ايلاف: تعيش منطقة المغرب العربي على إيقاع متسارع&ومفاجئ للزيارات والزيارات المضادة للمسؤولين السياسيين بها في أجواء من التفاؤل الكبير بإعادة تفعيل آلية اتحاد المغرب العربي وإعادة تسخين العلاقات الثنائية لبلدان الشمال الإفريقي. ولعل أبرز تلك المفاجآت التقارب الكبير للعلاقات بين المغرب والجزائر من دون أن تدلل عليه إشارات تمهيدية ولو في الساعات القليلة قبل اندلاع موجة التفاهم المغربي الجزائري.
فاستنادا للمعلومات التي استقتها إيلاف لدى مسؤولين فرنسيين فان الاجتماع المنفرد بين الملك وشيراك الذي جرى في المغرب قبل أسبوعين بشكل مفاجئ ولعدة ساعات ولم يعرف أحد حيثياته، فانه كان بمثابة صافرة إطلاق لمبادرات استثنائية بمنطقة المغرب العربي وعلى الخصوص بين المغرب والجزائر، فالمقربون من شيراك لاحظوا وكذلك المغاربة أن& التطورات اللاحقة التي جرت بالمنطقة تؤكد أنها من نتائج الاجتماع.
فلم تمر ساعات قليلة على اللقاء المذكور حتى عوفيت العلاقات بين المغرب والجزائر وهي التي استمرت في توترها التقليدي&وسوء نواياها إلى وقت قريب من مجيء شيراك للمغرب.
مراقبون آخرون قالوا بأن القرارات التي صدرت عن المغرب داخليا ولعل آخرها قبول القضاء المغربي بالاستماع لعميل المخابرات السابق في قضية المهدي بنبركة تدخل في نفس إطار إفساح المجال لعلاقات مميزة مع الجيران سواء إسبانيا أو فرنسا...والجزائر.
لم تعط الصحافة المغربية ولا حتى الفرنسية لزيارة شيراك الخاطفة أية أهمية كبرى على مستوى أخبارها اللهم وصفها بأنها تدخل في إطار العلاقات الخاصة التي تجمع شيراك بمحمد السادس إضافة إلى واجب تقديم التضامن والتعزية في عشرات المغاربة الذين لقوا حتفهم جراء الفيضانات الأخيرة، وباختصار إعادة نشر التصريحات الرسمية حول الموضوع ليس الا.
وحدها الصحف الجزائرية كانت معتادة على القراءة السياسية لكل ما يحدث بالمغرب مما حذا بيومية الوطن المكتوبة باللغة الفرنسية أن تفرد للموضوع صفحتها الأولى كموضوع رئيسي تحت عنوان كبير "شيراك يختار محمد السادس".
طبعا لم تكن الصحيفة الجزائرية بالمجانبة الصواب وتخصيصها لنص صفحة للتعليق على "الحدث" نظرا لقراءتها الدقيقة لتصريح مقتضب للناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية المغربية مباشرة بعد مغادرة شيراك للمغرب إذ صرح الناطق بأن الزيارة إضافة إلى أنها تدخل في سياق تبادل الآراء حول القضايا الدولية الراهنة، فقد تدارس الجانبان " الوسائل الكفيلة لتعميق العلاقات الثنائية "في إطار" شراكة استراتيجية استثنائية لصالح مجتمعات واقتصاديات البلدين الصديقين".
وكان من الممكن اعتبار هذا التصريح يدخل في إطار اللغة الخشبية للتصريحات الرسمية التي تعرفها العلاقات الدبلوماسية بالمنطقة، لكن الصحيفة الجزائرية ربطت زيارة شيراك بزيارة صداقة سابقة لوزير الدفاع الفرنسي للمغرب حيث كان قد صرح أثناءها ب"التعاون التفضيلي" بين البلدين على المستوى العسكري.
لقد أيقنت صحيفة الوطن إذن بأن الجزائر الموعودة بعلاقات نموذجية "فقط" تعامل بشكل أقل بكثير من الطريقة التي تعامل بها باريس الرباط. وبذلك يصير ادعاء باريس بالمعاملة الوسط للبلدين غير صحيح من وجهة نظر الصحيفة الجزائرية.
إن أي تحرك دبلوماسي مهما قل شأنه بالمنطقة يقرأ بلغات عدة في المغرب العربي وخصوصا إذا كان المتحرك فرنسا، لقد تعودت المنطقة على طقوس دبلوماسية خاصة جدا فعندما كان شيراك في زيارة خاصة للجزائر العام الماضي على غرار فيضانات "باب الواد"& رأى أن من "واجبه" الإطلال على الرباط وهو في طريق عودته لباريس.
أما اليوم فان فرنسا تراهن على الجميع بالمنطقة مع تفضيل للمغرب لقيادة مرحلتها الجديدة في العلاقات مع المغرب العربي وهو ما جعل الصحافة الجزائرية لم& تستوعب كيف أن العلاقات بين الجزائر و فرنسا بالرغم من توفرها على اتفاقيات موضوعية كثيرة للتعاون الاقتصادي لم تدخل بعد مرحلة التعاون النوعي.
أما المسؤولون السياسيون بالجزائر فقد فهموا اليوم بان فرنسا قبل الزيارة المنتظرة لرئيسها شيراك الربيع المقبل لبلادهم قد اختارت المغرب ليكون محور تجدد العلاقات بالمنطقة. ولذلك استخلصت الجزائر درسا أساسيا مفاده أن أفضل طريقة لكسب ود فرنسا هو معاملة المغرب الشريك الاستراتيجي المميز لباريس بلطف وحسن جوار.