سليمان يوسف يوسف
&
&
"إذا أردت أن تعرف أمة فاعرف موسيقاها"
&
شهدت الجزيرة السورية(محافظة الحسكة) في الفترة الأخيرة مجموعة من الفعاليات والنشاطات الاجتماعية والثقافية والفنية،قامت بها المؤسسات الكنسية السريانية/الآشورية.أبرز هذه النشاطات (المهرجان الثامن للغة السريانية)الذي أقامته (رابطة نصيبين لأدباء السريان) أشترك فيه كتاب وأدباء سريان (آشوريين) من سوريا و لبنان والعراق. وكان أخر هذه النشاطات-الذي سنتوقف عنده- هو المهرجان الثالث (للأغنية السريانية/الآشورية) الذي أقامته (لجنة الرها الفنية)، لما لهذا المهرجان من دلالات وطنية وقومية وتاريخية على الصعيد الكنسي والشعبي في الشارع الآشوري (السرياني) السوري.
انطلق المهرجان من مدينة (القامشلي) على ضفاف نهر (نصيبين) الجغجغ. ليتواصل مع المهرجان الذي أقامته (الهيئة الإدارية لكنيسة المشرق الآشورية) على ضفاف نهر الخابور، في مدينة(تل تمر).تضمنت المهرجانات إلى جانب الغناء العديد من اللوحات الفنية استعرضت التراث والفن الغنائي الآشوري (السرياني) القديم والحديث مثل (الحصاد، الراوي ، الليان ، الديوان) وغيرهما من المقامات الآشورية. هذا وقد حظيت جميع هذه النشاطات باهتمام أعلامي رسمي وشعبي في سوريا. جدير بالذكر إن الأغنية السريانية (الآشورية) اشتركت في السنوات الأخيرة في مهرجان (الأغنية السورية) والذي يقام سنوياً في مدينة حلب. أن أستمرارحضور الأغنية(السريانية/الآشورية) في جميع مهرجانات الأغنية السورية، بشكل أفضل وأكثر فاعلية سيرفع ليس من شأن الأغنية (السريانية/الآشورية) فحسب، وإنما من شأن وقيمة الأغنية السورية& أيضا.ً&فالغناء عند السريان(الآشوريين) قديم قدم التاريخ وله خصوصية مميزة ويمتد في قدمه إلى العصور الوثنية، حيث كان الغناء من الطقوس الأساسية& في الاحتفالات الخاصة بالأول من نيسان( رأس السنة الآشورية) أمام الآلهة الوثنية في أور والرها نينوى و نصيبين وغيرها. لقد ترك الإنسان الآشوري في بلاد مابين النهرين بصمات واضحة على غناء شعوب المنطقة والحضارة البشرية عامة في مجال فن الغناء والموسيقا،كما في بقية المعارف والعلوم، هذا الإنسان الذي أبدع سيمفونية(نينوى) قبل حوالي ألفي عام ق.م خير دليل على أصالة وعظمة الموسيقى السريانية الآشورية. و يوجد الكثير من الأدلة التاريخية والوقائع تثبت عراقة الأغنية السريانية (الآشورية) مثل القاموس السرياني الذي نقل& منذ العهد الوثني كما هو، هذا القاموس مليء بالمترادفات وأسماء آلات الطرب والإيقاعات الغنائية مثل (قيثورو) القيثارة و(قينوثو ) ألحان و (بوق) القرن، فشعب يمتلك أسماء آلات الطرب والغناء يعني آن هذا الشعب كان يتعامل مع هذه الآلات منذ عهود طويلة جداً. لقد واكبت الأغنية الآشورية(السريانية) مسيرة التحولات الفكرية والاجتماعية في المجتمع الآشوري(السرياني) وترافقت مع بدايات ظهور(الحركة القومية الآشورية).فقد ارتبط ظهور الأغنية السريانية الحديثة مع نمو الوعي القومي لدى الكثيرين من أبناء الشعب الآشوري(السرياني). حيث كانت الأغنية الوسيلة الوحيدة والأسهل لنشر ونقل الفكر القومي في ظروف سياسية صعبة، كان من الصعب والمخاطرة تداول المطبوعات السياسية للأقليات، إذ كانت من الممنوعات والمحرمات، في سوريا وباقي دول المنطقة.
