إيلاف- قال تقرير مشترك أصدره معهد بروكنجز ومدرسة الدراسات الدولية حول الفئات والطوائف الأكثر تهميشاً في العراق، إن أكثر من مليون عراقي اضطروا إلى ترك أراضيهم وديارهم نتيجة التدابير السياسية التي ارتكبتها الدولة بزعامة صدام حسين، وذلك حسبما جاء في دراسة نشرها أخيرا معهد بروكنجز ومدرسة الدراسات الدولية العليا حول مشروعهما الخاص بالتشريد الداخلي.
وأشار التقرير الذي تلقت (إيلاف) نسخة منه إلى أن "العراقيين المشردين داخليا الذين يزيد عددهم على مليون يشكلون، في بلد تعداده 23 مليون نسمة، فئة كبيرة جدا لا يمكن تجاهلها، وأن الصلة بين محنتهم و مشاكل العراق السياسية والاقتصادية والعرقية الأكثر عمقا توحي بأن تجاهلهم يمكن أن يقوض أي جهد لإعادة الإعمار من عدة جوانب أساسية."
وخلص التقرير إلى أن الحلول الدائمة لمجموعة المشاكل لا يمكن تحقيقها إلا بزعامة عراقية جديدة و مشاركة دولية ملحوظة.
ويوصف مشروع معهد بروكنجز ومدرسة الدراسات الدولية العليا حول التشريد الداخلي بأنه برنامج أبحاث غير حكومي تدعمه الأمم المتحدة لتسليط الضوء على أوضاع التشريد الداخلي المحجوبة عن المراقبة الدولية. وعلاوة على العراق درس المشروع قضايا تتعلق بالسكان المشردين في الاتحاد الروسي والجزائر وبورما ودول أخرى.
ففي تقريره الصادر في تشرين أول (أكتوبر) 2002 بعنوان "الأشخاص المشردون داخليا في العراق" يفهرس جون فوسيت وفيكتور تانر الطرق العديدة التي اضطهدت بواسطتها الأقليات الكردية والتركمانية والأشورية في العراق وكذلك الشيعة الذين يعيشون في جنوبي العراق طيلة عقود من سياسات النظام.
وتقول الدراسة إن ما يتراوح بين 600،000 و800،000 شخص شردوا في شمالي العراق وأن ما يقدر بـ 300،000 شخص شردوا في وسط البلاد وجنوبيها وأن "أعداد الأشخاص المشردين داخيا استمر في الارتفاع."
مدن مؤقتة
ومضى التقرير قائلاً إن معظم الأسر المشردة في العراق تعيش في "مدن جماعية" مؤقتة و ثكنات أو في مبان ليست مناسبة لسكن الأسر الدائم. وأضاف التقرير " أن تقارير الأمم المتحدة والمقابلات التي أجريناها تشير باستمرار إلى فقدان الوسائل الصحية الجيدة وإمدادات المياه وإلى الازدحام بوصفها عناصر مهمة تساهم في الأوضاع الصحية السيئة للسكان المشردين."
وأشار التقرير إلى أنه "لم تبذل جهود تذكر لتقديم مساعدات مباشرة - والأهم من ذلك، تقديم حماية مباشرة لأكثر السكان تعرضا للخطر في العراق، وهم المشردون داخليا."
و كانت القوات العراقية قد زرعت خلال الحرب الإيرانية العراقية وحرب الخليج آلاف الألغام البرية التي لم تتم إزالتها بعد. وقد حاولت وكالات الأمم المتحدة إرسال بعثات لإزالة الألغام، حتى يتمكن الأشخاص الذين كانوا يعيشون في تلك الأراضي من العودة إلى منازلهم، لكن نظام الحكم رفض السماح للبعثات بالوصول إلى تلك المناطق على الرغم من توقيعه اتفاقيات بالتعاون مع البعثات الدولية لتطهير الألغام.
ويقول التقرير إن من نتائج سياسات نظام الحكم العراقي تجويع السكان، مع أن البلاد قادرة على إنتاج ما يكفي من محاصيل الغذاء لتلبية احتياجاتها. وبسبب هويتهم العرقية الكردية أو فقدان التأييد من نظام الحكم، فإن الأشخاص الذين كانت أسرهم تزرع الأراضي حول كركوك في شمالي العراق منذ قرون أرغموا على هجر أراضيهم. وأضاف التقرير أن الهدف هو استثمار البترول تحت تلك الأراضي لمصلحة النظام.
مسؤولية دولية
لكن بغداد ليست الهدف الوحيد للانتقاد في التقرير. "فالمجتمع الإنساني الدولي لم يهتم اهتماما كافيا بمساعدة أو حماية المشردين في العراق. ولم يتخذ خطوات لمحاولة حمايتهم من التشرد في المقام الأول. وكانت مساعدته، بعد تشريدهم محدودة وغير فعالة إلى حد كبير. وينطبق هذا على وكالات المساعدات الخاصة وتلك التابعة للأمم المتحدة. وقال التقرير إن مسؤولي الأمم المتحدة الذين كانوا يخشون أعمال العنف أو الطرد أو أي أعمال انتقامية أخرى من جانب العراق، و عدم التأييد من مقر الأمم المتحدة، امتنعوا عن المطالبة بالوصول إلى المشردين أو الاحتجاج على معاملتهم وخاصة في وسط العراق وجنوبه."
