المستشار محمد سعيد العشماوي
&
استولت جيوش السلطنة العثمانية على الشام (1516) ثم على مصر (1517)، ومن ثم بسطت نفوذها على كل منطقة الشرق الأوسط، ومنها بلا شك أرض الحجاز، موضع الحرمين وفرضت هذه السلطنة على الشعوب العربية الجهل والتخلف حتى تستطيع أن تمتص ثرواتها وتجفف دماءها وتزهق روحها، فتغني من فقرهم، وتبقى فتية بدمائهم. وتظل قوية بما أخذت من أرواحهم.
وعندما كان يرتفع صوت بالاحتجاج كان يقمع بشدة بل ويخنق بقوة، مثلما حدث في المشانق التي نصبها جمال باشا في دمشق لتعدم نفراً من خيرة رجال الشام الذين ثاروا على الظلم وطالبوا بالعدل والمساواة. والمكان الذي وقعت فيه هذه المذبحة المريعة صار الآن في ظل الحكم السوري يسمى ساحة الشهداء.
وكانت الحروب مستمرة بين السلطنة العثمانية من جانب وبين شعوب أوروبا، الروسيا والامبراطورية الرومانية الشرقية، والنمسا، والصرب، والبلغار (بلغاريا) واليونان، وغيرها وغيرها، وفي هذه الحروب الاستعمارية من الجانبين، بدأت الدوائر تدور على الامبراطورية العثمانية فضعفت من الداخل أولاً، ثم انهزمت امام الجيوش الاوروبية، في موقعة تلو الأخرى، وصارت تسمى رجل أوروبا المريض، من فرط ما أصابها من ضعف وخيم عليها من وهن، فبدأت الدول الاوروبية في اقتسام تراثها من البلاد التي كانت تستعمرها، ما دامت قبضتها قد ارتخت، وحتى تقطع أوصالها، وتحول بينها وبين اسباب القوة التي هددت بها أوروبا طويلاً، بهذا بدأ الطور الاستعماري الثاني في الشرق الاوسط، حيث بسطت كل من بريطانيا وفرنسا، القوتين السائدتين آنذاك، نفوذها على بلاد المنطقة، واتفقتا على مناطق نفوذ كل منهما في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 .
لم يكن أمام الشعوب العربية فرص حقيقية لمقاومة الاستعمار الثاني، فقد كان هذا الاستعمار مدججاً بأسلحة جديدة، مثل المدافع والبنادق والسيارات المصفحة والدبابات المتنوعة والبوارج الحربية وغيرها وغيرها. أمام هذه الترسانات العسكرية كانت مقاومة الشعوب ضرباً من الانتحار.
فالفرد أو الافراد الذين كانوا يثورون على الاحتلال، غالباً ما كانوا يفعلون ذلك بمظاهرات ضخمة تتحرك بالهتافات العالية ثم تنتهي هذه المظاهرات، وكأن شيئاً لم يكن. وهو الوضع الذي أطال من بقاء الاستعمار زمناً، حتى تغيرت الظروف العالمية. وعملت الشعوب العربية من خلال قنوات متعددة على أن تحصل على استقلالها، واستقلت عن الاحتلال الغربي بالفعل، واحداً بعد آخر.
عندما تملكت الدول العربية زمام نفسها كان امامها طريق طويل لتقطعه حتى تستطيع ان تحافظ على هذا الاستقلال، وأن تدفع بشعوبها الى ساحة التنافس العالمي وهي قوية وقادرة على المنافسة، غير أنه لظروف كثيرة، تعثرت جهود البلاد العربية ولم تصر قوية قادرة بالصورة المطلوبة وعلى المستوى الذي يؤهلها لذلك.
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، شرع الاحتلال العسكري في الانحسار شيئاً فشيئاً، في الوقت الذي انتشرت فيه اتجاهات العالمية، أو العولمة، من خلال المنظمات الدولية والهيئات النابعة لها، وبواسطة الشركات متعددة الجنسيات Multi Nationals التي مدت أنشطتها إلى كل بلاد العالم، ومن خلال الاستثمارات الغربية في بلاد الشرق الأقصى وغيرها، ولاحت من ذلك آفاق جديدة، هي ضرورة التنمية البشرية، والانتاج الصناعي المنافس، وسيادة مبادىء القانون، والتنظيم الاداري (الحكومي) الأمثل، وإذ أن هذه الآفاق لم تظهر بوضوح لبعض الحكومات والشعوب، في المنطقة العربية خاصة، فقد انتهجت الاساليب التقليدية التي عفا عليها الزمن، ولم تعد قادرة على المنافسة الصحيحة، والوصول الى الفوز والسبق، أو على الأقل المساواة مع غيرها من الحكومات والشعوب، فأدى ذلك إلى اليأس والاحباط، ولوم النفس حيناً، واتهام الغير أحياناً.
في هذه الحلقة المغلقة انفتح آفق جديد، ولم يزال العرب، حكومات وشعوباً، غير منتبهين إليه ذلك هو مجال التقنية الالكترونية.
التقنية الالكترونية تزود كل فرد عربي بأسلحة تتساوى مع أي فرد آخر، في أقوى البلاد وأشدها بأساً، ان هو علم وعمل، أي تعلم وتدرب، ثم عمل في دأب على أن يتمكن ويتفوق في هذا المجال، الفردي من جانب والعالمي من جانب آخر، فأمام جهاز الحاسب الالكتروني (الحاسوب أو الكمبيوتر) يتساوى كل شباب العالم، بعيداً عن مدى قوة وقدرة بلادهم، وبالملكات الذهنية والمكنات الابتكارية يمكن أن يصل فرد من أبناء العرب، أو شخص من أي بلد ناء في العالم، إلى ما يؤثر على العالم جميعاً، ويكون عاملاً فعالاً في العولمة وعناصرها الاقتصادية والادارية والعسكرية، وهذا فتح جديد يوضع أمام كل شباب العالم، ومنه الشباب العربي، يجعل كل واحد منهم على مستوى أي فرد آخر في أي مكان آخر، سواء كان الولايات المتحدة أم بريطانيا أم المانيا أم فرنسا أم الروسيا.
مثال ذلك ان البريد الالكتروني (البريد الساخن Hot Mail) هو من اختراع شاب هندي اشترته منه الشركة الاميركية الشهيرة ميكروسوفت، ونشرته، مما أثر ويؤثر على كل فرد في العالم، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وكذلك نظام الاعلان الالكتروني، الذي اخترعه شاب هندي كذلك ثم عممته الشركات الناشرة فصار عنصراً مهماً من عناصر التبادل العالمي.
هذان مثلان يفتحان أفق المستقبل أمام الشباب العربي، فكل واحد منهم، بخبرته ودرايته، يستطيع أن يتساوى، بل يتفوق على غيره من الشباب، فيصل إلى ذرا العالمية بما يخترع، ويصل إلى صميم التاريخ بما يعمل، هذا فضلاً عن الثروة الوفيرة التي لابد أن يجنيها من حقوق التأليف (Copy Right) والمجد الذي يحققه لبلده وللعرب جميعاً.
إن الباب مفتوح، والدعوة قائمة، فمن يلبي النداء!؟
مفكر وكاتب مصري