لا شك أن مثل هذه النشاطات (الثقافية والاجتماعية والفنية) ليست بجديدة على المؤسسات الكنسية، فمنذ سقوط (الدولة الآشورية) واعتناق الشعب الآشوري (السرياني) للديانة المسيحية باتت( الكنيسة) بمثابة (الوطن البديل) له أينما كان وحيثما حل، يمارس فيها تراثه ولغته وطقوسه وتقاليده الدينية والاجتماعية.في إطار هامش الحريات الدينية التي يتمتع بها هذا الشعب& خاصة& في (لبنان وسوريا) ومنذ عهد الاستقلال. وفي السنوات الأخيرة بدأت كنائس الشعب الآشوري بمختلف طوائفه (سريان/كلدان)، عهداً جديداً بفضل جهود رؤساء هذه الكنائس والقائمين عليها. إذ أنهم يدعون دوماً إلى التقارب بين أبناء طوائف الشعب (الآشوري)الواحد من سريان وكلدان من جهة،وبين جميع أبناء الوطن الواحد سوريا من جهة أخرى، وإلى تمسك هذا الشعب بوطنه سوريا. وبتراثه القومي ولغته السريانية(لغة سورية القديمة) وثقافته الوطنية المتميزة. فقد جاء في كلمة (قداسة البطريرك- زكا الأول عيواص) - بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم- في افتتاحه للمهرجان الثاني (للأغنية السريانية) في مدينة القامشلي: "تيودورة ابنة قس منبج التي أصبحت إمبراطورة ولكنها بقيت سريانية متمسكة بأيمانها ولغتها السريانية وتراثها الثمين،والبطل العظيم مار (يعقوب ألبرادعي) لم يجاهد في سبيل التمسك بالإيمان وحسب بل أيضا في سبيل الكيان السرياني لأنه قد شعر أن شعبه قد ظلم من المستعمر البيزنطي ولذلك حاربه حتى الموت وأنتصر وأصبح كيان هذا الشعب معروفا في العالم اجمع" وأضاف قداسته "قالوا:إن السريان قد أعدموا كل شيء وثني عندما آمنوا بالرب يسوع إنني أضع إشارة استفهام كبيرة على هذه المعلومة المزيفة أو هذه البدعة ف (السريان) لم يعدموا شيئا من تراثهم إنما أعدائهم هم الذين أعدموا تراثهم ليزيلوا حتى معالمهم ". أما نيافة المطران(متى روهم)- مطران الجزيرة والفرات- قال في كلمة اختتام هذا المهرجان: (سمعنا أغنيتنا اليوم باللهجتين الغربية و الشرقية وهي لغة واحدة ونحن شعب واحد، لغتنا التي يتحدث بها السريان و الكلدان و الآشوريون لغة واحدة وعندما يغني أخوتنا الشرقيين بمهرجاناتنا فهم يغنون في بيوتهم و عندما نغني بلهجتهم فنحن نغني بلغتنا، نحن شعب واحد و كل ما مر عبر العصور هو لنا جميعا و هكذا هو القادم أيضا).&
إن أقل ما يقال عن هذه المهرجانات والنشاطات بحق هي وقفة مع ألذات و& التاريخ و الشعب والوطن(سوريا)، قبل أن تكون وقفة&مع (اللغة) أو (الأغنية)&السريانية/الآشورية، وقفها& المشاركون والجمهور معا، من خلال الروح القومية والوطنية التي انبعثت من كلمات المتحدثين وقاعة المهرجانات،حيث أكدت جميعها على الهوية الثقافية والقومية الواحدة، التي هي امتداد وتواصل لتراث والفكر الميثيولوجي لشعب بلاد ما بين النهرين&وسوريا الذي&تعود جذوره& إلى& أكثر من (5000& عام ق0 م) وكذلك تؤكد كل هذه النشاطات والمهرجانات على السمة الوطنية لكنائس الشعب الآشوري بكل طوائفه في سوريا.
أخيراً:أن الشعب الآشوري بكل طوائفه (السريان والكلدان) يطمح ويطالب الدولة السورية أن تقر بخصوصيته القومية، وتمنحه حقوقه الثقافية والاعتراف باللغة السريانية على أنها لغة شعب وحضارة،وليست لغة طقس كنسي فحسب.وتحرير الروح القومية الخلاقة لدى الشعب الآشوري(السرياني) الكامنة في تراثه وفسح المجال أمام هذا الشعب ليُخرج مثل هذه النشاطات والفعاليات الثقافية والفنية خارج أسوار الكنيسة ومؤسساتها، إلى رحاب المجتمع المدني، وإلى كامل الفضاء الوطني في سوريا.
وهنا نستذكر ما قاله الرئيس الراحل حافظ الأسد إثناء لقاءه مع مجلس المطارنة السريان في دمشق، حيث قال: "سوريا بلدكم وهي لكم، وأنا لا أعطيكم ما هو ليس لكم". لا شك أن هذا كلام مهم يؤكد على العمق الحضاري للوجود الآشوري (السرياني) في سوريا، ويعبر على مدى تفهم الرئيس الراحل لحقوق الآشوريين السريان في وطنهم الأم سوريا، وما يترتب على الدولة السورية من& مسؤولية وواجب في أن تمنح&الآشوريين (سريان/كلدان) حقوقهم الثقافية وحقهم في التمثيل الإداري والسياسي الصحيح والصريح في جميع مؤسسات الدولة، وأن تساعدهم على أحياء تراثهم ولغتهم، باعتباره جزءاً أصيلاً وأساسياً من التراث الوطني السوري. أن الهوية الحضارية لسوريا لم ولن تكتمل بدون أحياء هذا التراث(الآشوري)السرياني العريق وانبعاثه من جديد .
الكاتب من سوريا&& ... كاتب مهتم بمسألة الأقليات