وقال التقرير إن الاقتتال بين الزعماء الأكراد المتنافسين زاد من عدد المشردين في شمالي البلاد.&
ومع ذلك فإن السلطات الوطنية تتحمل، كما تقول الدراسة،& المسؤولية الرئيسية عن المشردين داخليا. "فمن الثلاثين مبدأ التي تشكل المبادئ المرشدة فيما يتعلق بالتشريد داخليا - أي المعايير الدولية التي نشرتها الأمم المتحدة لمعاملة الأشخاص المشردين داخليا--& لم تحترم الحكومة العراقية الحالية، في رأي واضعيْ الدراسة، أيا منها."
وقال التقرير إن العراق وقع مذكرات تفاهم مع الأمم المتحدة أصبح سكانه المشردون داخليا بموجبها مؤهلين لتلقي مساعدات الأمم المتحدة، لكن العراق منذ لحظة توقيعها بذل كل ما في طاقته لعرقلة جهود وكالات الأمم المتحدة لتوفير المساعدات للمشردين. بل إنه رفض حتى تقديم معلومات عن أعداد ومواقع إقامة السكان المشردين وذلك للتغطية على مسؤوليته عن حالتهم.
اضطهاد
ومضى التقرير قائلاً إنه " خلال الثلاثين سنة الماضية، لم يمر على الإطلاق وقت لم يطرد فيها فئة أو أخرى من منازلهم. ولم تكن "كراهية الآخر" هي الدافع للاضطهاد الوحشي خلال العقود القليلة الماضية بقدر ما كانت حسابات النظام السياسية والاقتصادية. ولا يمكن تسوية محنة المشردين إلا بإحداث تغيير عميق في موقف الحكومة العراقية."
ويعرض تقرير معهد بروكنجز اقتراحات لمعالجة الوضع. فقد قال إن "جميع مستويات السلطة في العراق، من بغداد إلى المقاطعات المحلية، يجب أن تعترف رسميا بأن طرد السلطات الحاكمة السابقة السكان من منازلهم هو جريمة. وهذا الاعتراف& لا يمكن أن يشوبه أي تردد أو أن يكون اعترافا جزئيا أو شكليا."
وتشمل الاقتراحات العملية الأخرى تشكيل هيئة رسمية تضم ممثلين من الفئات العرقية و الدينية و مشرفين دوليين لتمكين المشردين من استعادة أراضيهم و ممتلكاتهم. ويرى واضعا التقرير أن ثمة مزية في تشكيل لجنة عمل خاصة لتنسيق عودة المشردين والفصل في المنازعات وهي خطوة تستهدف منع الاندفاع نحو كركوك وغيرها من المدن. وأخيرا يعرب واضعا التقرير عن الأمل في أن تتمكن وكالات الأمم المتحدة والوكالات الدولية الأخرى من الوصول إلى أماكن إقامة المشردين وزعمائهم ، بغير خوف أو انتقام.
ويتوصل التقرير إلى استنتاج متزن يكمن في "أن المشاكل التي أدت إلى تشريد كثير من العراقيين داخليا هي أكبر من السلوك غير المقبول لنظام الحكم الحالي في بغداد. فهي تتعلق بجوهر الصراع على السلطة في العراق وبالقضايا الجوهرية للسياسة العراقية وهي: المياه والأرض والبترول وحقوق الأقلية والأكثرية والمواطنة والولاء الوطني."
ارهاصات التغيير
ويقول التقرير "إن حدوث تغيير في نظام الحكم بالعراق وفي الحكومة نفسها لن يسفر عن حل فوري لمشاكل المشردين داخليا. فعلى السلطات الوطنية يقع واجب ومسؤولية رعاية المشردين داخليا وتحقيق مصلحتهم. ولذلك فإن أي حكومة عراقية سترث واجب تسوية هذه القضايا."
ونقلت نشرة الخارجية الأميركية عن جون فوسيت، وهو أحد واضعي التقرير، قوله إنه لا يرى أدلة تذكر على أن العراق سينقسم بشكل دائم على أسس عرقية. وأعرب عن اعتقاده بأنه يمكن إقامة نظام سياسي متعدد الأطراف يحترم حقوق كل فرد بعد أن يغادر صدام حسين المسرح.
ويعرب فوسيت عن الأمل في أن تنشط المعلومات الواردة في هذا التقرير الوكالات الدولية بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة "للخروج عن صمتها" بشأن أوضاع المشردين داخليا في العراق والضغط على نظام الحكم الحالي نيابة عن الشعب العراقي.
وسيجتمع العراقيون الذين يعيشون في المنفى بواشنطن في أوائل عام 2003 لبحث الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمشردين. و يرتبط عملهم هذا الذي يسره "مشروع مستقبل العراق" التابع لوزارة الخارجية الأميركية، بمهام لجان العمل الأخرى التي تركز على الصحة العامة والبنية التحتية والاحتياجات الاقتصادية في العراق.
ملحوظة
* يمكن الحصول على النص الكامل للتقرير " المشردون داخليا في العراق" (ورقة بحث مناسبة، مشروع معهد بروكنجز-مدرسة الدراسات الدولية العليا الخاص بالتشريد الداخلي بقلم جون فوسيت، المستشار في مركز التعاون الإنساني، وفكتور تانر،& الاستاذ بمدرسة الدراسات الدولية العليا بجامعة جونز هوبكنز من العنوان التالي على شبكة الويب: