والأكثر من ذلك فقد قال لي أكثر من مرّة بعض رجالات القرار في العالم العربي والغرب أنّهم يتابعون أسبوعيا برنامج الإتجّاه المعاكس الذي يشكّل لوحة حدثية وتحليلية للواقع العربي والإسلامي رغم عدم كفاءة بعض ضيوف الإتجاه المعاكس السياسية والثقافية والفكرية وحتى اللغويّة. ولعلم الأخ داوود البصري فإنّ فيصل القاسم لا يوجد وراءه فريق بحث وعمل بل يضطلّع هو شخصيّا بإعداد برنامج الإتجّاه المعاكس مع رفيق دربه الصحفي معن الشريطي الذي يحتجب عن الأضواء لكن لديه بصمات جليلة في برنامج الإتجاه المعاكس الذي أثار ومازال يثير إشكالات وتساؤلات وإفرازات على إمتداد خطّ طنجة - جاكرتا.
ولطالما إستوحت الصحافة العربية عناوينها العريضة من برنامج الإتجاه المعاكس بعد بثّه مباشرة, ولطالما إستوحى كتّاب كبار الخطوط العريضة لمقالاتهم الإفتتاحية من برنامج فيصل القاسم. بالإضافة إلى ذلك فإنّه منذ بدأ الإتجاه المعاكس قبل نصف عقد من الزمن كان فيصل القاسم على الدوام ينحاز لقضايا الإنسان العربي والمسلم, فهو ضدّ الأمبريالية الأمريكية, وضدّ الحكام العرب المعتوهين وضدّ الأنظمة البوليسية وضدّ الديكتاتوريات السياسية بكل أشكالها, وضدّ الغزو الثقافي لبلادنا العربية والإسلامية بشقيّه الإنجلوسكسوني والفرانكفوني, وضدّ الكيان الصهيوني في كل تفاصيل الحركة الصهيونية, وفوق هذا وذاك لم نسمعه يوما مدح جبّارا أو طاغية بل هو ممنوع من دخول العديد من العواصم العربيّة.
أقول كل هذا الكلام وفي جعبتي الكثير إنصافا للرجل الذي يريد أن يقدمّ شيئا للعالم العربي والإسلامي, ويريد بحركة الوعي أن ينطفئ الإستبداد في عالمنا العربي والإسلامي. ومهما إختلفنا أو توافقنا مع فيصل القاسم يجب أن لا ننسى أنّه ساهم في إيقاظ الوعي العربي, وساهم في تحريك العقل العربي, و مازال برنامجه في طليعة البرامج الحواريّة في العالم العربي, بل إنّ هناك العديد من البرامج إقتبست منه دون أن تذكر المصدر. وقد لجأت فضائيات عربية إلى إنتاج برامج وصرفت عليها مئات الألاف من الدولارات لتبث في نفس فترة بثّ برنامج الإتجاه المعاكس, كمن سيربح المليون وغيره من البرامج, لكن ظلّت الملايين ومازالت تتابع برنامج الإتجاه المعاكس إيمانا منها أنّ فقه الريّال زائل, وفقه صنع الرجال باق. ولأخي فيصل ألف تحيّة.