&
لندن - سعد البزاز:(سأعطي اسمي لغيري.. وأتخلي عن مقعدي لمن يريده..).
بهذه الجملة علّق الزعيم العراقي مسعود البارزاني علي شكوي الذين لم تظهر أسماؤهم في لائحة أوسع لجنة تنسيق لقيادة المعارضة العراقية.
وتنبع أهمية القول من قائله، فمسعود أظهر خلال الأيام الخمسة لمؤتمر المعارضة العراقية في لندن قدراً غير مألوف من الصبر والزهد، فلم يتهالك علي الظهور، ولم يتنازع علي الموقع، ولم يتزاحم علي الحصص.. وكان المرجع الأخير في حسم الخلافات.
وبدا البارزاني وكأنه غير آبهٍ بالنداءات التي توجّه إليه لينتقل من موقع الحكَمِ الأمين الي منصة المؤتمن علي العراق كله في لحظة الانتقال الدستوري والسياسي التي تتشكل ملامحها علي نحو سريع.. وتقترب يوماً بعد آخر..
وسألته مرةً قبل لقاء الأمس: لماذا يتجاهلُ الذين ينادون به زعيماً للبلاد كلها وليس للشعب الكردي وحده؟ وكان رده: انني فرد واحد نذرت نفسي لأخدم المجموع حيثما وجدوا فيّ حاجة لأداء هذه الخدمة..
أما الحديث معه أمس فقد كان مختلفاً إذْ سأل أكثر من مرة: هل خرج العراقيون راضين هذه المرة؟.. وكيف نساعد بعضنا بعضاً علي اشاعة روح التسامح والصفح..؟ وهل تدلني علي عراقي يشعر بالغبن والمرارة لأستمع إليه وأقف معه..؟
سألته مقابل ذلك: لم تذهب مع مجموعة الستة الي واشنطن قبل ثلاثة أشهر.. وتحاشيت حضور لقاءات كثيرة.. فلماذا حضرت قبل الجميع هذه المرة الي مؤتمر لندن؟
أجاب مسعود:
ــ اعتدت ان لا أذهب إلا الي حيثما اعتقد ان هناك أمراً مهماً وضرورة ملحة.. واعتقد ان الظروف الراهنة حساسة وخطيرة حول مستقبل العراق. فقد حاولنا اسقاط نظام الحكم طويلاً.. وحاول هو أن يكسرنا، ولم ينجح أيّ منا في إلغاء الآخر، الي ان نشأت ظروف جديدة لعالم آخر، فالولايات المتحدة تندفع للعمل بقوة في العراق وما يحيط به، وهذه المنطقة هي مجرد مسرح للعمليات، ولا يستطيع أحد أن يثني الأمريكان عن تنفيذ برنامجهم الذي نراه، لذلك فإن أقل ما ينبغي ان يفعله العراقيون في صفوف المعارضة هو ان يتوصلوا الي موقف موحد ورؤية متقاربة.. لذلك حرصت علي حضور هذا اللقاء والمشاركة فيه..
وأشعر اليوم اننا بلغنا هذا الموقف العراقي الموّحد عبر مؤتمر المعارضة من حيث قدرتنا علي وصف المرحلة الانتقالية ووضع خطاب سياسي واضح نستطيع به مخاطبة الآخرين وتعريف أنفسنا من دون مواربة، وهذا ما كان الآخرون في حاجة لمعرفته منا، وما كنا نحن كعراقيين في حاجة لتقديمه لشعبنا وللعالم.. وقد أنجزنا ذلك بروح التوافق وعملنا علي استيعاب كل ألوان الطيف العراقي من دون إقصاء لأحد ومن دون فرض الوصاية أو الاستعلاء. وهنا يكمن النجاح في سلامة العلاقة مع الشعب ومع أنفسنا.
النسب تخمينية وليست حقيقية
وعدت أسأل مسعود عن نظرته الي معضلة ما يُعرف بـ(النِّسَب) في تقسيم الأدوار والحصص كما سبق أن وصفت في مؤتمر صلاح الدين قبل عقد من الزمان، فقال:
ــ ان النسب الحقيقية هي تلك الموجودة علي الأرض، حيث يكون الحجم الحقيقي لكل طرف ولن يتأتي تلمس ذلك إلا بالعودة الي الشعب وعلي الأرض مباشرة.. ولا شك ان التمسك بالنسب التي وضعت في (صلاح الدين) هو أمر مضر، فلا توجد نسب حقيقية، بل نسب تخمينية، وهي في كل الأحوال ليست أمراً مقدساً لا يجوز المس به أو تغييره أو اعادة النظر فيه.
ثقافة التسامح
يري البارزاني ان مفتاح الحل في مستقبل العراق هو في نشر ثقافة التسامح وعدم الحنين للماضي وجراحاته، لأن ذلك سيجعل الجميع أسري لعذاباتهم السابقة ويعطل قدرتهم علي التبشير بمستقبل أفضل للعراق.
وقد حاولت قبل انعقاد المؤتمر وطوال أيام انعقاده تكريس هذا المفهوم والارتقاء الي ما يجمع ويوفّق بين مختلف التيارات من دون إلغاء لأحد أو تجاهل لدوره ومكانته حتي للاخوة الذين لم يشاركوا في أعمال المؤتمر من أحزاب وشخصيات عراقية ذات سجل كفاحي مشهود له.. وإذا كان لنا ان نكسب رضي الشعب واحترام العالم فإن السبيل الوحيد هو تقديم نموذج راقٍ من التسامح مما يتعطش له كل العراقيين.
الحاجة الي مسعود
وبدا مسعود سعيداً بنتائج الاتفاق العام للمعارضة العراقية لأنه جسّد حالة (اتفاق ووفاق) لم يكن بالامكان بلوغها لولا الدور الذي لعبه حين نأي عن التنازع وكان مرجعاً وحكماً في كل ما وقع الاختلاف عليه حتي بدا انه (الرجل الحل) ليس في هذه المرحلة من تاريخ العراق بل لمستقبل هذا البلد الذي يحتاج الي زعامة لا تشعر بالضآلة لا أمام الولايات المتحدة ولا أمام جيران العراق الأقوياء.. وتكسب ثقة العراقيين الذين اختلفوا علي أمور كثيرة واتفقوا علي الحاجة الي حَكم أمين يدير دفة المرحلة الانتقالية الآتية لا محالة في اليوم التالي لرحيل حكم صدام حسين عن العراق..
ولو لم يكن بين العراقيين مسعود البارزاني.. لكان عليهم أن يبحثوا عمّن يحملُ خصاله.