داود البصري&
&
مع أقتراب العام الحالي من نهايته، وطبقا لتقاليده السنوية المعتادة تجتمع دول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة القطرية الدوحة للتداول والتشاور والتنسيق لرؤى وتطلعات ومحاسبة الأداء السياسي السابق لمسيرة عام كامل من عمر المجلس العتيد ودوله والتي أثبتت الأحداث بغض النظر عن العديد من المنغصات والنكسات الطارئة بانه أي مجلس التعاون الخليجي أنجح صيغة إقليمية حدثت خلال العقدين المتفجرين الماضيين من الأحداث والتطورات السياسية في العالم والإقليم على صعيد الإستمرارية والتفاعل والتنسيق وفق صيغة الممكن التي طبعت مسيرة المجلس ودوله في أعقد وأدق مراحل التاريخ العربي في العصر الحديث.
لقد إنبثق المجلس في الخامس والعشرين من مايو / أيار 1981 كضرورة إستراتيجية إقتضتها إشتعال نيران أشرس وأبشع حرب إقليمية شنها النظام العراقي على إيران مستغلا ظروف مابعد التغيير الثوري في إيران وسيادة لغة الشعارات التحريضية في شوارع طهران وهي تحريضات كان من الممكن إحتوائها عبر الوسائل والأدوات السياسية التقليدية، لولا ذلك النزوع العدواني الحاد المترافق مع ترتيبات دولية لسياسة النظام العراقي التي ورطت المنطقة ودول الإقليم في أبشع حرب إستنزافية زرعت العوامل والأهواء لحروب قادمة مهولة ولم تنته تداعياتها حتى اللحظة! لقد كان الإجتماع الخليجي في بوتقة أمنية وسياسية وعسكرية واحدة الأثر الكبير في حفظ الإستقلال والسيادة الخليجية وإن لم يكن ذلك متوافقا مع الإمكانيات الحقيقية والمديات التي يمكن أن يتطور طريق الوحدة الخليجية من خلالها وظلت عوامل القصور والنقص تلعب دورها في عرقلة أي مشروع حقيقي لقيام وحدة خليجية إقليمية متكاملة في ضوء الخلل الواضح في التركيبة السكانية والتفاوت في مستويات النمو الإقتصادية وطبيعة المجتمعات الخليجية المحافظة بالإضافة إلى الصراعات الغريبة الناشبة على الحدود ومناطق السيادة والموروثة عن عهد الإستعمار البريطاني، وإذا كان فتيل النزاع البحريني / القطري قد أنتزع وديا عن طريق محكمة العدل الدولية، فإن نزاعات حدودية أخرى لم تزل حبيسة الأدراج والملفات وهي قد تسخن الموقف في أي لحظة ؟
ملفات عديدة وشائكة تواجهها دول المجلس الست على مستوى التهديد والتحديات التي تعانيها أو على مستويات الإستحقاقات السياسية والعسكرية والأمنية الواجبة الدفع للتماشي مع الحملة الكونية الأمنية لمكافحة الإرهاب الدولي وتجفيف منابعه والقضاء المبرم على مراكز الإيواء والدعم! وهو ملف شائك ومعقد تجد الأنظمة الخليجية نفسها متورطة في تداعياته غصبا عن إرادتها! وبما يعني ذلك من خلق بؤر توتر خليجي داخلية لاتخطيء العين الخبيرة قراءة دلالاتها !.
ولعل الدلالة الكبرى في مايجري أن القمة الخليجية ال 23 تنعقد على أرض الدوحة التي وقعت قبل أيام أكبر وأوسع إتفاق عسكري خليجي مع الولايات المتحدة وهو إتفاق ( بن جاسم / رامسفيلد ) والذي وضع الأساس لدور قطري حاسم تعبويا وإستراتيجيا في الحرب الأميركية شبه الحتمية القادمة لتغيير النظام العراقي! وهي مهمة تثير جدلا وخلافا واسع النطاق ليس ضمن الإطار الخليجي الضيق بل ضمن الإطار العربي العام ، فقطار التغيير المنطلق بقوة يخشى أن تجتاح عرباته العديد من المحطات ؟ كما أن الدور القطري السياسي القوي في دعم الجهود الأميركية العسكرية يجد له تناقضا كبيرا مع السياسة الإعلامية القطرية عبر محطات وروافد الإعلام القطري كالجزيرة وتوابعها من& بعض الصحف القطرية والتي تشن حملات غريبة ومبرمجة ضد أنظمة خليجية أخرى وتتجاهل مايدور على الأرض القطرية ذاتها ؟؟ وهي واحدة من أطرف وأغرب الإشكاليات في الملفات الخليجية المتداخلة التي تواجه قمة الدوحة الحاسمة بل وتهدد بتعكير أجوائها خصوصا وأن ذيول التحرشات الإعلامية القطرية السابقة قد أدت إلى تحجيم بعض المشاركات الرسمية من حيث مستوى التمثيل الرسمي؟ ولكن مع أطنان الملفات والقضايا الخليجية والعربية والدولية المعقدة والمتشابكة سيكون للملف العراقي الشائك حضوره الفاعل مع إقتراب جولة الحسم الأميركية من نهايتها خلال الأسابيع القادمة مع ما يعني ذلك من متغيرات ميدانية عنيفة ليست مضمونة النتائج ولا التداعيات؟
في القمم الخليجية السابقة كانت هنالك تسميات وصفات وسمت بها تلك القمم كقمة الحصاد أو قمة الإنطلاق أو قمة التحدي ... فهل ستوصف قمة الدوحة الحالية بـ"قمة الحرب والتغيير"؟
هذا ماستحدده تطورات الأوضاع خلال الأيام القادمة، ولكن في جميع الأحوال فإن الجميع سيكونون أمام واقع سياسي جديد ... وتلك هي القضية .